مازوت التدفئة وذكاء البطاقة!
تصريحات مدير محروقات ريف دمشق الأسبوع الماضي، أثارت زوبعة من ردود الفعل عبر صفحات التواصل الاجتماعي، خاصة حول الكميات الموزعة حتى تاريخه من مادة المازوت، وحول عدم وجود عراقيل أمام توزيع المادة.
لقد صرح مدير محروقات ريف دمشق عبر وسائل الإعلام: إن إجمالي الكميات الموزعة من مازوت التدفئة حتى الآن بلغت 20,529 مليون ليتر، وهناك توجيهات برفع كميات المازوت المخصصة للمناطق الباردة والمكتظة بالسكان في المحافظة، وهناك جهود كبيرة لتنفيذ خطة التدفئة للعام الجاري، مضيفاً أنه: ازدادت طلبات الخطة التموينية خلال شهر تشرين الثاني الماضي والشهر الجاري من مازوت التدفئة حصراً، ولا توجد أية عراقيل حتى الآن أمام توزيع المادة.
للمواطن رأي آخر!
لقد كانت ردود الفعل متباينة من قبل المواطنين، عبر بعض صفحات التواصل التي نقلت التصريح، اعتباراً من الدهشة، وصولاً للتساؤل حول الكميات المخصصة وعدم استلامها كاملة من قبل بعضهم حتى الآن، وفيما يلي بعض من هذه التعليقات:
معقول ما في عراقيل وعنا بلقطيفة أكتر من نص العالم ما أخدت ولا لتر مازوت؟!
«لا توجد عراقيل ونحنا مسجلين من شهر آب بضاحية قدسيا ولهلق ما عبولنا كيف لو كان في عراقيل؟!»
«وعين منين ما عم نشمو للمازوت.. للحلال والحرام 60 لتر وراحت للسنة الجاية!»
«نسيتوا قطنا أيضاً يا حلوين متى نأخذ الـ 100 ليتر الموعدين بها؟»
«يبرود كل هالكميات اللي عميحكي عنها ولسا كتير ناس 100 ليتر ماعبت!»
«شو مشان أشرفية صحنايا ما عبولنا عم ننتظر الدور!»
«التوزيع لناس وناس في جرمانا حسب المعارف والباقي عمرو ما يدفا!»
«نحنا بمنطقة الباردة 8 آذار ناس أخدت وناس لأ!»
وغيرها الكثير من التعليقات الأخرى التي تؤكد على عدم استلام الكمية المخصصة للدفعة الأولى كاملة، كما أن بعضها يشير إلى عدم العدالة في التوزيع، ناهيك عن أن بعض المواطنين لديهم شكاوٍ على بعض الموزعين، وآليات الاستغلال المباشر من قبلهم، خاصة ناحية التلاعب بالكميات على حسابهم، وطلب «الإكرامية» كعبارة ملطفة عن الرشوة علناً.
تصريح رسمي آخر!
تجدر الإشارة أيضاً إلى تصريح مدير عام شركة محروقات «سادكوب»، خلال الأسبوع الماضي كذلك الأمر، حيث قال: «إن مخازين شركة محروقات تبشر بعدم وجود أية مشكلة في تأمين أنواع المشتقات النفطية جميعها للإخوة المواطنين، سواء مادة المازوت لزوم التدفئة وغيرها، أو مادة البنزين الممتاز والغاز» مضيفاً: «تهيأنا جيداً لموسم الشتاء الحالي، ونحن نعلم أنه بعد فترة قسم من المواطنين يستخدمون الغاز للتدفئة المنزلية، موضحاً أن مخازين الغاز جيدة، وأن شركة محروقات تنتج حالياً ما بين 110- 115 ألف أسطوانة غاز يومياً».
وحول مازوت التدفئة قال: «قطعنا مرحلة كبيرة في موضوع توزيع مازوت التدفئة، وأنه تم تخصيص 400 ليتر مازوت تدفئة لكل عائلة خلال موسم الشتاء الحالي، وقد وجّهنا بتعبئة 200 ليتر لكل عائلة مع بداية موسم الشتاء وقبل نهاية العام 2017 تضاف إليها 200 ليتر أخرى توزع مع الأشهر الأولى من العام 2018».
الاحتياجات والسوق السوداء!
مما لا شك فيه، أن الكميات التي أوردها مدير محروقات ريف دمشق هي كميات رقمية معززة بقوائم توزيع متوفرة لديه، وربما كذلك هي الحال لدى مدراء المحروقات في بقية المحافظات، بالمقابل لا يمكن أن ننفي أو ننكر تذمر واحتجاجات المواطنين المحقة والمعززة أيضاً بواقع آليات التوزيع المتباينة بين منطقة وأخرى، ليس على مستوى ريف دمشق فقط، بل على مستوى المدن والمحافظات جميعها، سواء من حيث الكميات المسلمة للدفعة الأولى، التي لم تستكمل حتى الآن واختلافها بين منطقة وأخرى، أو من حيث استكمال خطة توزيع هذه الدفعة أو التي تليها، مع المقارنة المحقة لديهم بناءً على تجارب التوزيع في الأعوام السابقة، خاصة مع واقع بدء اشتعال السوق السوداء من جديد على مادة المازوت، كما على غيرها من مواد التدفئة الأخرى، ومع بدء موسم البرد والشتاء والاحتياجات الفعلية للمواطنين من هذه المادة التي لا تتناسب مع المخصصات أو المسلم منها، وخاصة في المناطق الباردة.
لقد تراوح سعر ليتر المازوت في هذه السوق بين 300_ 350 ليرة، ولا ندري إلى أين يمكن أن يصل السعر لاحقاً، عبر شبكات الاستغلال المنتشرة على هامش حاجات المواطنين وبعمقها، مع التأكيد على أن هذه الشبكات المستغلة ما كان لها أن تقوم بهذا الدور لولا وجود بعض الفاسدين في بعض المواقع المفتاحية، وذلك لاعتبار هام هو: أن المحروقات، والمشتقات النفطية عموماً، من المفترض أنها بيد الجهات الحكومية، استيراداً ونقلاً وتوزيعاً وبيعاً.
السوق السوداء مصدرها حكومي!
يبقى السؤال بعد ذلك كله: من تأتي هذه الكميات كلها، والمتوافرة في السوق السوداء إذاً؟! وبلا مواربة، فهي إما سرقة من مخصصات المواطنين، أو تسربْ من مخازن ومستودعات الجهات الحكومية، باعتبار لا خيار ثالث آخر متاح! وربما الأهم هو: أن هذه السوق والقائمين عليها من المستغلين والفاسدين يعملون أحياناً بشكل شبه علني، وقد أصبح الأمر رائجاً خلال سني الحرب والأزمة في ظل حال الفلتان في السوق بشكل عام، وتفشي ظاهرة المحسوبية والاستقواء على المواطنين وحاجاتهم.
ذكاء الحلول بدلاً من ذكاء البطاقات!
مما لا شك فيه: أن البطاقة الذكية المعلن عنها والمروج عن دورها، لا يمكن لها أن تحل جوهر المشكلة من الناحية العملية، بدليل الوقائع السابقة كلها، وبالتالي، فإن الحل بحد ذاته، هو ما يجب أن يكون ذكياً وليس البطاقة نفسها، ولعل بدايات الحل لمشكلة تأمين حاجات المواطنين من مازوت التدفئة يمكن تبويبها بالتالي:
زيادة كمية المخصصات للمواطنين بما يؤمن احتياجاتهم الفعلية، خاصة في ظل الحديث عن المخازين المبشرة أعلاه.
إعادة النظر بالسعر بما يتناسب مع إمكانات هؤلاء المواطنين فعلاً باعتباره مدعوماً، خاصة في ظل تراجع سعر الدولار الذي يجب أن ينعكس على السلع جميعها افتراضاً.
لحظ آلية دعم لتسديد القيمة على دفعات، نظراً للوضع المتردي العام أجرياً ومعاشياً.
وضع آليات توزيع أكثر مرونة وعدالة، بعيداً عن المحسوبية والوساطات وأوجه الفساد.
المزيد من الرقابة الحقيقية الفاعلة على مستوى التوزيع والبيع للحد من تفلّت السوق السوداء وأوجه الفساد، والمحاسبة الجدية للمستغلين كلهم.