الالتفاف على الحقوق.. رسمياً
الالتفاف على القوانين وليُّ عنقها بما يحقق مصلحة البعض، ليس بجديد على واقعنا المعاش، وربما سنشهد بعضاً من ذلك على مستوى القانون 20 لعام 2015 الخاص بالإيجار، لكن هذه المرة عبر الجهات الرسمية.
عاصي اسماعيل
لقد رشح عن وزارة الصناعة، ما سمي: أنه رؤيتها لمعالجة واقع العقارات المستأجرة من قبلها، وذلك قبل مطلع العام الجديد واستباقاً عليه، حيث حدد القانون: أنه بتاريخ 1/1/2018 سيدخل حيز التنفيذ على مستوى العقارات المستأجرة من قبل الجهات العامة، بمختلف تسمياتها وتبعياتها.
النص القانوني
لقد أقر قانون الإيجار رقم 20 لعام 2015 للمالكين من القطاع الخاص بحق المطالبة بإنهاء علاقتهم الإيجارية مع الجهات العامة، اعتباراً من تاريخ 1/1/2018، وقد نصت إحدى مواده على ما يلي:
«يحق لمالك العقار المؤجر للأحزاب السياسية، أو الجهات العامة، أو البلديات، أو لمؤسسات القطاع العام والمشترك، أو للمنظمات الشعبية، أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات، بدءاً من 1/1/2018 طلب إنهاء العلاقة الإيجارية واسترداد العقار المأجور المشمول بأحكام التمديد القانوني، مقابل التعويض على الجهة المستأجرة بمبلغ يعادل نسبة 40% من قيمة العقار المأجور شاغراً، وبوضعه الراهن بتاريخ الكشف والخبرة على المأجور من قبل المحكمة، على أن يراعى في التقدير قيمة العقار في السوق التجارية وهو شاغر غير مؤجر، شاملاً ذلك قيمة عناصره المادية والمعنوية كافة وما يصيبه من قيمة الأرض، وما له من حقوق وما عليه من ارتفاقات..».
رؤية التفافية
رؤية الوزارة تمثلت بمجموعة من المقترحات، بما يخص العقارات المستأجرة من القطاع الخاص، كالتالي:
_ تمديد مدة الإيجار الحكمي لمدة خمس سنوات أخرى تبدأ من تاريخ 1- 1- 2018.
_ شراء العقارات المستأجرة ونقل ملكيتها من خلال وضع حوافز للمالك لتشجيعه على بيع عقاره للمستأجر، وتلك العقارات غير المشمولة بأحكام التمديد الحكمي.
_ منح الجهة العامة المستأجرة الإعفاءات الضريبية واستثمار العقار المؤجر لجهات القطاع العام والمشترك جميعها سواء أكان طابعها إدارياً أو اقتصادياً من الحق بالتخلية في حال تحقق الحاجة الفعلية للعقار.
_ لحظ أحكام خاصة لعقود للإيجار التي تكون الدولة طرفاً فيها، فلا يمكن أن تخضع الجهات العامة للأحكام نفسها التي يخضع لها الأفراد من ناحية (بدل الإيجار_ إجراءات التقاضي_ مدة الإيجار...).
الرؤية أعلاه لا يمكن توصيفها إلا بأنها محاولة التفاف استباقية على النص القانوني الواضح والصريح، وذلك من بوابة التفرقة في الحقوق والأحكام بين الدولة والأفراد.
مساعي التعميم
مصادر خاصة، حسب ما تم تسميتها عبر الوسائل الإعلامية، ذكرت بأن الرؤية أعلاه سيتم تنفيذها من خلال رؤية واضحة، تقتضي اتخاذ الإجراءات كافة التي تسمح بمعالجة هذا الملف على المستوى الحكومي ككل، وبالتالي ما ينطبق على وزارة الصناعة ينطبق على الوزارات والجهات العامة كافة، وفق المعالجة التي تصدرها الحكومة بعد انتهاء اللجنة من صياغتها وإقرارها بالطرق القانونية.
ما يعني أن هناك جهوداً حكوميةً تسعى إلى العمل على إدخال تعديلات على القانون 20 لعام 2015، بما يحقق مصالح الجهات الحكومية المستأجرة لعقارات مملوكة من قبل المواطنين، وعلى حساب هؤلاء ومصالحهم، بينما من المفترض بأنها مصانة وفقاً لحيثيات القانون حسب ما ذكر أعلاه.
قديم متجدد
يشار إلى أن «قاسيون» سبق وأن عرضت الموضوع بعددها رقم 830 تاريخ 30/9/2017 بمادة تحت عنوان «ملكيات وحقوق»، وفيما يلي بعضاً مما ورد فيها:
«يعتبر قانون الإيجار أعلاه، فرصة للمالكين من أجل استعادة ملكياتهم وبعض حقوقهم، كما استعادة حرية التصرف بها... من المتوقع استناداً إلى النص القانوني أعلاه، أن تبدأ المحاكم باستقبال الكثير من دعاوى الإخلاء... وأمام النص القانوني الجلي والواضح والذي لا يقبل اللبس والتأويل، سيتم البت بهذه الدعاوى حكماً لصالح أصحاب الملكيات، وربما دون الحاجة للمماطلة والتأجيل، باعتبارها ستكون دون جدوى غالباً، على أرضية صيانة الحقوق بموجب الدستور والقانون أولاً، وأمام صراحة النص القانوني ثانياً، وثالثاً: أمام الفترة التي من المفترض أن تكون مستثمرة من قبل الجهات المستأجرة لتوفق أوضاعها مع واقعة إمكانية الإخلاء، والممتدة منذ عام 2015 تاريخ صدور القانون، إلى بداية عام 2018 الموعد الذي أجاز بموجبه للمالكين المطالبة بملكياتهم».
وقد طرحت قاسيون في حينها التساؤلات التالية:
هل وفّقت هذه الجهات أوضاعها، واستثمرت فترة السماح القانوني من عام 2015 لغاية مطلع عام 2018، من أجل عدم الوقوع في هذه المعضلة، أو التخفيف منها ومن تداعياتها؟
أم أنها ما زالت مستكينة لما درجت عليه من حماية قانونية خلال السنوات والعقود الماضية؟
أم أن الحكومة والجهات العامة ستستمر في التعامل مع مبدأ الحقوق والملكيات بمعايير ومكاييل مزدوجة، بين ما لها وما عليها فيما يخص الملكيات وبدلات الإيجار والاستثمار، غبناً هنا ومحاباة هناك؟.
انقلاب على الذات
على ما يبدو، وبموجب الرؤية سابقة الذكر مع حيثياتها، ومع مساعي تعميمها، أن الحكومة وجهاتها العامة مازالت مستمرة بالعمل بمعايير ومكاييل مزدوجة مع مبدأ الحقوق والملكيات، وبأنها بدأت تجيب عن الأسئلة أعلاه حسب التالي:
أولاً: ما زالت الجهات العامة مستكينة على الحماية القانونية التي درجت عليها، وتسعى لتكريس التفرقة في الحقوق والأحكام بين الدولة والأفراد.
ثانياً: أنها لم تستثمر فترة السماح القانوني من عام 2015 لغاية مطلع عام 2018 من أجل توفيق أوضاعها مع حيثيات القانون.
أما اللافت في الأمر فهو: أن الحكومة بتوجهها القديم المتجدد، لا تسعى للالتفاف على الحقوق فقط، بل هي تنقلب على ذاتها بموجب هذا التوجه، حيث أن القانون سبق وأن أشبع تدقيقاً وتمحيصاً من قبل الحكومة ولجانها المختصة، قبل اقراره والموافقة عليه من قبلها، وإحالته إلى مجلس الشعب لاحقاً لإصداره حسب الأصول، وبالتالي: من المفترض ألا تتعامل بذرائعية مع نصوصه حالياً.
استمرار الغبن
وأمام هذه الحال فإن التفاؤل الذي عاش عليه أصحاب الحقوق من المالكين، وخاصة الأفراد، طيلة السنوات الماضية اعتباراً من صدور القانون بعام 2015، بدأ في التلاشي مع الرؤية المعلنة أعلاه بحال تنفيذها، مع ما يعنيه ذلك من استمرار الغبن بحقهم على مستوى حق التصرف بملكياتهم، وتدني بدلات الإيجار التي يتقاضاها هؤلاء لقاء إشغال هذه العقارات من قبل الجهات الحكومية المستأجرة، وغيرها من جوانب الغبن الأخرى.
أسئلة مستجدة
وبعد كل ما سبق، لا بد من طرح الأسئلة المستجدة التالية:
هل ستستمر الحكومة وجهاتها العامة بالاستقواء على الحقوق الفردية، بالفصل الكيفي والمزاجي بينها وبين حقوق الدولة ذرائعياً؟
هل ستتم الاستجابة للرؤية أعلاه، واستكمالها على شكل اقتراح تعديلات على القانون من قبل الحكومة بشكل رسمي؟
هل سيستجيب مجلس الشعب لهذه التعديلات، ويتم إقرارها من قبله لاحقاً؟
وأخيراً، كيف للمواطن أن يتمكن من استرجاع حقوقه المفترض بأنها مصانة قانوناً ودستوراً؟
يبدو، أن «المكتوب مبين من عنوانو» قولاً وفعلاً، وربما لا داعي للمزيد من الشرح والاستفاضة، بأن مجمل السياسات الحكومية المقرة والممارسة لا يمكن لها إلا أن تفرز المزيد من السلبيات، ودائماً على حساب المواطن المستضعف.!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 837