هل انتهى ملف «أجانب الحسكة» أم أنه منسي بين الأضابير؟
هؤلاء عبارة عن عشرات الآلاف من الأكراد السوريين، الذين حرموا من الجنسية السورية في عام 1962، على إثر الإحصاء الذي حصل فيها وبما حولها من بلدات وقرى، بذرائع ومسوغات مختلفة وغير مبررة بحينه.
والنتيجة أنه تم اعتبار آلاف الأكراد السوريين في المحافظة «أجانب»، ما يعني حرمانهم من حقوقهم الكاملة في بلدهم.
استعادة الحق
بعد ما يقارب نصف قرنٍ من هذا التجريد التعسفي من الجنسية، صدر المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2011، والذي قضى بما يلي:
المادة1: يمنح المسجلون في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية.
المادة2: يصدر وزير الداخلية القرارات المتضمنة للتعليمات التنفيذية لهذا المرسوم.
المادة 3: يعتبر هذا المرسوم نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وما إن صدر المرسوم أعلاه، حتى شرع من كانوا معتبرين «أجانب» بتقديم طلباتهم للجهات والدوائر الحكومية، من أجل تكوين وثائقهم في السجلات الرسمية، لتتوج بحصولهم على البطاقات الشخصية السورية، والتي حازها الآلاف من هؤلاء، بعد معاملات شاقة وطويلة ومعقدة.
ملف مفتوح
وعلى الرغم من مضي ستة أعوام على المرسوم أعلاه، إلا أن هذا الملف لم يغلق بشكله النهائي والتام حتى الآن، وما زال آلاف الأكراد السوريين بحكم «الأجانب»، مع ما يعنيه ذلك من مشكلات، اعتباراً من حصولهم على البطاقة الشخصية السورية، مروراً بتسجيل الواقعات المدنية (زواج_ ولادة_ وفاة_ طلاق_ وغيرها) وصولاً للتسجيل في المدارس، وليس انتهاءً بالحرمان من الحقوق الدستورية على مستوى الانتخابات بمستوياتها المختلفة.
طبعاً مع عدم إغفال التداعيات السلبية على الحياة اليومية والأفق المستقبلي لهؤلاء، مع زوجاتهم وأبنائهم، بل وأحفادهم، اعتباراً من استكمال التعليم، مروراً بالحرمان من التقدم للوظائف الحكومية، وليس انتهاءً بصيانة وضمان الحقوق التي يحفظها الدستور والقوانين للسوريين.
التسهيلات الحكومية لم تكن كافية كيف ولِمَ؟!
يلملم السيد أحمد سلو ما بقي من أوراقه على مكتب اللجنة الفرعية في دمشق ويقول: «حصلت على الجنسية السورية قبل عامين بعد إصدار مرسومٍ بذلك، سافرت إلى الحسكة بعد إجراءات كثيرة ودفع مخالفة، على أنني متخلف عن التسجيل، فكما نعلم أن المتخلف عن التقديم للهوية يدفع مخالفة لوزارة المالية، علماً أنني كنت معتبراً بحكم «الأجنبي» وليس كأي مواطن قد يتأخر عن التسجيل».
ويتابع: «استطعت تثبيت زواجي أيضاً بصعوبة كبيرة، وإلى الآن لم أستطع تثبيت أولادي الستة في دفتر العائلة لصعوبة السفر إلى الحسكة، فخانتنا في الدوائر هناك ويجب السفر والعودة لدفع مخالفة الأولاد أيضاً، وفي دمشق لا يتم تقديم تسهيلات بسبب قلة الاطلاع على حالتنا الخاصة من قبل الموظفين، ولن يستطع أولادنا إكمال الدراسة إذا تأخر العمل الجدي للجان المختصة بأمور ما يتم تسميته (المكتومين وأجانب الحسكة)».
تعقيدات وضغوط
بعد تعقد الأحداث في سورية اقتصر السفر جواً من و إلى الحسكة، كما أنه بات صعباً جداً، بالإضافة إلى ضياع العديد من الوثائق في الشمال السوري بسبب الأوضاع الأمنية التي اضطربت هناك مراراً.
بالمقابل: تم افتتاح خانة كاملة في دمشق لأهل الحسكة، لكن التسهيلات غير جدية، فبعد 6 سنوات من مرسوم التجنيس لازال الآلاف بلا هوية، أو إثبات شخصية، ومازالت معاملتهم كمعاملة مواطنين متخلفين عن التقدم للبطاقة الشخصية، مع دفعهم لمبالغ باهظة للمحاميين والمخالفات في الحسكة وفي دمشق، وخاصة مع كم التعقيد الكبير بين الدوائر، التي لازال الكثير من موظفيها على غير دراية كاملة بالحالة الخاصة لمحرومي الجنسية، ممن كانوا معتبرين «أجانب» رغماً عنهم.
وحتى بعد حصول الكثيرين على الجنسية، مازالت تواجه هؤلاء صعوبات بالتقديم الجامعي، على سبيل المثال، خاصة مع هذه الإجراءات الكثيفة ما بين الحسكة ودمشق.
على سبيل المثال: لا يعتد بالوثائق الصادرة عن أمانة السجل المدني في محافظة الحسكة، من أجل وثائق السفر خارج القطر، كما يتم الـتأخر أحياناً شهرين للحصول على بعض الوثائق، باعتبار أن أسماء هؤلاء لم يدرجوا ضمن الشبكة العامة لأمانة السجل المدني التابعة لوزارة الداخلية.
«أجانب» بلا وثائق، ضغوط نفسية ومادية، ولازال التعامل مع هؤلاء هشاً بدون تسهيلات، ما بين (ختم_ لتوقيع_ لبصم...) في كل مكتب وكل دائرة، وتعقيدات إجرائية غير منتهية، وواقع الحال يقول: إن الجدية باتت أمراً مطلوباً وواجباً ضرورياً.
فمَن يُغلق هذا الملف، لتنتهي الدوامة بين إجراءات الدوائر الصارمة في دمشق، وضياع البيانات في الحسكة؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 833