ملكيات وحقوق
مع اقتراب العام الجديد، ومع بدء الدولة باستعادة بعض حقوقها على مستوى استثمارها لملكياتها، سيفتح ملف حقوق القطاع الخاص بعقاراته المؤجرة للجهات العامة.
فقد أقر قانون الإيجار رقم 20 لعام 2015 للمالكين من القطاع الخاص بحق المطالبة بإنهاء علاقتهم الإيجارية مع الجهات العامة اعتباراً من تاريخ 1/1/2018.
ملكيات وميزات!
من المعلوم أن هناك الكثير الكثير من العقارات المملوكة من قبل القطاع الخاص، وخاصة على مستوى الأفراد، مؤجرة لصالح الكثير من الجهات بمختلف تسمياتها، بما فيها الجهات العامة، منذ سنين وعقود طويلة، وقد كانت هذه العلاقة الإيجارية طيلة هذه السنين خاضعة للتمديد الحكمي، بموجب النصوص القانونية، مع الأخذ بعين الاعتبار تدني بدلات الإيجار التي يتقاضاها هؤلاء المالكون لقاء إشغال هذه العقارات من قبل الجهات المستأجرة، وخاصة العامة منها، بل يعتبر بعضها «بتراب المصاري» حسب المالكين، بالمقارنة مع الأسعار الرائجة، ما يعني الكثير من الغبن بحقهم طيلة السنوات الماضية، باعتبار أن الكثير من هذه الملكيات تقع في وسط المدن وفي الأسواق وفي المناطق ذات الطابع التجاري والاقتصادي، بالإضافة إلى بعض الميزات الكثيرة الأخرى، التي تبدأ بالمساحات الكبيرة (البعض منها أبنية كاملة متكاملة)، ولا تنتهي بالموقع، مثل: بناء التأمينات الاجتماعية وسط دمشق بالقرب من فندق الشام، أو الكثير من المدارس في الكثير من الأحياء والمدن.
استعادة الملكية قانوناً
يعتبر قانون الإيجار أعلاه، فرصة للمالكين من أجل استعادة ملكياتهم وبعض حقوقهم، كما استعادة حرية التصرف بها، حيث نصت إحدى مواده على ما يلي:
«يحق لمالك العقار المؤجر للأحزاب السياسية أو الجهات العامة أو البلديات أو لمؤسسات القطاع العام والمشترك أو للمنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات، بدءاً من 1/1/2018 طلب إنهاء العلاقة الإيجارية واسترداد العقار المأجور المشمول بأحكام التمديد القانوني، مقابل التعويض على الجهة المستأجرة بمبلغ يعادل نسبة 40% من قيمة العقار المأجور شاغراً، وبوضعه الراهن بتاريخ الكشف والخبرة على المأجور من قبل المحكمة، على أن يراعى في التقدير قيمة العقار في السوق التجارية وهو شاغر غير مؤجر، شاملاً ذلك قيمة عناصره المادية والمعنوية كافةً وما يصيبه من قيمة الأرض وما له من حقوق وما عليه من ارتفاقات..».
دعاوى بحكم المفصولة قانوناً
بغض النظر عن القانون وما عرض عليه من ملاحظات، فمن المتوقع استناداً للنص القانوني أعلاه، أن تبدأ المحاكم باستقبال الكثير من دعاوى الإخلاء التي سيتقدم بها أصحاب الملكيات الخاصة من أجل استرداد ملكياتهم المؤجرة للجهات المذكورة بالنص القانوني، وذلك اعتباراً من تاريخ 1/1/2018، وربما ستكون هذه الدعوى كثيرة ومتكاثرة، وذلك بالتوازي مع كثرة عدد العقارات المؤجرة تلك، على طول مساحة البلاد وعرضها.
وأمام النص القانوني الجلي والواضح والذي لا يقبل اللبس والتأويل، سيتم البت بهذه الدعاوى حكماً لصالح أصحاب الملكيات، وربما دون الحاجة للمماطلة والتأجيل، باعتبارها ستكون دون جدوى غالباً، على أرضية صيانة الحقوق بموجب الدستور والقانون أولاً، وأمام صراحة النص القانوني ثانياً، وثالثاً أمام الفترة التي من المفترض أن تكون مستثمرة من قبل الجهات المستأجرة لتوفق أوضاعها مع واقعة إمكانية الإخلاء، والممتدة منذ عام 2015 تاريخ صدور القانون، إلى بداية عام 2018 الموعد الذي أجاز بموجبه للمالكين بالمطالبة بملكياتهم.
معضلة الجهات العامة؟
ما يعنينا من أمر الموضوع أعلاه، بالإضافة إلى أهميته على مستوى استعادة بعض الحقوق للمالكين، والتي لطالما طالبوا بها دون جدوى سابقاً، هو أن بعض الجهات العامة ستكون أمام معضلة حقيقية، حيث كانت مستكينة لموضوعة وآلية التمديد الحكمي بعلاقاتها الإيجارية مع المالكين طيلة السنوات الماضية، كما كانت مستفيدة من تدني بدلات الإيجار المسددة من قبلها لقاء إشغالها لتلك الملكيات، بالمقارنة مع قيمة بدلات الإيجار الحقيقية الرائجة والمعمول بها، واضطرارها أمام صراحة النص القانوني إلى الإخلاء أو اتباع وسائل وطرق الاتفاق على إبرام علاقات إيجارية جديدة وفقاً للأسعار والقيم الرائجة، بحال موافقة أصحاب الملكية.
على هذه الأرضية القانونية، والأفق الواضح بشأنها فيما يخص استعادة الملكيات المؤجرة لجهات الدولة من قبل المالكين، وأمام المعضلة المتوقعة التي ستواجهها بعض الجهات العامة والمتمثلة بالاضطرار لإخلاء بعض المقرات والعقارات المشغولة من قبلها والتابعة بملكيتها للقطاع الخاص، نتساءل:
هل وفّقت هذه الجهات أوضاعها واستثمرت فترة السماح القانوني من عام 2015 لغاية مطلع عام 2018، من أجل عدم الوقوع في هذه المعضلة، أو التخفيف منها ومن تداعياتها؟
أم أنها ما زالت مستكينة لما درجت عليه من حماية قانونية خلال السنوات والعقود الماضية؟
واقع الحال
واقع الحال يقول: أنه وطيلة السنوات والعقود الماضية كانت هناك محاباة لمصالح أصحاب رؤوس الأموال بما يخص ملكيات الدولة الموضوعة بالاستثمار لصالح هؤلاء، وقد كانت الدولة بوزاراتها ومؤسساتها وجهاتها العامة خاسرة معهم، وهو ما أدى إلى فتح هذا الملف مؤخراً من أجل تعديل كفة الميزان لمصلحة الدولة.
في المقابل، كانت الدولة عبر وزاراتها ومؤسساتها وجهاتها العامة تمارس الغبن بحق المالكين لبعض ما تشغله من عقارات، بموجب عقود إيجار بأسعار شبه رمزية، وهو ما سيتم إعادة النظر فيه بموجب قانون الإيجار أعلاه مطلع العام القادم.
والمنطق العام يقول: إن مبدأ صيانة الحقوق واحد لا يمكن تجزئته، بحيث لا يكون هناك لا محاباة ولا غبن، وهو ما يجب أن تعمل عليه الحكومة والجهات العامة بما يخص الملكيات المؤجرة أو المستأجرة من قبلها.
دور الدولة والحكومة
مع فتح ملف ملكيات الدولة (وزارات- مؤسسات- شركات- وغيرها) من العقارات والأبنية المستثمرة من قبل القطاع الخاص أو المؤجرة له، وهي كثيرة وذات ميزات كذلك الأمر، وضرورة استكمال إنهاء هذا الملف، بما يعيد للدولة بعضاً من حقوقها المهدورة والمستباحة منذ سنين، في مقابل ما يمكن أن تواجهه بعض الجهات العامة من معضلات مرتبطة بتأمين البدائل للإخلاءات المتوقعة مع بداية العام القادم، نتساءل:
ما إمكانية الاستفادة من العقارات والأبنية والمنشآت التي ستستعيدها الدولة من قبل الجهات العامة التي ستضطر لإخلاء بعض إشغالاتها؟.
عن سعي الحكومة لإيجاد الصيغة المناسبة لهذا الإجراء، باعتبار أنها سبق وطلبت من الجهات العامة كافةً بيانات تفصيلية بهذا الشأن؟.
أم أن الحكومة والجهات العامة ستستمر بالتعامل مع مبدأ الحقوق والملكيات بمعايير ومكاييل مزدوجة، بين ما لها وما عليها فيما يخص الملكيات وبدلات الإيجار والاستثمار، غبناً هنا ومحاباة هناك؟.
حسب رأينا، ما زال هناك بعض المتسع من الوقت من أجل إنجاز ما هو مطلوب على مستوى هذا الملف المتداخل حكومياً، قبل نهاية العام الحالي ومع بداية العام القادم، بحيث تستكمل الدولة استعادة حقوقها، وتحد من تداعيات المعضلة التي ستواجهها بعض الجهات العامة بإشغالاتها المستأجرة من القطاع الخاص، وبما يحقق استعادة المواطنين لحقوقهم بملكياتهم، بعيداً قدر الممكن عن أروقة المحاكم ومساعي الإطالة، التي ربما ستكون دون جدوى، بل ربما ستكون مكلفة أيضاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 830