مصالح المؤمَّن عليه غائبة دائماً!
اقتراح تأميني جديد يصب في مصلحة أصحاب الأرباح على حساب مصلحة أصحاب الأجور، فقد تداولت وسائل الإعلام، منتصف الأسبوع المنصرم، الحديث عن اقتراح إحداثِ شركة خاصة بالتأمين الصحي، تشمل أطراف العملية التأمينية جميعها.
الاقتراح أعلاه تقدم به مدير التأمين الصحي في المؤسسة العامة السورية للتأمين، والذي اعتبر اقتراحه فرصة لشركات التأمين الخاصة للمساهمة برأسمال الشركة، بما يواكب التزايد المستمر والمتسارع لإجمالي المحفظة التأمينية.
فرصة تربّح!
حسب الاقتراح، فإن الشركة المحدثة سيتم تمويلها من خلال مساهمة شركات إدارة النفقات الطبية، إلى جانب شركات التأمين الخاصة العاملة في السوق السورية، المرخصة أصولاً، مع النقابات واتحاد العمال، وذلك في رأس المال وبمعدلات الربح والخسارة، مع الكثير من التوضيحات الرقمية حول نسب المساهمة، ونسب الاقتطاعات المخصصة للتمويل من هذه الجهات، بالإضافة إلى المزايا التي ترتبط بأهمية استمرارية المشروع، ورفد التأمين الصحي بموارد مالية، ومنع ازدواجية الصرف أو الاستفادة من مكانين.
كما لم يخف الاقتراح نية التوجه الحكومي بناءً عليه، إلزامية تأمين القطاع الاقتصادي الحكومي عن طريق السورية للتأمين، مع استمرارية سداد حصص القسط التأميني عن عقود القطاع الإداري، بالإضافة إلى تحويل اقتطاعات مؤسسة التأمينات الاجتماعية المحسومة من العاملين لمصلحة التأمين الصحي.
تبريرات وغائب وحيد؟
أما عن التبريرات فقد كانت بسبب زيادة حجم وأرقام أعمال المديرية، وازدياد عدد الجهات المؤمن لها في محفظة التأمين الصحي، وأعداد المؤمن لهم ضمن هذه الجهات، وكذلك ضغط العمل والأعباء المتزايدة والمستمرة التي تعجز المديرية بهيكليتها الحالية عن القيام بها ومواكبتها، أو حتى الاستمرار فيها مع الأعداد المتزايدة انضماماً للتأمين، ومع عدم إغفال الحاجة لـ 700 موظف لإدارة المحفظة التأمينية.
الاقتراح والتبريرات والمزايا وتقاسم الأرباح، ومصالح الشركات الخاصة، وتخفيف الأعباء عن المديرية، وغيرها من القضايا المتشعبة الأخرى، كانت كلها حاضرة في حديث مدير التأمين الصحي في السورية للتأمين، والغائب الوحيد كان مصلحة العاملين المؤمن عليهم، أو الذين سيفرض عليهم الانضمام للمحفظة التأمينية الصحية مستقبلاً.
الربح هو الغاية والهدف
مما لا شك فيه، أن إحداث هذه الشركة الخاصة غايته تحقيق الأرباح، وهو ما لم يتم إغفاله صراحة حسب الاقتراح أعلاه، ومع المهام الكبيرة التي تم الحديث عنها، والحاجة للمزيد من الطاقم الإداري العامل من أجل تنفيذها، فهذا يعني بالواقع العملي المزيد من الانفاق، وهو ما سوف يتم البحث عن موارد من أجل تغطيته، بعيداً عن حصص الأرباح المأمول بها من كل بد، وبالتالي فإن جيوب العاملين هي الجهة المستهدفة من أجل تغطية هذا الإنفاق المتزايد، أو أن صحته هي التي ستكون مستهدفة عبر المزيد من سوء الخدمات، أو تخفيض التغطيات التأمينية، وغيرها من البوابات الأخرى التي ستنعكس سلباً على صحة العامل بالنتيجة.
حيث لم يتم التوضيح فيما إذا كان بمقابل إحداث مثل هذه الشركة الخاصة، سوف يحمل المؤمن عليهم نفقات إضافية تتمثل بزيادة الاقتطاعات الشهرية من أجورهم، أو أنه سينعكس عليهم عبر المزيد من تدني الخدمة!.
وعسانا نكون مخطئين بتقديرنا هذا، بانتظار ما ستتفتق به القرائح من مستجدات على هذا القطاع، الذي تزايدت به الاقتراحات، كما تزايدت به وعليه أيدي الباحثين عن المزيد من الأرباح والثروة على حسابه وعلى حساب المؤمن عليهم.
تقارير رسمية
لعله من المفيد تسليط الأضواء على ما بينه التقرير الصادر عن هيئة الإشراف على التأمين، بأنه وخلال النصف الأول من العام الحالي حقق أقساطاً بقيمة 14 مليار ليرة، دفعها المؤمنون لـ 13 شركة عاملة في السوق، منها 9.7 مليارات ليرة حصة المؤسسة العامة السورية للتأمين، موضحاً أن عائدات سوق التأمين تتحسن وتتطور بشكل مستمر، حيث بلغت نسبة الزيادة خلال الربع الأول من العام الجاري عن الفترة نفسها من العام الماضي بنحو 30 بالمئة.
كما أشارت الهيئة في تقريرها إلى أن إجمالي الأقساط التي حققتها شركات التأمين في فروع التأمين كافة بلغت 9,5 مليارات ليرة بارتفاع عن الفترة نفسها من العام 2015 بنسبة 34%، وفي المرتبة الثانية من إجمالي أقساط السوق، جاء فرع التأمين الصحي حيث بلغت نسبته حوالي 21% من إجمالي الأعمال محققاً أقساطاً بلغت 1,9 مليار بنمو حوالي 62% عن عام 2015، في حين حقق فرع تأمين السيارات الإلزامي الحصة الأكبر من السوق بنسبة 31% من إجمالي الأعمال، وبأقساط بلغت 2,9 مليار ليرة.
لقد وصل إجمالي الربح الصافي لشركات التأمين الخاصة 4,8 مليارات ليرة، بنمو حوالي 12% عن عام 2015، أما الربح التشغيلي لشركات التأمين الخاصة في فروع التأمين كافة بلغت 2,4 مليار ليرة.
حكومة محابية
المؤسف بعد ذلك كله أن الكثير من الاقتراحات التي تصب في مصلحة شركات القطاع الخاص، يتقدم بها «متبرعون» من العاملين في قطاع الدولة، وكل مرة بذريعة وبمسميات مختلفة، وبعبارات منمقة ومسبوكة قديمة مجددة، معززة بالدراسات والأرقام والأوهام، وكأن قطاع الدولة أصبح عاجزاً عن القيام بمهامه، أو هكذا يتم تسويق صورته، لتستمر عملية تغييبه وتهميشه وإضعافه، بما يخدم القطاع الخاص ويحقق مصالحه، على حساب قطاع الدولة والعاملين فيه، كما على حساب المواطنين والبلد بالنتيجة.
وهذه الاقتراحات، بأهدافها وغاياتها ومراميها، تمرر حكومياً بكل يسر وسلاسة، المرة تلو الأخرى، مع الكثير من الامتيازات الإضافية للقطاع الخاص والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، وهو ليس مستغرباً من كل بد، في ظل الاستمرار بالعمل وفقاً للنهج الليبرالي نفسه للحكومة، المحابي لمصالح هذه الشريحة على حساب البقية الباقية من الشعب السوري، طبعاً مع عدم إغفالنا لوجود الكثير من «المتبرعين» أيضاً للدفاع عن هذه السياسات وترويجها وتسويقها، في المواقع والقطاعات كلها، والكثير من المنابر؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 829