الحركة الشعبية ماضية رغم تغييبها
على الرغم من كل محاولات ومساعي تغييب الحراك الشعبي، وخاصة بوجه الإرهاب والإرهابيين، وأزلامهم وأتباعهم، وبرامجهم وغاياتهم وأهدافهم، إلا أن واقع الحال يقول بأن الحركة الشعبية مازالت جذوتها مشتعلة.
فقد حفل الشهر الماضي، ومطلع هذا الشهر، بالعديد من التحركات الشعبية، غالبيتها أخذت شكل التظاهر، وبعضها تجاوز ذلك لحدود حصار بعض المسلحين، أو طردهم.
مظاهرات عامة ومعممة
الغوطة الشرقية بقراها وبلداتها العديدة كانت مسرحاً للكثير من المظاهرات الشعبية، على الرغم من لعلعة الرصاص وقعقعة السلاح، بين العديد من المجموعات المسلحة في المنطقة الواسعة، أو بين الجيش وجبهة النصرة وأتباعها وحلفائها ومبايعينها.
فقد خرجت مظاهرة في كفر بطنا، نهاية الشهر الماضي، احتشد فيها المئات من المتظاهرين، حيث كانت مطالب هؤلاء متجذرة حول خروج «جبهة النصرة» من بلدتهم، رافعين الشعارات، ومرددين الهتافات ضدها، وضد تواجدها، وقد مارست «جبهة النصرة» إرهابها بحق هؤلاء المتظاهرين عبر إطلاق النار، الأمر الذي دعا المتظاهرين لمهاجمة مطلقي النار، الذين لاذوا بالفرار أمام حالة التصعيد الشعبي.
كذلك الأمر فقد خرجت العديد من المظاهرات في العديد من البلدات الأخرى، عين ترما- عربين- كما خرجت مظاهرة أخرى في مدينة دوما، حيث طالب المتظاهرون بخروج «جبهة النصرة» وطردها ومحاربتها.
ولم تقف حدود المظاهرات عند الغوطة الشرقية، بل وصلت إلى ادلب وريف حلب ومعرة النعمان وبنش والدانا والأتارب وكفرناها وخان العسل وجرابلس والباب وحاس وأريحا وسراقب وكفروما وغيرها، مطالبة بالإدارة المدنية لبلداتهم، بدلاً من إدارات المجموعات المسلحة المتنازعة والمقتتلة، ومطالبة بخروج «جبهة النصرة» من هذه البلدات، بالإضافة لبعض المطالب الشعبية الأخرى.
كذلك فقد خرجت العديد من المظاهرات في ريف حمص الشمالي، تلبيسة- الغنطو- الدار الكبيرة- المكرمية- الزعفرانة- للمطالبة بمحاسبة الفاسدين وتوحيد الكلمة المدنية والعسكرية، والتأكيد على الاتفاق الموقع مع الجانب الروسي.
كما كان الشهر الماضي مسرحاً لعديد من الظاهرات في بلدات وقرى مدينة درعا، رافعة العديد من الشعارات والمطالب.
مطالب وأهداف
على الرغم من تنوع وتعدد الشعارات المرفوعة من قبل هؤلاء المتظاهرين، وذلك لاختلاف ظروف كل بلدة أو قرية عن الأخرى، ولاختلاف وتعدد المجموعات المسلحة المتحكمة بها والمسيطرة عليها، وتعدد تبعيتها وولاءاتها، إلا أننا يمكن أن نرصد الغايات والأهداف العامة التي تحركت من أجلها الجموع الشعبية في هذه البلدات بالتالي:
رفض السلاح وتكريس وقف إطلاق النار.
زيادة دور الإدارات المدنية والحركة الشعبية.
نبذ وطرد المجموعات المسلحة المصنفة إرهابياً، وخاصة «جبهة النصرة» بغض النظر عن مسمياتها.
إخراج المجموعات المسلحة من المدن والبلدات.
التمسك بالاتفاقات المبرمة (وقف إطلاق النار ومناطق خفض الصعيد).
محاسبة الفاسدين من المجموعات المسلحة والمحسوبين عليهم.
الاهتمام بحاجات الأهالي وتأمينها.
التمسك بأهمية الحركة الشعبية لتحقيق المطالب.
تقدم الحل السياسي
ومن اللافت بأن الحراك الشعبي بدأ يستعيد قواه نتيجة جملة من العوامل الموضوعية والذاتية، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
تراجع وانحسار الخيارات العسكرية أمام تقدم الحل السياسي عبر بوابته الدولية جنيف.
تكريس وقف إطلاق النار، وبدء تنفيذ اتفاق مناطق خفض التصعيد.
دور الضامنين لهذه الاتفاقات، وخاصة الجانب الروسي.
تثمير عملية الفصل بين التنظيمات الإرهابية وغيرها من المجموعات المسلحة الأخرى ميدانياً.
زيادة فاعلية الدور المدني على مستوى الإدارة والتنظيم على حساب تراجع دور المسلحين.
تغييب إعلامي
وعلى الرغم من كل هذه التحركات الشعبية، التي أخذت الطابع العام تقريباً، والتي ما زالت الإمكانية أمامها مفتوحة، بل وتتزايد بالواقع العملي، موضوعياً وذاتياً، إلا أن وسائل الإعلام الدولية لم تكن فاعلة على مستوى تغطيتها أو تبنيها، كما درجت عليه عادتها، بل أصبح تناقل أخبار هذه التحركات مقتصراً على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإعلامية المحدودة، اللهم باستثناء ما يمكن نقله تحريفاً وتضليلاً وتشويهاً لهذه التحركات، ولعل ذلك بسبب أساسي أن القائمين على هذه الوسائل، دولاً ومنظمات وممولين، ليس من مصلحتهم تسليط الأضواء على الحركة الشعبية التي بدأت تستعيد قواها بوجه المسلحين من كل شاكلة ولون، وخاصة تلك المحسوبة على الإرهاب، معلنة رفضها للسلاح وحامليه، كما لمشاريعهم وأهدافهم بنهاية المطاف، ومتمسكة بمطالبها الشعبية المتمثلة بالتغيير الديمقراطي الشامل والعميق، والتي تصب بالنتيجة والمآل باتجاه تعزيز الحل السياسي عبر جنيف والقرار 2254، وتدفع به إلى الأمام، على حساب تراجع كل القوى الداعمة والراعية للمزيد من الاقتتال والمعارك بغاية إطالة أمد الحرب والأزمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 825