مواسم العوز
كما كل موسم، في مثل هذا التوقيت من كل عام، تُفرض على المواطن جملة من الضرورات المتمثلة ببعض المستلزمات المرتبطة بالمدارس والعيد والمونة، بالإضافة للضرورات الحياتية المعاشية الأخرى.
وإذا كانت الظروف الاقتصادية المعاشية قد فرضت خلال السنين الماضية على المواطنين إلغاء الكثير من مستلزمات العيد والمونة وتقاليدهما، أو التقنين بها لأبعد الحدود، إلا أن المستلزمات المدرسية تعتبر ضرورة لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، والتقنين بها.
فرصة تكسب!
بالمقابل فقد أصبح موسم المدارس فرصة للتكسب، والمزيد منه، من قبل التجار والبائعين، حيث تتزايد أسعار المستلزمات المدرسية عاماً بعد آخر، ودون أسباب ومبررات موضوعية أو منطقية، اللهم إلا الجشع والاستغلال المتزايد.
فأسعار المستلزمات المدرسية ارتفعت هذا العام بالمقارنة مع أسعار العام الفائت، حيث تراوح سعر اللباس المدرسي للمرحلة الإعدادية بين 8000- 12000 ليرة، ومثلها للمرحلة الثانوية، وفي بعض المحلات كانت أسعارها أعلى من ذلك، والصدرية المدرسية لمرحلة التعليم الأساسي تراوح سعرها بين 1000- 2000 ليرة، أما على مستوى الحقائب المدرسية فقد تراوح سعرها بين 4000- 8000 ليرة، وذلك حسب حجمها ونوعيتها، أما عن أسعار القرطاسية (دفاتر وأقلام وغيرها) فالحديث ربما يطول، فالأسعار فيها الكثير من التفاوت والانفلات، حسب النوعية والمواصفة والحجم، وشطارة البائعين، وكذلك هي حال أسعار الأحذية، المرتبطة بالشكل وبالجودة والمواصفة.
100 ألف ليرة فقط!
المختصر المفيد أن أسرة لديها ثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، وهو الحد الوسطي، سوف تتكبد بحدود 100 ألف ليرة على أقل تقدير من أجل تأمين المستلزمات الأساسية لهؤلاء، من ألبسة وأحذية وبعض القرطاسية، وذلك لانعدام فرصة التدوير من عام لآخر على هذه المستلزمات، وخاصة القرطاسية، وبما في ذلك الألبسة المدرسية، وذلك لتراجع مواصفاتها بشكل كبير عاماً بعد آخر، ناحية نوعية الأقمشة المستخدمة، والخياطة.
وفي ظل واقع التردي المعيشي، وواقع الأجور المتدني، يعتبر هذا المبلغ الكبير عبئاً لا يستطيع تحمله أرباب الأسر من فقراء الحال والمعوزين، فالموسم المدرسي بالنسبة لهؤلاء يعني المزيد من التقشف المعيشي، حيث يلجأ بعض هؤلاء للاستدانة من أجل تأمين هذه المستلزمات في هذا الموسم، أما الغالبية العظمى فستكون عاجزة عن تأمين المستلزمات المدرسية لأبنائها.
تدخل ايجابي!
السورية للتجارة دخلت على خط تأمين المستلزمات المدرسية من بوابة التقسيط للعاملين في الدولة، وبسقف 50 ألف ليرة لكل عامل (دائم- عقود) وبدون فوائد، يسدد على مدار 10 أشهر، وقد طرحت تشكيلة سلعية من المستلزمات المدرسية في صالاتها، كشكل من أشكال التدخل الإيجابي، على أنها منافسة ناحية السعر والمواصفة.
مما لا شك فيه أن للسورية للتجارة دور إيجابي نوعاً ما على هذا الصعيد، لكنه محصور ومقيد بالعاملين بالدولة فقط، أما عن الغالبية من العاملين بأجر، أو ممن دون أجر، أو دخول شهرية، فلأبنائهم حظوظ معدومة هذا الموسم، كما المواسم المدرسية السابقة، في ظل حال الفقر والعوز، وفي ظل الحال المنفلت للسوق.
بؤس مشرعن!
المؤسف عملياً هو ما آل إليه حال التدخل الإيجابي لمؤسسات الدولة على مستوى تأمين احتياجات المواطنين من السلع تقسيطاً، حيث كان هذا النموذج يُتبع من أجل السلع المعمرة، برادات، تلفزيونات، غسالات، وغيرها من الكهربائيات والأدوات والمستلزمات المنزلية الأخرى، كما دخلت آليات التقسيط سابقاً على مستوى السيارات كذلك الأمر، إما عبر الشركات مباشرة أو بضمانة بعض المصارف، بما فيها الحكومية.
أما أن يصل حال التقسيط لتمويل المستلزمات المدرسية من ألبسة مدرسية وقرطاسية، وبسقف 50 ألف ليرة على مدار 10 أشهر، فهو البؤس بعينه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الفقر والعوز الذي وصل إليه حال العاملين بأجر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الحال لا تتحمل وزره مؤسسات التدخل الإيجابي، كما لا يمكن تحميلها ما لا تستطيع إمكاناتها من تحمله على مستوى آليات التقسيط المتبعة من قبلها، بل تتحمله الحكومة في ظل السياسات الاقتصادية المعيشية المتبعة رسمياً من قبلها، وخاصة على مستوى سياسة تثبيت الأجور، التي تم من خلالها شرعنة البؤس، وتعميمه، دون أن يرفّ لها جفن، فبؤس المعيشة من بؤس السياسات أولاً وآخراً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 824