ثلاثة تجارب فاشلة لتوزيع المازوت .. لسنا «فئران تجارب»

ثلاثة تجارب فاشلة لتوزيع المازوت .. لسنا «فئران تجارب»

أبو رامي، لم يحصل على حصته من مازوت التدفئة منذ الشتاء الماضي، ورغم مراجعته لمركز حاميش مراراً، إلا أن الجواب كان يأتيه (انتظر دورك)، حتى فات الشتاء ودخل الصيف، وأوقفت الحكومة توزيع المازوت «لارتفاع درجات الحرارة وعدم وجود حاجة له، إضافة إلى نقص الكميات» بحسب تبريراتها.

تصريحات «سادكوب» كانت تؤكد مراراً على أن من يتشاركون الهم مع أبي رامي، وهو رب عائلة مؤلفة من 3 أشخاص، لن يخسروا حقهم، وستكون لهم الأولوية في الحصول على مازوت التدفئة عند فتح باب التسجيل للشتاء القادم، لكن هذه الوعود تكسرت على نافذة مركز حاميش، حين جاءه الجواب منذ أيام (بلها وشراب ميتها) والقصد وصل استلام مستحقات المازوت المؤرخة بـ 2016، طالبين منه إعادة التسجيل من جديد وانتظار دوره.
وُعد أبو رامي بأن يستلم مخصصاته بعد 3 أيام مالم يحصل حتى لحظة إعداد هذه المادة في اليوم الرابع، وهو يخشى بأن يتكرر سيناريو العام الماضي مرة أخرى.

الذكاء ليس الحل!
منذ العام الماضي، والحكومة تروج لما تسميه بـ «البطاقة الذكية» التي لم تستخدم بعد بخصوص توزيع مازوت التدفئة، وتؤكد هذا العام أنها ستعممها، علماً أن توزيع المازوت قد بدأ بحسب تصريحاتها منذ 2 آب، مايعني: أن البعض سيحصل على المازوت بأسلوب ذكي والآخر بالأسلوب التقليدي، هذا إن تم تطبيق الآلية الجديدة.
الفائدة من البطاقة الذكية غير معروفة بعد، فالقضية الجوهرية بعدم حصول أصحاب الاستحقاقات على مستحقاتهم من مازوت التدفئة، هو عدم توفر كمية كافية، وذلك بحسب تصريحات الحكومة كل عام، وأن الأولوية في الشتاء ليست لدفء المواطن، بل للمشافي والمباني الحكومية والدوائر الرسمية، وما إلى ذلك من قطاعات عامة.
إذن، البطاقة الذكية لن تحل مشكلة توفر المادة، أو مشكلة بيعها في السوق السوداء، كون التجارة بالمادة تعتمد بالأساس على من يستلم المادة بداية، وعلى من يخزنها ويعدها للتوزيع وعلى من يوزعها أيضاً، فهم المعنيون بتسريب المادة عبر منافذ غير رسمية، أي: أن بقاء السوق السوداء هذا الشتاء، ونقص المادة، إضافة إلى عدم حصول المواطنين على حصصهم سيعلن فشل التجربة بشكل أو بآخر.

التاريخ يثبت الفشل
قبل عام 2009، كان الأسلوب المتبع لتوزيع مازوت التدفئة، هو القسائم، لكن رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي عطري أعلن في شهر آذار من 2009: أن «تجربة توزيع القسائم للتدفئة المنزلية أثبتت عدم جدواها، لذلك تم اعتماد البديل النقدي عوضاً عنها، حيث سيتم توزيعه على كل مستحق من الأسر السورية»، على حد تعبيره.
بتاريخ 19/11/2009 أصدر الرئيس بشار الأسد القانون رقم /29/ والذي يقضي بتوزيع مبلغ الدعم النقدي لمادة المازوت على المواطنين، وتحديد المبالغ المراد توزيعها بشكل نقدي على المواطنين السوريين، المقيمين إقامة دائمة، ومن في حكمهم من أرباب الأسر المستحقة للدعم ممن يحملون بطاقات عائلية، وبتاريخ 15/12/2009 أقرت الحكومة التعليمات التنفيذية للقانون، بحيث يوزع مبلغ الدعم على دفعتين، كل منهما خمسة ألاف ليرة سورية، يبدأ استحقاق الأولى منهما في منتصف كانون الأول، والثانية في الأول من شهر شباط لعام 2010.
وبموجب ذلك حصلت الأسر التي سجلت على شيكات بذات القيمة مهما كان عدد أفراد أسرتها وأينما وجدت، سواء بمناطق باردة أو دافئة، وبالتالي حرمت الكثير من الأسر من حقها بكميات أكبر، بينما استفادت أسر أخرى من المبلغ واستخدمته لغير مازوت التدفئة، كونها ليست بحاجتها عبر بيع الشيكات.
وفي عام 2013، وبعد تكشف فشل الأسلوب السابق، خرجت الحكومة بتطمينات كما كل عام حول «حرصها على تأمين مازوت التدفئة»، معلنة عن أسلوب جديد  يقوم على أساس تخصيص كل عائلة بكمية 400 ليتر دفعة واحدة، عبر دفتر العائلة بسعر 61 ل.س/ ليتر، وأيضاً للجميع، ولو اختلف عدد أفراد العائلة، وبعد شكاوى عديدة من أن تأمين ثمن الـ 400 لتر دفعة واحدة  يكون شبه مستحيل، تم تقسيمها إلى 200 على دفعتين، وبعد عام ألغيت الـ 200 الأخرى دون توضيح الأسباب وحصرت العائلة بـ 200 لتر، هذا إن استطاعت الحصول عليها في ذات العام، وفي بعض المناطق بمحافظات غير دمشق حصلت على الـ 200 بدفعتين، أو على 100 ليتر فقط.
وفي عام 2015 بدأ التلميح والحديث عن البطاقة الذكية، ثم في 2016 أشار مصدر في وزارة النفط إلى أن الوزارة بصدد إطلاق البطاقة الذكية للمحروقات لكل مواطن، بالتعاون مع المحافظات، وهي تشبه نموذج البطاقة الذكية للسيارات، حيث يتم تخصيص كل مواطن بكمية من المحروقات، سواء غاز أو مازوت أو بنزين، ليتم استخدامها كبديل من دفتر العائلة.

«ذكية أم غبية» المهم النتيجة
الغاية من البطاقة الذكية كان كما غاية الأساليب السابقة، وبحسب تصريحات رئيس مجلس الوزراء « لضبط الاستهلاك ومحاربة الهدر، وضبط وتنظيم عمليات توزيع المواد المقننة بشكل عادل، يطال المستهدفين كافةً»، أي: أنه إعلان شبه رسمي عن فشل التجارب السابقة كلها.
لايهم المواطن إن كانت البطاقة (ذكية أم غبية) فهذا «التطور» الذي تراه الحكومة، لن يقيه برد الشتاء، كما لم تقهِ الخطط السابقة التي أخذت الحكومات المتعاقبة بتجريبها على المواطن «كفأر التجارب» منذ ماقبل العام 2008، بحجة توصيل الدعم لمستحقيه، ثم تعود لتعلن فشلها بعد فترة.
تعود هذه السنة «سادكوب» لتؤكد نيتها طرح البطاقات العام الجاري، علماً أنها بدأت بالتوزيع بناء على الأسلوب السابق، فهل ستخرج الحكومة بعد عام أو عامين لتعلن فشل هذه التجربة، ويبقى المواطنون دون دفء كما السنوات السابقة؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
822