أحراج الساحل تُعدم وجيوب لا تشبع!
على ما يبدو ألّا نهاية لمأساة الاعتداء على الغابات والأحراج، على الرغم من كل الوعود والتصريحات الرسمية بهذا الصدد، فما زال الغطاء النباتي والحراجي يتراجع، كما ما زالت الغابات تتآكل باستمرار ودون انقطاع منذ عقود.
الأسبوع الماضي اندلع حريق ضخم في الأراضي الزراعية في منطقة بسيسين التابعة لمدينة جبلة، وقد سبقه حريق ضخم آخر في عين الشرقية بريف بانياس.
تفاصيل
قائد فوج إطفاء طرطوس تحدث عن حريق عين الشرقية قائلاً: إن الحريق طال مساحة تتجاوز الـ 22 دونماً من الحراج، حيث عمل فوج الإطفاء مع الجهات المعنية على تبريد أطراف الحريق بعد إخماده للتأكد من عدم اشتعاله مجدداً بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وحول الحريق في منطقة بسيسين قال مدير منطقة جبلة: «بسبب صعوبة الوصول إلى منطقة الحريق لعدم وجود طرقات استدعى إلى فتح طرقات بواسطة التركسات والآليات لتأمين الوصول إلى أماكن الحريق، وتمت السيطرة على الحريق»، حيث استمر الحريق لمدة 3 ساعات مسفراً عن بعض الأضرار ببساتين الحمضيات والمزروعات الأخرى في أراضٍ مجاورة.
وقد سبق هذا وذاك العديد من الحرائق في مناطق بصيرة والصفصافة وقرب المنطقة الصناعية في قرى بانياس والقدموس، وفي عدد من قرى أرياف طرطوس القريبة، وعددها بالعشرات، بالإضافة للحرائق السابقة التي التهمت غابات مصياف واللاذقية وطرطوس، لأكثر من مرة خلال العام، ولعدد كثير من المرات خلال الأعوام الماضية.
تصريحات رسمية
مدير الحراج في وزارة الزراعة، حسب إحدى الصحف المحلية، يرى: أنّ الإجراءات والجهود التي تقوم بها الضابطة الحراجية وعناصر الإطفاء ساهمت كثيراً في ضبط الوضع إلى جانب المخافر الحراجية وحدّت كثيراً من الاعتداءات على الحراج، وأشار إلى أن المديرية تعمل وفق خطة الوزارة لإعادة تحريج المناطق التي تعرضت للحرائق، والاعتداءات من خلال تأمين وإنتاج الغراس الحراجية في المشاتل ومن خلال تأمين 2.5 مليون غرسة حراجية تلبية لحاجة المواطنين وخطة التحريج، حيث تم تنفيذ الخطة بالكامل، وتحريج 23 ألف دونم، معظمها مواقع حراجية تعرضت للحرائق خلال سنوات الأزمة.
أرقام
بمقابل هذا التصريح لا بد من الاشارة إلى الأرقام التي تم تداولها عبر إحدى وسائل الإعلام عن التعديات الجارية على الأحراج والغابات.
ففي عام 2014 تم تسجيل 400 حريق، التهمت 1925 هكتاراً من الغابات والأحراج، وفي عام 2015 تم تسجيل ما يزيد عن 500 حريق، التهمت 2867 هكتاراً، وفي عام 2016 تم تسجيل 819 حريقاً التهمت 2000 هكتار، ومنذ مطلع العام 2017 وحتى الآن لا معلومات دقيقة عن عدد الحرائق ولا عن مساحة الهكتارات التي التهمتها.
لكن الملاحظ أن عدد الحرائق بالواقع العملي قد ازدادت عاماً بعد آخر خلال سني الأزمة الأخيرة، كما تزايدت المساحات الحراجية المتضررة، حيث ذهب ضحية هذه الحرائق أعداد كبيرة لا حصر لها من الأشجار الحراجية المعمرة، والتي يعتبر بعضها نادراً، بالإضافة للكثير من الأشجار المثمرة، ناهيك عن المساحات الشاسعة من الأراضي التي خرجت عن كونها أحراجاً وغابات، وأصبحت جرداء بطور التصحر، وهو ما يتعارض مع بالواقع العملي مع التصريح أعلاه، من أن الإجراءات حدت من التعدي على الأحراج والغابات.
الحكومة هي المسؤولة
موضوع منع التعديات على الأحراج هو من مسؤولية وزارة الزراعة ومديرياتها عبر عناصر الضابطة الحراجية التابعة لها، بالتعاون مع بعض الجهات التنفيذية الأخرى بكل محافظة، حسب القوانين والتعليمات النافذة.
لكن الملفت أن عمل هذه الضابطة لم يثمر بالشكل المطلوب طيلة السنوات الماضية، بل على مدى عقود من الزمن، مما يدعونا للتساؤل عن سبب ذلك، خاصة وأن أرقام التعديات تتزايد عاماً بعد آخر، وهو ما يجب أن يكون مهمة ملحة أمام الحكومة من أجل إيجاد الحل العملي والحقيقي والملوس الكفيل بوضع حد للتعديات الجائرة على الحراج والغابات، وفي الوقت نفسه يكون قادراً على ضبط المعتدين من أجل محاسبتهم، مع كل من يقف خلف هؤلاء من مستفيدين، سواء من أجل التفحيم أو من أجل التحطيب، أو لغيرها من الأسباب والدوافع ذات الأهداف الربحية في جيوب هؤلاء مجتمعين ولمصلحتهم، على حساب الأهالي والغابات والأحراج والبيئة والمستقبل.
فهذه مسؤولية حكومية أولاً وأخيراً كونها ذات بعد اقتصادي اجتماعي بيئي وطني، لا يمس الحاضر فقط، بل يمس المستقبل أيضاً، ولا يجب أن يتم الاكتفاء بالعمل وفق مبدأ التوجيهات بهذه الظاهرة التي أصبحت خارجة عن كل ما هو مألوف، ولا يجب أن يستمر التبرير بشماعة الحرب والأزمة وغيرها من مبررات التهرب من المسؤولية، حيث بات واضحاً وجود حيتان مستفيدة استثماراً وتجارةً، ومحمية فساداً ومحسوبيةً، وهو ما أكده ويؤكده الأهالي المرة تلو الأخرى، دون جدوى، عند كل حريق، بغض النظر عن الضبوط المنظمة وعددها، أو بعض المقبوض عليهم والإجراءات اللاحقة بحقهم، وبدليل استمرار مسلسلات الحرائق والتعديات الجائرة على الحراج والغابات حتى الآن، وتزايد معدلاتها عاماً تلو الآخر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 821