الترفيق سبب لارتفاع الأسعار!

الترفيق سبب لارتفاع الأسعار!

إثر تدهور الواقع الأمني في البلاد، نتيجة تداعيات الحرب والأزمة وانتشار السلاح والمسلحين، طالت الفوضى وانعدام الأمان آليات وطرق نقل السلع والبضائع على الطرقات العامة، ليس بين المدن والمحافظات، وحتى في داخلها أحياناً.

سمير علي
بناءً عليه تم «إبداع» ما سمي بالترفيق! كآلية ضمان مرور السلع والبضائع على الطرقات بأمان، وذلك لقاء بدل نقدي، دون تحديد آلية واضحة في ضبط هذه العملية ومآلاتها.
مقدمات ونتائج
مع انتشار السلاح والمسلحين، بمختلف تسمياتهم وتبعياتهم، ازدادت عمليات السطو على البضائع المنقولة بين المحافظات، أو احتجازها، بالإضافة إلى عمليات خطف السائقين، مما أثر سلباً على عمليات النقل وأصحاب البضائع والسائقين، كما كان انعكاسها السلبي الأكبر على حساب المستهلكين، سواء على مستوى توفر السلع، أو على مستوى أسعارها.
وكانت تجري بعض المساومات بين أصحاب البضائع مع القائمين على عمليات الاحتجاز لتلك البضائع، أو المختطفين للسائقين، من حملة السلاح بتنوع تسمياتهم، حيث كان هؤلاء يطالبون بفدية نقدية لقاء فك احتباس هذه البضائع والسائقين، وصلت لمبالغ كبيرة في بعض الأحيان، مما فسح المجال لإبداع فكرة الترفيق الأمني للسيارات المحملة بالبضائع على الطرق العامة بين المحافظات لقاء بدل نقدي، يضمن بموجبه القائم بعملية الترفيق سلامة وصول سيارات البضائع إلى النقطة المتفق عليها مع صاحب البضاعة، مع ضمان مرورها عبر الحواجز المنتشرة على تلك الطرقات، بما في ذلك الحد من إجراءات التفتيش التي تقتضي أحياناً تنزيل البضاعة، ووصلت تلك المبالغ إلى مئات الآلاف من الليرات السورية لكل سيارة، في الكثير من الأحيان.
مصدر للثراء وشريحة مستفيدة
هذه الإجراءات، غير المضبوطة وغير المشرعنة، باعتبارها أصلاً كانت عبارة عن شكل ارتجالي غير مدروس، كانت سبباً في توسيع رقعة القائمين على عمليات الترفيق، هكذا...
فكل طريق عام يمكن أن يحسب على جهة معينة، وكل نقطة انطلاق أو وصول كذلك الأمر، مما فاقم من مشاكل نقل البضائع على الطرقات، كما زاد من التكاليف المرتبطة بهذه العملية، كما كانت مبرراً في رفع وزيادة الأسعار على المستهلكين بالنتيجة.
لقد صارت هذه الآلية سبباً إضافياً معززاً لآليات الفساد القائمة سلفاً، ومصدراً جديداً للثراء، حيث خلقت شريحة جديدة من أثرياء الحرب المستفيدين، الذين أثروا على حساب الانفلات الأمني وأصحاب البضائع والمستهلكين، بذريعة الحماية، وقد تحول مضمون الفكرة من حيز الحماية إلى حيز الإتاوة والخوة أحياناً، دون رقيب أو حسيب، وإلا فإن البضائع يمكن أن تنهب وتسرق، أو تتلف على الطرقات بنتيجة التأخر المتعمد بإجراءات تفتيشها، وغيرها من الأساليب الأخرى التي تفرض على أصحاب البضائع الالتزام بما تمليه عليهم بعض الحواجز بذريعة الترفيق أو غيرها من الذرائع.
معركة مستترة ومكشوفة
المنتجون من الصناعيين والفلاحين والحرفيين وغيرهم، بالإضافة إلى المستوردين، كانوا بواجهة الخلاف والصدام الدائم مع القائمين على عمليات الترفيق، في معركة مستترة ومكشوفة، مع انعدام التوازي بين قوى طرفيها، على مستوى تحديد المبالغ النقدية لقاء هذه العملية بسبب عدم مشروعيتها، وخاصة بعد أن استتب الأمان في الكثير من الطرق بين المحافظات، وأصبحت تحت سيطرة أجهزة الدولة، ولم يعد هناك من مبرر لاستمرار فرض هذه الآلية.
لقد تذمر واعترض العديد منهم، بالشكل الرسمي وغير الرسمي، على استمرار العمل بهذه الآلية، والتي أصبحت كأنها أمر واقع لا فكاك منه، بحكم الاستفادة المادية التي تجنيها تلك الشريحة الجديدة من المستفيدين منها، ومن خلفهم، وقد ارتفعت أصوات هؤلاء، وتكاثرت مطالبهم من أجل وضع حد لبعض الحواجز التي تفرض استمرار إجراءات الترفيق على بضائعهم، كما تم عرض المشكلة في مجلس الشعب أيضاً في وقت سابق.
الأمن والأمان موضوع سيادي
مطلع العام اعترفت الحكومة أخيراً بوجود المشكلة، لكنها اعتبرت الترفيق غير الزامي، مع وجوب التبليغ عن الحواجز التي تقوم بالإلزام به.
ومؤخراً تم التعميم، من قبل اللجنة الأمنية والعسكرية بحلب، بإلغاء العمل بنظام الترفيق للشاحنات داخل مدينة حلب وخارجها، على أن كل مخالفة لذلك تستوجب المسؤولية.
ومع ذلك ما زالت المشكلة قائمة، كما مازالت تداعياتها وانعكاساتها تطال المستهلكين كمحصلة نهائية، باعتبار أن أصحاب البضائع سيحملون كافة تكاليفهم للمستهلك من كل بد.
والأنكى من ذلك أن البعض بدأ يطرح فكرة قوننة الآلية عن طريق الترخيص لشركات خاصة من أجل القيام بمهام الترفيق الأمني للبضائع على الطرقات بين المحافظات، كمحاولة لتشريع ثراء البعض من المستثمرين على حساب الأمان، كما على حساب المستهلكين، ولا عجب أن نسمع بناء عليه عن وجود مستثمرين أمنيين للطرقات من القطاع الخاص مستقبلاً، أو في القريب العاجل ربما، لتصبح الإتاوة والخوة على الطرقات مشرعنة، في الوقت الذي من المفترض أن عوامل الأمان ازدادت، وبالتالي انتهى مبرر الفكرة أصلاً.
كما يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن موضوع الأمن والأمان العام وحماية الممتلكات الخاصة هي أصلاً من واجبات الدولة، ولا يجب أن تكون مجالاً للاستثمار والثراء.
الترفيق قانوناً
الترفيق بالتعريف المتفق عليه دولياً هو «الترفيق الجمركي» الذي يقضي بأن تخضع السيارات الشاحنة الأجنبية، التي تحمل دفتر «تير» المعمول به كنظام عالمي بمسمى «الترانزيت»، إلى نظام الترفيق الجمركي على الطرقات، بحماية جمارك كل دولة، من أجل عدم التعرض لها من قبل السارقين، كما ويقلل من عمليات التفتيش للبضائع، عبر تطبيق وسائل معيارية دولية خاصة بذلك ومتفق عليها، علماً أن هذا الإجراء يتم دون مقابل، باعتباره من مهام السلطات الجمركية.
وهذا النظام لا يمكن بحال من الأحوال أن يطبق على السيارات الشاحنة المحلية، التي تنقل البضائع على الطرقات داخل المدن، أو بين المحافظات.

*
مجموعات الترفيق تحط من هيبة الدولة
حسب بعض وسائل الإعلام، قال رئيس اتحاد غرف الصناعة: إن الترفيق أصبح سبباً مباشراً في ارتفاع الأسعار وفي هروب الصناعيين وعرقلة عجلة الإنتاج، في الوقت الذي من المفترض فيه بدء التعافي والحراك الاقتصادي والإنتاجي، وأنّ ظاهرة الترفيق تحولت إلى خطر حقيقي يهدد الصناعيين والمنتجين. واصفاً الترفيق بالمهزلة الحقيقية، وداعياً الحكومة إلى وضع حد نهائي لها.
بالمقابل فقد أشار إلى ضرورة قوننة الترفيق ومنحه لشركات تعمل وفق القانون!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
815