«مالي شغل بالسوق.. مريت أتصور»!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

«مالي شغل بالسوق.. مريت أتصور»!

تعجبت أثناء جولة تسوقية، في سوق الشيخ محيي الدين صباح يوم الأحد 10/6/2017، أن غالبية المحلات كانت مغلقة، وانعدام وجود بسطات الخضار، على غير العادة.

رغم الازدحام في المكان، والجمهرة الكبيرة المتحركة أمامي، إلا أن حركة البيع والشراء في السوق كانت شبه متوقفة، والسبب حسب ما تبين لاحقاً، وجود جولة تفقدية شملت ممثلي العديد من الجهات الرسمية المسؤولة عن توفر السلع مواصفاتها وجودتها وسعرها.
البعض لم يكن محظوظاً
الجمهرة المتحركة لم تكن من المواطنين المتسوقين، بل كانت عبارة عن بعض المسؤولين المتجولين في السوق، الذين قاموا بجولة ميدانية تفقدية بغاية الاطلاع على الواقع الاقتصادي في السوق لجهة توفر السلع وآلية العرض والطلب والأسعار ومدى الالتزام بالنشرة التموينية والقدرة الشرائية وضبط المخالفات والتجاوزات، حسب ما روج لهذه الجولة، وقد ضمت ممثلي التموين والصحة والمحافظة، وغيرهم من المسؤولين الآخرين، مع كاميرات التصوير والإعلام.
الجولة أعلاه حصدت وضبطت بعض المخالفات، ( لحوم حمراء وبيضاء فاسدة و نقص في البطاقات الصحية وعدم الإعلان عن الأسعار، وتعرض بعض المواد الغذائية للغبار، ووجود مواد غير معروفة الصلاحية والمصدر ) كما تم ضبط مخالفات إشغال رصيف، وذلك للبعض ممن لم يحالفه الحظ ويستدرك الإغلاق قبل وصول «الجمهرة الرسمية إليه».
«كأنك يا بو زيد ما غزيت»
واقع الحال المشاهد يوضح أن غالبية المحال كانت مغلقة، كما كانت البسطات غير موجودة، وحركة البيع والشراء كانت شبه معدومة، طيلة وجود ممثلي الجهات العامة من الرسميين في السوق، حيث ما لبث هذا الواقع أن عاد لما كان عليه، بمجرد انتهاء الجولة الرسمية، باعتبار أن أصحاب المحال المغلقة كانوا متواجدين قرب محالهم، والبسطات كانت قد سحبت إلى بعض هذه المحال، أو إلى الحارات الفرعية، وفي بعض المنازل المتداخلة مع السوق في الحي.
أما الانعكاسات المباشرة لما بعد الجولة فهي أن الأسعار في السوق أصبحت مرتفعة أكثر لبضعة ساعات لاحقة، وخاصة للخضار والفواكه، بحكم زيادة الطلب وقلة العرض، وذلك لانعدام وجود البسطات، ولتأخر وصول البضائع، بحكم التواصل المتواتر مع ناقلي البضائع من قبل أصحابها، سواء البسطات أو المحلات، بالتريث لحين فض الجولة وانتهائها، ما أخر وصول بعض البضائع إلى السوق في مواعيدها المعتادة صباحاً.
بالمختصر المفيد، ما إن انتهت الجولة، استعاد السوق حركته المعتادة، عرضاً وطلباً وتسوقاً وبيعاً وشراءً وفقاً للأسعار «الرائجة» بعيداً عن غايات الجولة وأهدافها المرجوة، إعلاماً وإعلاناً، كما عادت البسطات والإشغالات المخالفة، «وكأنك يا أبا زيد ما غزيت».
ممارسات «تفشيشية»!
الملفت في الجولة هي بعض الممارسات من قبل عناصر المحافظة والبلدية، المشاركين فيها، والذين استعاضوا عن مصادرة البسطات، بسبب ندرتها، بالعمل على إزالة بعض ما وصلت إليه أيديهم من «الشوادر وواقيات النايلون والمشمع» الممتدة فوق بعض المحال، أو الواصلة بين طرفي المحال المتقابلة في السوق، كمظلات واقية، سواء للمحال نفسها أو للمتسوقين من المواطنين، والتي تقي هؤلاء حر شمس الصيف الحارقة، وأمطار الشتاء، وذلك عبر إتلاف وتمزيق هذه الواقيات، وعلى مرأى ومشاهدة المسؤولين الرسميين، باعتبارها «مخالفة»، ولكنها في واقع الحال لا تقدم أو تؤخر على مستوى عمليات التسوق والعرض والطلب، حيث لم تتجاوز تلك العملية عن كونها «تفشيش» لا أكثر بالنتيجة.
الحيتان الكبار أهم
ما من شك أن الجولات الميدانية تحقق بعض النتائج الإيجابية «المؤقتة» في ضبط بعض المخالفات في الأسواق، ولكنها غير كافية بالواقع العملي في لجم المخالفات المنتشرة بشكل دائم، وردعها ومحاسبة المسؤولين عنها، كونها حتى تاريخه تأخذ شكل العمل الارتجالي ذي الطابع الإعلامي، والترويجي «الرقمي» المتمثل بعدد المخالفات المضبوطة، أكثر من كونها عمليات متابعة دائمة، بما في ذلك، ولعله الأهم، متابعة المصدر الأساسي لبعض المواد والسلع في الأسواق، وخاصة على مستويات المواصفة والجودة والسعر، حيث إن المسؤولية الأساس في ذلك تقع على عاتق هؤلاء أكثر من كونها على عاتق بائع المفرق الأخير في علاقته مع المستهلك، فيما يبقى المورد الكبير مختفياً وبعيداً عن الأنظار، كما عن المتابعة والمحاسبة، سواء كان منتجاً أو مستورداً أو مهرباً، أو وسيطاً لبيع الجملة ولنصف الجملة، متحكماً بالشكل العملي في العرض والطلب والسعر والمواصفة والجودة، على حساب المستهلكين مادياً وصحياً، فعلى الرغم من المسؤولية الملقاة على عاتق بائعي المفرق، إلا أن مسؤولية هؤلاء الحيتان أكبر وأهم وأعمق وأكثر تأثيراً على حياة المستهلكين ومعيشتهم.
الاطلاع على الواقع الاقتصادي في الأسواق لجهة توفر السلع وآلية العرض والطلب والأسعار ومدى الالتزام بالنشرة التموينية والقدرة الشرائية وضبط المخالفات والتجاوزات، وغيرها من المهام الملقاة على عاتق الجهات الرقابية الرسمية العديدة، يجب أن تبدأ من الموردين الكبار، مروراً بالحلقات الوسيطة، وصولاً لبائعي المفرق ومقدمي الخدمات، وبشكل دائم وغير ارتجالي أو لغايات إعلامية، بالإضافة لأهمية إغلاق مسارب الفساد التي ينفذ منها البعض من هؤلاء، عبر بعض الفاسدين من المنتفعين في الجهات المسؤولة عن العملية الرقابية ومتابعتها، فكل ما عدا ذلك لم يجدِ نفعاً طيلة السنوات السابقة، كما لن يجدي نفعاً باستمراره على نفس المنوال حالياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
815