السوريون في لبنان والاستغلال المزدوج
منذ بدء الحرب والأزمة السورية، ومع اشتداد المعارك وتزايد معاملات النزوح واللجوء على إثرها، كانت لبنان من الدول الإقليمية الحدودية الأقرب كملاذ لجوء لمئات آلاف السوريين، هرباً من الموت والدمار، وممراً للعبور إلى غيرها من الدول، وذلك بحكم الموقع الجغرافي، والتقارب التاريخي بين الشعبين على مستوى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، وملف السوريين في لبنان بات من الملفات الأكثر استقطاباً على ساحة الصراعات السياسية والاقتصادية، في الداخل اللبناني وفي خارجه.
أوضاع مقلقة!
لن ندخل في متاهات الصراعات السياسية الداخلية اللبنانية، بين القوى والتيارات الفاعلة والمؤثرة فيها، كما لن نستغرب أن يكون ملف السوريين في لبنان، أصحاب أعمال وعمال ولاجئين وعابرين، واحداً من الملفات المتداولة في تلك المتاهات، على مستوى الاستثمار السياسي والاقتصادي والإعلامي، الرسمي وغير الرسمي والشعبي.
ولكن ما يلفت الانتباه، ويثير الاستياء والقلق، هو ما وصلت إليه حال السوريين في لبنان، بعد موجة الإجراءات التي استهدفتهم، بعيشهم وأمنهم، سواء على المستوى الرسمي أو على مستوى التعبئة والتحريض الشعبوية الرخيصة تجاههم.
بدء استنفاذ استغلال الملف
على المستوى الرسمي تم استثمار ملف اللاجئين السوريين في لبنان، اقتصادياً، وعلى المستوى الإقليمي والدولي، وخاصة عبر المنظمات الدولية، من أجل تمويل حملات المساعدات الإنسانية، مع ما رافق ذلك من استثمار سياسي وإعلامي، على حساب مأساة السوريين، وعلى ذلك لم تكن لبنان وحيدة بهذه الممارسات، فقد تم استثمار ملف اللاجئين السورين في دول الاستقطاب كلها، بغية جني المزيد من المعونات، النقدية والعينية، باسمهم، ولمصلحة البعض من المتنفذين والفاسدين والمستغلين، وقد كان للأرقام دور كبير على مستوى استجداء المزيد من الدعم، لذلك عمدت بعض الدول إلى تضخيم أرقام اللاجئين السوريين على أراضيها لهذه الغاية.
على إثر بدء استنفاذ الملف على المستوى الاقتصادي والسياسي، والفوائد التي كانت تُجنى منه، نتيجة تخفيض المساعدات عبر المنظمات الدولية، وذلك لسببين، الأول: ذو طابع سياسي مرتبط بقرب الحل السياسي للأزمة السورية، والثاني: كون الكثير من اللاجئين السوريين وجدوا فرص العمل التي تقيهم شرور العوز والاستغلال المزدوج، من قبل هذه المنظمات، ومن قبل أدواتها عبر القوى السياسية والاقتصادية الفاعلة، في لبنان وغيرها من دول اللجوء، تزايدت موجات التصعيد على السوريين، والتي أخذ بعضها نموذجاً عنصرياً في التعامل معهم.
سلبيات وإيجابيات
ما من شك بأن أعداد اللاجئين السوريين الكبير في لبنان، كان له بعض الانعكاسات السلبية على الداخل اللبناني، وخاصة على مستوى الخدمات العامة، طرقاً ومواصلاتٍ ومياهً وكهرباءً وصرفاً صحياً ومدارس وطبابة وغيرها، مع أن للكثير منها طبيعة مزمنة لا علاقة للاجئين السوريين بها سابقاً، ولكن بالمقابل كان هناك بعض الإيجابيات على المستوى الاقتصادي، تتمثل بزيادة الإيداعات السورية في المصارف اللبنانية، وزيادة أعداد الأنشطة الاقتصادية للسوريين في لبنان، صناعة وزراعة وحرفاً ومهناً ومحلاتٍ تجارية، بالإضافة إلى زيادة الأيدي العاملة، الرخيصة والمستغلة مع الأسف، وبالإضافة لما حققه ملف اللاجئين على مستوى الدعم الإغاثي من قبل المنظمات الدولية، وفرص العمل التي أتيحت من خلاله أيضاً.
وسبق أن تم تداول العديد من الأرقام والمعطيات التي تثبت ذلك، عبر العديد من وسائل الإعلام اللبنانية نفسها، وعلى ألسنة بعض مسؤوليها واقتصادييها.
تحريض وتعبئة!
مع واقع التشظي والانقسام اللبناني، بما فيه على مستوى الموقف من الحرب والأزمة السورية نفسها، تم تضخيم السلبيات، بمقابل إغفال الإيجابيات، وعلى ما يبدو فقد أصبح ملف اللاجئين في لبنان شماعة لدى بعض القوى، لتجيير بعض المشاكل الداخلية اللبنانية عبر ربطها بهذا الملف، وخاصة على المستوى الاقتصادي والمعيشي والخدمي لعموم اللبنانيين، حيث بدأت حملات التحريض على العمالة السورية في لبنان، لتضعها وجهاً لوجه مع العمالة اللبنانية، عبر عنوان تعبوي من المنافسة على فرص العمل المتاحة، ولعل في ذلك بعض حقيقة، لو أن المثار التعبوي هذا أخذ بعين الاعتبار طبيعة العمل وساعاته ومقدار الأجر عليه، والاستغلال المجحف للسوريين بهذا المجال، بظل عدم وجود قانون ينصف هؤلاء مجتمعين.
وقد كان قرار وزير العمل اللبناني القاضي بإغلاق المحلات التي يديرها السوريون، وتحديد الأعمال التي يمكن للسوري أن يعمل بها داخل لبنان، زراعة- نظافة- تحميل وتعتيل- وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة الهامشية غير المستدامة، مثالاً عن حالة التضخيم والاغفال تلك، بالشكل الرسمي، كما كان مثالاً عن واقع التشظي، والهروب من إيجاد حلول للمشاكل اللبنانية المزمنة، بعيداً عن ملف السوريين المؤقت.
ممارسات عنصرية وغير إنسانية!
تم إغلاق العديد من محلات السوريين في العديد من المدن اللبنانية، وتم طرد العديد من السورين من أعمالهم، حتى وصلت في بعض البلديات أن أصدرت قرارات بمنع تجول السوريين بعد ساعة معينة مساءً، ناهيك عما يتعرض له بعض السوريين من ممارسات القهر المباشر، بالإضافة إلى أساليب الاستغلال الأخرى كلها.
والأنكى من هذا وذاك، ما وصل إليه البعض من ترويج للأحقاد والممارسات العنصرية، عبر مقاطع فيديو يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام، في محاولة لتكريس النمط التحريضي ذي الطبيعة العنصرية، بما ينسجم مع مثيلاتها في بعض دول العالم الأخرى، عبر أساليب الخطاب والتعبئة الشعبوية الرخيصة، والدامية كنتيجة ومآل، بظل ميوعة الاجراءات الرسمية، من حماية ورعاية للاجئين وحقوقهم، سواء من قبل الدول المستقطبة، التي يتغنى الكثير منها بحقوق الإنسان، أو من قبل الحكومة السورية نفسها، التي تكتفي بتوجيه الدعوة للسوريين للعودة إلى بلدهم، بمقابل عدم توفير الدعم والرعاية لهؤلاء، لا خارجاً ولا داخلاً.
ولعل الكثير منا شاهد مقطع ضرب الطفل السوري، أو ضرب الأطفال السوريين المتسولين من قبل أحد راكبي السيارات، أو كيفية إغلاق بعض محلات الأنشطة الاقتصادية للسوريين، كما الكثير من اللافتات المعلقة في بعض البلدات بخصوص السوريين وتحركهم فيها، وغيرها الكثير من الأمثلة الحية الأخرى الموثقة والتي يتم تداولها إعلامياً، ولعلها غيض من فيض الممارسات البعيدة عن الإنسانية غير الموثقة.
من كل بد فإن الحل السياسي المرتقب، هو الملاذ الوحيد أمام السوريين، داخلاً وخارجاً، مشردين ومهمشين، جوعى ومستغلين، نازحين ولاجئين، من أجل الخروج من أزمتهم، ووضع حد أمام المزيد من نزف دمهم، ووقف معاناتهم الإنسانية، وهو ما يصبوا إليه وينتظره الشعب السوري قاطبة، ولكن هذا لا يعني بالمقابل أن يتم التغاضي وغض الطرف عن الممارسات التي تحيق بهم استغلالاً لوضعهم، داخلاً وخارجاً، خاصة وقد بلغ الأمر حدود التعبئة العنصرية، والممارسات المرتبطة بها، على حساب معيشتهم وأمنهم ومستقبلهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 810