زاكية... فلاحون بمواجهة ورثة بقايا الإقطاع!

زاكية... فلاحون بمواجهة ورثة بقايا الإقطاع!

زاكية مدينة من الريف الدمشقي، وهي تابعة لناحية الكسوة إدارياً، ويبلغ تعداد سكانها ما يقارب الثلاثين ألفاً، أغلبيتهم يعملون في الزراعة بأنواعها المختلفة.

الأرض الزراعية في مدينة زاكية ذات خصوبة عالية، وذلك لمرور عدد من فروع الأنهر فيها، وهي ذات طبيعة بركانية، تصلح لأنواع الزراعات جميعها، المروية والبعلية.
الرواية المأساة!
القصة، كما رواها لنا أحد الفلاحين النشطين في الدفاع عن أرضهم، والتي هي «عرضهم» كما قال صديقنا الفلاح، في سير سرده لقصة بعض الفلاحين في هذه المدينة.
حيث قال: الإصلاح الزراعي لم يطل الأراضي الزراعية ليوزعها على الفلاحين، وبقيت ملكيتها الورقية في قيود بعض العائلات الإقطاعية، المعروفة عند فلاحي الريف الدمشقي.
فقد كان الفلاحون يعملون منذ عقود من الزمن في هذه الأرض كمرابعين، وقد جبلت تربتها بعرقهم، مما أكسبها خصوبة أعلى، إضافة لخصوبتها الطبيعية، كما هو الحال في معظم الأرياف السورية، التي خاض الفلاحون فيها نضالهم في مواجهة الإقطاع، من أجل حقوقهم في الأرض التي عملوا فيها أجيالاً.
إلى فترة قريبة، تزيد عن العشرين عاماً، تمكن الفلاحون من شراء معظم الأراضي التي يعملون فيها، وعادت ملكيتها لهم وفق ما هو متعارف عليه في الأرياف، أي: وفقاً لصكوك بيع وشراء يوقع عليها شاهدان، بحضور المختار، ويضع الفلاح يده على الأرض، باعتبارها ملكاً له.
صكوك البيع تلك وُضعت نسخاً منها لدى السجل العقاري في حينه، ولكنها اختفت بقدرة قادر، حسب ما صرح به صديقنا الفلاح، ولم يعد ما يثبت ملكية الفلاحين، سوى نسخ الصكوك التي ما زالت بحوزتهم، كما ما زالت الأرض بحوزتهم زراعة ومصدراً للعيش، مما أعطى ورثة العائلات الإقطاعية فرصة لمحاولة سرقة هذه الأراضي، ويعاونهم بهذا الفعل بعض الفاسدين، الذين ستنوبهم حصة منها لو نجحت المحاولة.
في المواجهة!
المساعي والمحاولات تلك، التي ترمي لنزع ملكية الفلاحين عن أرضهم، واجهها الفلاحون دفاعاً عن حقهم وأرضهم عبر محورين متوازيين:
المحور الأول: الوقوف في وجه محاولات ورثة الإقطاعيين وأعوانهم من قوى الفساد، جسدياً، أي: الاشتباك السلمي للفلاحين مع تلك المحاولات المدعومة من جهات عدة، والتي تهدد الفلاحين بأشكال التهديد كلها التي يعرفها شعبنا، وخاصةً فقراؤه ومنتجوه.
حيث جرت عدة محاولات للاستيلاء على بعض الأراضي لصالح بناء جمعيات سكنية، ولكن الفلاحين منعوا هذه المحاولات بأجسادهم وإرادتهم الصلبة في الدفاع عن حقوقهم، متشبثين بأرضهم وبملكياتهم.
المحور الثاني: تمثل عبر رفع الدعاوى القانونية، مع تقديم الثبوتيات اللازمة لتثبيت ملكية الفلاحين، وهذا الأمر مر عليه عشرون عاماً حتى الآن، بين صد ورد في أروقة المحاكم، دون أن يُبَتّ بشكل نهائي بحق هؤلاء بملكيتهم، وصونها من يد العابثين والساعين لعودة الإقطاع بلبوس جديد.
علماً أنّ أحد تقارير الخبرة الصادر عن خبراء التحكيم المكلفين من قبل المحكمة الناظرة بالدعوى يقول: « تم تقسيم الأراضي بشكل رضائي بين المالكين بموجب صكوك ووثائق يحتفظ بها الأطراف أكثر من عشرين عاماً، واستمرت هذه القسمة الرضائية دون معارض أو منازع، بوضع اليد الفعلي العلني، وتم خلال ذلك تحسين كثير من قطع هذه الأراضي وإشادة الأبنية عليها، كما قام البعض بحفر أبار ارتوازية للسقاية، والاستفادة من هذه الأراضي ».
محاولات تزوير!
لم يقف بعض ورثة الإقطاع عند هذا الحد، بل اتبعوا وسائل التزوير من أجل الاستحواذ مرة أخرى على الأراضي، الأمر الذي وضحه المحامي الموكل من قبل الفلاحين، عبر إحدى مذكراته المقدمة لمقام محكمة البداية السادسة بريف دمشق، رداً على الجهة المدعى عليها، والتي جاء فيها: «إن ما أبرزته الجهة المدعى عليها من صور متضمنة قائمة بأسماء المالكين على الشيوع وحصصهم السهمية لا علاقة لها بموضوع التزوير، وإنما تحاول جاهدة الالتفات عن تقرير الخبرة الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من قرار إزالة الشيوع رقم 175 لعام 1985، والمحفوظ نسخة عنه في إضبارة الدعوى، ومنه يتضح ثبوت وقائع التزوير التي قامت بها الجهة المدعى عليها، والتي كانت نتيجتها سرقة أكثر من 600 دونم من حصص الجهة المدعية والتي يَشغلونها منذ عشرات السنين».
ضمان حق مؤقت
بتاريخ 25/2/1997 صدر قرار حجز احتياطي على بعض الصحائف العقارية، والخاصة بالأراضي المتنازع عليها عن محكمة البداية المدنية بريف دمشق، وذلك ضماناً لحق الجهة المدعية في هذه الدعوى، الممثلة بالفلاحين، بانتظار البت النهائي بالدعوى المزمنة.
وما زالت الحال على ما هي عليه منذ تاريخه، من محاولات ومساعٍ من أجل نزع ملكية وحق هؤلاء، والتي تزايدت في الآونة الأخيرة بظل حالة الاستقواء من قبل ورثة الإقطاع، وبقاياهم، مع قوى الفساد الكبير.
بالمقابل ما زالت مقاومة الفلاحين مستمرة دفاعاً عن أرضهم وحقهم، بوجه هؤلاء، بانتظار قول الفصل عبر القضاء الناظر بقضيتهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
810