إعادة ممتلكات الدولة.. أم تغيير المستثمر؟
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

إعادة ممتلكات الدولة.. أم تغيير المستثمر؟

خطوة إيجابية تمثلت بالقرارات التي صدرت عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والقاضية باستعادة بعض ملكيات السورية للتجارة، من صالات وفنادق ومولات وغيرها، من أيدي بعض المستثمرين من القطاع الخاص.

 

فالتعاون والتنسيق الذي جرى بين وزارة العدل ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، على مستوى الصيغ والإجراءات القانونية التي تم اعتمادها من أجل استعادة السورية للتجارة لبعض أملاكها، أثمرت على شكل قرارات شملت بحدود 100 صالة وفندق ومول ومستودع، كانت مستثمرة من قبل القطاع الخاص، في بعض المحافظات.

تلاعب واستغلال!

الملف أعلاه بدأ العمل عليه قبل العمل على قرار دمج مؤسسات التدخل الإيجابي، حيث كلفت الحكومة وزارتي العدل والتجارة الداخلية بتشكيل لجنة لدراسة وضع هذه الصالات، التي حصل القطاع الخاص على عقود استثمار لها بأسعار زهيدة، في حين يحققون أرباحاً كبيرة من خلال البيع بأسعار مرتفعة ومن دون حسيب أو رقيب، وذلك كله تحت ميزة أنهم يعملون تحت اسم صالات للدولة، حيث عملت اللجنة على إيجاد الصيغة القانونية لوضع هذه الصالات، وقد استند القضاة في وزارة العدل على مادة يحق فيها للمدير العام إبرام عقود لمدة ثلاث سنوات، في حين العقود التي كانت موقعة هي عقود طويلة الأجل، تصل في بعضها إلى 25 عاماً، وليست من ضمن صلاحيات المدير العام، فكان هناك استغلال وتلاعب بهذه العقود، وذلك حسب ما تم تداوله عبر وسائل الإعلام على لسان مدير عام المؤسسة المدمجة.

سلسلة قرارات!

في مطلع شهر آذار صدرت عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك مجموعة من القرارات، وعددها 57 قراراً، قضت بإخلاء صالات ومنافذ بيع تابعة للسورية للتجارة من شاغليها ومستثمريها من القطاع الخاص، كمسعىً وزاري على مستوى الحفاظ على المال العام، وأموال وموارد المؤسسة، وعلى مستوى استثمارها وإدارتها من أجل تطوير آلية العمل وتعزيز دور المؤسسة في تأمين الاحتياجات الأساسية من مختلف السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية بمواصفة ونوعية جدية وبأسعار مناسبة، وذلك حسب تصريحات الوزير.

كما صرح مدير عام المؤسسة في حينه، أن القرارات تهدف إلى إعادة حق الدولة، بعد أن قام عدد من المستثمرين وعلى مدى سنوات طويلة باستغلال حق الدولة من خلال عقود مجحفة بحق البلد وبحق المؤسسة.

وفي مطلع شهر نيسان، صدرت عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك مجموعة جديدة من القرارات، وعددها 41 قراراً، تقضي بإخلاء مولات وفنادق ومطاعم ومكاتب ومستودعات وصالات ومنافذ مؤجرة للقطاع الخاص، في بعض المحافظات، تعود ملكيتها للسورية للتجارة، ضمن السلسلة نفسها التي صدرت سابقاً استناداً لتوصية اللجنة الاقتصادية وكتاب وزارة العدل.

في المحصلة فقد صدر 98 قراراً بالإخلاء، من أصل 300 موقع مستثمر من قبل القطاع الخاص، حسب بعض المصادر، مع العلم بأن السورية للتجارة لها بحدود 1500 موقع وصالة ومنفذ، منتشرين بكافة المحافظات.

عملقة مستغلة

ما من شك بأن هذا الإجراء القانوني باستعادة السورية للتجارة لبعض ملكياتها المشغولة والمستثمرة من قبل القطاع الخاص، يعتبر خطوة داعمة لعملها، وخاصة بعد أن أصبحت بموجب مرسوم إحداثها بعد الدمج مؤسسة اقتصادية عملاقة، على مستوى التجارة والتسويق الداخلي، وذلك في حال الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة والقوى العاملة والكوادر المؤهلة فيها، بالإضافة لاعتماد آليات العمل المناسبة على المستوى الإداري والتسويقي والترويجي، الأمر الذي يمكن بالنتيجة أن يحقق الغاية المرجوة منها على مستوى تأمين السلع والمواد، بالمواصفة والجودة والسعر، للمواطنين، بما يلبي احتياجاتهم وإمكاناتهم، بعيداً عن جشع التجار والسماسرة.

ولكن واقع الحال لا يشي بذلك، حتى الآن على أقل تقدير، حيث لم يلمس المواطن هذا الدور وتلك الغاية، خاصة وأن بعض صالات ومنافذ المؤسسة قد تراجع دورها عملياً، عما كانت عليه سابقاً، سواء من ناحية التشكيلة السلعية الموجودة في صالاتها ومنافذها، أو من ناحية المواصفة والجودة والسعر، ناهيك عما شاب دورها خلال الفترة الأخيرة على مستوى تأمين بعض المواد بأسعار مقبولة، مثل: مادة السكر، أو بعض الخضار، وخاصة مادتي البطاطا والبندورة، حيث كان هناك تباين واضح وصارخ بين دور المؤسسة عبر الإعلام والتصريحات الرسمية، ودورها الفعلي على مستوى تأمين هذه المواد، وغيرها للمواطنين.

والخشية الحقيقية، هي: أن يتم استنفاذ الإجراء القانوني المتمثل باستعادة الملكية لبعض الصالات والمولات، عبر عقود استثمار جديدة مع القطاع الخاص، ربما بريعية أعلى مما سبق ولفترة زمنية أقصر، بذريعة الحصول على موارد وإيرادات مجدية للمؤسسة، خاصة بظل ما يمنحه القانون من صلاحية للمدير العام، بإبرام عقود استثمار لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، بعيداً عن الاستثمار المباشر لهذه الصالات من قبل المؤسسة بكوادرها وإمكاناتها الذاتية، وبما يحقق الغاية والدور المناط بها، وليصح المثل القائل عندها «تيتي تيتي متل ما رحتي جيتي»، على مستوى الاستثمار والاستغلال من قبل القطاع الخاص للمواطنين ولموارد الدولة وإمكاناتها، وخاصة أيضاً أنه وحتى تاريخه فإن غالبية المواد المعروضة للبيع في منافذ وصالات المؤسسة مصدرها القطاع الخاص، منتج أو مستورد، الأمر الذي لا يمكن معه أن يفسح المجال للتنافس الحقيقي مع هؤلاء لمصلحة المستهلكين في النتيجة، حتى وإن أصبحت السورية للتجارة عملاقة بملكيتها وتوسعها وانتشارها.

ذلك كله يدفعنا للقول: إن الإجراءات ذات الطابع الإيجابي، شكلاً، يجب أن تتبعها جملة من إجراءات المتابعة والرقابة والمحاسبة، لتكريسها على مستوى المضمون والغاية كنتيجة نهائية، وكي لا يتم استنفاذ الإيجابيات تباعاً، كما جرى على مدى عقود من الزمن بملكيات هذه المؤسسة، أو سواها من الملكيات العامة الأخرى، التي استنفذت استغلالاً ونهباً من قبل القطاع الخاص، بالتعاون مع بعض الفاسدين في مواقع القرار.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
809