ضريبة حرب وأشياء أخرى!
محمد الصالح محمد الصالح

ضريبة حرب وأشياء أخرى!

لم يسلم  «أبو عمار» من تداعيات الحرب والأزمة، وهو شاب ثلاثيني لأب متوفى، أنهى دراسته الثانوية، ولم يستكمل نيل شهادتها.

 

تحدث «أبو عمار» عن معاناته قائلاً: «قبل الأزمة  بقليل، في عام 2011، قررت أن أتزوج، فاشتريت بيتاً بـ 900 ألف ليرة، من جهدي وعملي لسنين في منطقة مسرابا، ثم تم اختطافي واحتجازي من قبل بعض المسلحين في المنطقة لفترة قصيرة من الزمن، إثر ذلك، ومع ازياد الفلتان الأمني هناك، تعزز شعور الخوف لدى زوجتي، فغادرت المنطقة معها،  بعد زواجنا  بستة أشهر فقط، تاركين بيتنا بما فيه من أثاث وأمتعة خلفنا، حتى غرفة نومنا بخزانتها وموجوداتها من الألبسة، ظناً أننا سنعود قريباً».

البداية من تحت الصفر!

«أبو عمار» انتقل ليستقر في واحدة من العشوائيات المنتشرة بمحيط دمشق بمنطقة دمر، وقال عن ذلك: هنا في دمر بدأت بتعمير غرفة صغيرة كمأوى لي ولزوجتي ، حيث عملت في مختلف المهن، بالحلويات وكناطور بناء وعامل بالأجرة».

مضيفاً: «كل يوم كنت أعمل لمدة 18 ساعةً، حيث ضعف بصري وتضررت صحتي بسبب التعب وقلة النوم،  ومن خلال ما جمعته من مال بسيط أكملت بناء غرفتي في هذه العشوائية بعد سنتين، حيث كلفني بناؤها مليوناً ومئتي ألف ليرة سورية في حينه، وحتى الآن لم أتمكن من إكساء الغرفة، لأنني لا أملك المال، في حين حصلت على طراحات وبعض الوسائد من جمعية دمر الخيرية، وسجادة من صهري».

قسوة حياة وعوز!

يتابع «أبو عمار» روايته بالقول: «خلال السنوات التي قضيتها في دمر رزقت بعمار (3 سنوات) وتوأمين، قصي وتيم (سنة واحدة)، وقد كانت حياة قاسية بالنسبة لنا».

ويضيف: «خلال الأشهر الثلاثة الماضية جلست في البيت عاطلاً عن العمل، إلى أن دعمني أحد أصدقائي بمبلغ 50 ألف ليرة لأفتح (بسطة للجوارب) وهذا يعني أننا كأسرة نأكل عندما أتمكن من بيع بعض الجوارب فقط، وإلا فإن الجوع هو المصير المحتوم أمامنا».

وعن واقع المعيشة والحياة: اكتفى «أبو عمار» بالتساؤل عن ارتفاع أسعار حليب الأطفال، كونها مادةً حياتيةً بالنسبة لتوأميه، حيث قال: «لماذا ارتفع سعر حليب الأطفال بشكل جنوني، فقبل 3 سنين كان سعر العلبة 800 ليرة، أما الآن فسعرها 2500، فكيف نتدبر أمورنا مع هذا الغلاء؟؟».

قصص بؤس...

قصة «أبي عمار» تتشابه بوقائعها مع  قصص عشرات آلاف السوريين الذين خسروا كل شيء، جراء حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وأزمة ودمار حصدا تعب وشقاء سني عمرهم.

تشرد وخسارة الممتلكات والمدخرات والأعمال، وبطالة جاثمة على الصدور، وجوع وعوز وفاقة، في ظل محدودية وغياب الدور الرسمي للحكومة، ولوزارة الشؤون الاجتماعية، سواء على مستوى المساعدات، أو على مستوى تأمين فرص العمل، مع الكثير من الوعود المعسولة، التي باتت تثير ضحكات السخرية، خاصةً عند قراءة الشريط الإخباري الذي يتحدث عن التعويضات التي ستقدمها الحكومة للأشخاص المتضررين جراء الحرب.

ويزداد الاستياء عند المطالبة بالأوراق والوثائق ذات الطابع التعجيزي، فكيف لمن غادر منزله بما عليه من ملابس فقط، بحثاً عن الأمان الشخصي له ولأفراد أسرته، أن يفطن لبعض الأوراق والوثائق؟ خاصةً وأنّ جل هؤلاء غادروا وفي اعتقادهم أنهم سيعودون خلال ساعات، أو أيام على أبعد تقدير! لتطول معهم قصة التشرد والنزوح شهوراً وسنين مهدورة من عمرهم.

المواطن بواد والحكومة بواد آخر!

يتساءل «أبو عمار» كحال الكثيرين: «تطالبنا الحكومة بدفع الضرائب وفواتير الكهرباء والماء والهاتف، التي تمتص دمنا، لكن في المقابل لا يقدمون شئياً لطبقتنا الفقيرة! فأين حقوق  المواطن التي يدافعون عنها في الإعلام؟ كما أن بعض  المسؤولين لا يشعرون ببردنا ولا بمرض أطفالنا ونزوحنا، حيث ينامون على أسرتهم الفاخرة، وبعضنا ينام على الأرض  ليلاً، بعد أن ركض خلف رغيف الخبز نهاراً، ملتحفاً بهمومه وفقره».

تخلى «أبو عمار» عن مطالبة الجهات الرسمية بأي شيء، رغم أنها لم تقدم شيئاً، وكل ما يتمناه أن تتركه تلك الجهات وشأنه، حيث «يعيش المواطن في واد وحكومته في واد آخر»، حسب قوله.

تساؤلات مشروعة!

أين هي برامج تشغيل الشباب التي هللت لها  الوزارات؟ أين هو السكن الشبابي، والشباب يبحثون عن سكن؟ أين هي برامج تعويض الأضرار لمواطن تضرر في كل شيء؟ حيث أصبحت مقومات الحياة الأساسية حلماً يصعب تحقيقه، وأصبح الارتباط أو الزواج بفتاة خطّاً أحمر ليس بمقدور الشاب أن يفكر فيه، مع ارتفاع تكاليف الحياة التي فاقت قدرته على التحمل، ليبقى الشباب تائهاً متوجساً من المستقبل، في ظل انعدام الثقة بالحكومة ووزاراتها، ووعودها ومرحلة إعادة الإعمار، تساؤلات عرضها «أبو عمار» وهو يعلم الإجابة عنها سلفاً.

«فما أشبه أخبار الحكومة بقصص خيالية مسلية قبل النوم» كما يقول «أبو عمار»، الذي يشاطره جزء كبير من شباب هذا الوطن، في قصص منسوجة من رحم الألم، في بلد تخلى فيه الشباب عن أحلامهم المحترقة رغماً عنهم وعن إرادتهم في الحياة، وباتوا يئنون من الفقر، باحثين عن دور ما لحكومة تنصفهم وينصفوها، كي يشمخ بهم الوطن ويشمخوا به.

معلومات إضافية

العدد رقم:
808