بطالة أو تسول مصير أصحاب البسطات بعد «يقظة» المحافظة!

بطالة أو تسول مصير أصحاب البسطات بعد «يقظة» المحافظة!

أخلفت محافظة دمشق بوعدها لأصحاب البسطات، ولم تنفذ ما قالت أنها تعتزم القيام به، من إنشاء سوق مخصصة ومنظمة للبسطات، بعد أن كثفت نشاطها في مجال «مكافحة البسطات» في شوارع المدينة، والتي كان آخرها في محيط الجامع الأموي.

مجلس محافظة دمشق أصدر مؤخراً قراراً، يتضمن: إزالة جميع الإشغالات الواقعة بين الأعمدة الأثرية، والتي يبلغ عددها حوالي 15 بسطةً، وإلغاء الرخص جميعها للذين حصلوا عليها في وقت سابق.

سنوات من «السماح» تمحوها جرة قلم!

ويأتي نشاط المحافظة المفاجئ ضد أصحاب البسطات، بعد أن غضت البصر خلال السنوات السابقة عنهم، ووعدت بتأمين سوق خاص لهم، ما شجع الكثيرين على التوجه للبدء بمشروع صغير بشراء عربة أو ما شابه، لفتح بسطة تكون مصدر رزق، على أمل التطور مع الوقت ومع جني الأرباح.

وفي الوقت ذاته، لوحظ تناقض الممارسات تجاه أصحاب تلك البسطات، حيث تمكنوا من العودة لافتراش الأرصفة في مناطق مثل: المزة شيخ سعد، رغم تحذيرات المحافظة، في حين لم يتمكن آخرون في مناطق مثل جسر الرئيس ومحيط جامعة دمشق وشارع الثورة وحي صلاح الدين في ركن الدين، من العودة لعملهم إلا في فترة المساء مثلاً ولساعات قليلة في غفلة عن عين المحافظة.

بطالة مفروضة!

تخبط المحافظة في تعاملها مع قضية البسطات كان له أثر سلبي على كثيرين وجدوا فيها ملجأً لهم من العوز والحاجة، وشكلت مصدر دخل لمئات العائلات، إضافة إلى أنها أمنت مكاناً يسيراً للتسوق، يتمكن فيه الناس من شراء حاجتهم بأسعار أرخص، ناهيك عن كونها متواجدةً في شوارع ومناطق تشكل معبراً لمعظم الناس، حيث كانت متواجدةً في محيط جامعة دمشق وجسر الرئيس على سبيل المثال، تلك المنطقة التي تعتبر نقطة انطلاق لخطوط نقل إلى مختلف أحياء المدينة وريفها..

أحد أصحاب البسطات في شارع صلاح الدين بدمشق أوضح لجريدة «قاسيون» أنه اضطر إلى اختصار ما يعرضه في بسطته، بعد التشديد من قبل المحافظة، فما كان منه إلا أن أجبر على تحديد أوقات عمله لبضع ساعات مسائية، وبكمية بضائع أقل إذ يبقي معظم البضاعة في الشاحنة التي يستقلها، خوفاً من أية «كبسة» مفاجئة، حيث سيكون عليه توضيب الأغراض بأسرع ما يمكنه والفرار بعيداً، كي لا تصادر بضاعته.

واشتكى مما آل إليه الحال بعد عزم المحافظة تطهير شوارع دمشق من البسطات، وقال: «كان لدي شقة في دوما، أؤجرها لأستفيد من ذلك المال، ويساعدني ولداي في القيام بمصروف المنزل، لكن الشقة لم أعد أعرف شيئاً عنها، بسبب الحرب ولم أعد قادراً على الاستفادة منها، وولداي هاجرا قبل سنتين إلى ألمانيا، الأمر الذي كلفني كل ما كنت قد ادخرته، فوجدت أن أفتح بسطةً لبيع مستلزمات المطبخ والعصرونية سيكون مفيداً، ويسد بعضاً من مصاريفي».

واستطرد قائلاً: «كانت فكرتي جيدةً ومشروعي الصغير لا بأس به، إلى أن انقلبت الأمور وبدأت دوريات المحافظة تجول المنطقة وتمنعنا من العمل، فتحول العمل إلى جريمة، حيث أشعر بأني أسرق شيئاً، أو أقوم بشيء مشين، لذا علي التخفي في الظلام...».

وختم شكوان بجملة «الله يعينا ويعوضنا».

فخ الوعود!

وعد المحافظة بتأمين وتنظيم مهنة البسطات، كان أشبه بالفخ، الذي غرر بالمئات من العاطلين عن العمل، لينقلب عليهم فيما بعد، وفي الوقت نفسه، لم تجد المحافظة مخرجاً لتبرر به تقصيرها تجاه أولئك المواطنين، إلا بإلصاق الحجج بمواطنين مثلهم لتخرج نفسها من دائرة الذنب، حيث بررت محافظة دمشق على لسان عضو المكتب التنفيذي فيها فيصل سرور، عدم تأمين سوق للبسطات حتى الوقت الراهن، برفض بعض المواطنين تواجد «البسطات» قرب أحيائهم عبر تقديم الشكاوى والاعتراضات للمحافظة»، موضحاً أن «معظم المواطنين يريدون بقاء البسطات، بحال تأمين سوق مخصص لهم، لكنهم يرفضون إقامة ذلك السوق في أحيائهم بحجج المخلفات الناتجة عنه والضجيج».

كلام المحافظة حوّل قضية البسطات إلى ما يشبه الدائرة المغلقة، التي لا نهاية ولا بداية لها، فكيف للمواطنين ألّا يشتكوا وجود بسطات بشكل عشوائي في أحيائهم، وأن يرفضوا إقامة سوق منظم لها بذات الوقت؟؟.

الأرقام التي تحدث عنها سرور من حيث تنظيم 2662 مخالفةً لورش صيانة السيارات على الأرصفة ومصادرة 203 «كريكو» وأكثر من 42 سيارةً تستخدم كورشة صيانة منذ بداية العام حتى الـ27 من شهر آذار الماضي، تعكس الانتشار الواسع للبسطات في دمشق، وبالتالي حجم الناس المعتاشين منها والذين في معظمهم خسروا ورشاتهم ومعاملهم، أو محالهم في مناطق ساخنة، ويحاولون البدء من جديد ضمن إمكاناتهم، لكن مكافحة البسطات بهذه الطريقة، ما هو إلا دفع إجباري بالناس إلى طريق البطالة والتسول، مع عدم تأمين بدائل مناسبة.

مكافحة البسطات وعدم تأمين سوق منظم لهم، يصبّ بالشكل العام في آلية موحدة تتعامل بها الجهات المسؤولة مع عدة قضايا، وتتلاقى من حيث تقصير المسؤولين في إيجاد الحلول، والاكتفاء بتنفيذ إجراءات وتوصيات بشكل منقوص، كما حدث في ملف السكن البديل، لأهالي منطقة المزة خلف الرازي، الذين ينتظرهم مصير مجهول حتى الآن رغم المطالبات والمحاولات كلها لإنصافهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
807