مأساة جديدة يتعرض لها الإنتاج الزراعي
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

مأساة جديدة يتعرض لها الإنتاج الزراعي

أصبح جلياً أن الحديث الرسمي كله عن دعم الإنتاج الزراعي، لم يكن سوى عبارات للتسويق الإعلامي، لا أكثر ولا أقل، والدليل الأخير على ذلك هو رفع سعر الأسمدة بشكل رسمي بحدود 200% مؤخراً.

 

المزارعون والفلاحون لم تعد تنطلي عليهم التبريرات والأعذار الرسمية المقدمة كلها، وقد لمسوا ويلمسون الانعكاسات السلبية على عملهم وإنتاجهم مع كل قرار رسمي، وكيف يتم تجيير منافع هذه القرارات، لتصب في جيوب التجار أولاً وأخيراً!.

تراجع وتردٍ لمستوى المعيشة!

السعر الجديد للأسمدة الذي تم إقراره من قبل اللجنة الاقتصادية هو 210 آلاف ليرة للطن، في حين كان 70 ألف ليرة، كما تم تحديد سعر مادة النخالة بـ 75 ألف ليرة للطن الواحد.

على سبيل المثال؛ فلاحو ومزارعو منطقة الغاب، عانوا من فقدان الأسمدة الضرورية لنمو المحاصيل الشتوية، وخصوصاً القمح، والتي كانوا مضطرين لتأمينها عبر التجار بأسعار مرتفعة، أمّا وقد ارتفع سعر المادة بشكل رسمي، فقد باتوا تحت وطأة أشد، ما قد يؤثر على تراجع الإنتاج وتردي جودته، الأمر الذي يعني بالنتيجة تراجعاً وتردياً أكثر على مستوى معيشتهم بنهاية المطاف.

أحد الفلاحين قال متسائلاً: الأسمدة موجودة بالسوق السوداء، وسعرها ثلاثة أضعاف السعر الرسمي سلفاً، فكيف ستصبح الآن بعد الرفع الأخير، ومن سيغطي خسائرنا؟.

تكاليف وسوق سوداء متحكمة

واقع الحال يقول: إن سعر السماد الرسمي أصبح 10500 للشوال (50 كغ)، فيما كان 3750 ليرة، بينما يتوفر عند التجار بـ 15500 ليرة تقريباً.

وواقع الحال يقول أيضاً: بالمحصلة، إن كل مزارع سيتكبد بأقل تقدير مبلغ 750 ألف ليرة قيمة سماد فقط، هذا إذا كانت الأرض المزروعة بالمحاصيل تكفيها 50 شوالاً فقط، ومع إضافة المعاناة الأخرى المتمثلة بالمياه والري المرتبطة بسعر المحروقات، المازوت تحديداً، وعدم توفرها بالسعر النظامي، واضطرار الفلاح لتأمينها من السوق السوداء أيضاً بأسعار مرتفعة، حيث وصل سعر برميل المازوت إلى 100 ألف ليرة تقريباً، بسعر الليتر بحدود 500 ليرة بالسوق السوداء، استغلالاً لحاجة المزارعين، مع إضافة تكاليف المبيدات والأدوية الزراعية، خاصةً في ظل انتشار الفئران، ناهيك عن الكثير من النفقات الأخرى، مع مقارنة ارتفاع هذه التكاليف عموماً، ومع ما يجنيه المزارع من أسعار كقيمة لمحصوله بالنتيجة، تظهر الفجوة الكبيرة، بين المدخلات والمخرجات بالنسبة للفلاحين والمزارعين.

وعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار استجرار القمح من المزارعين بحدود 4 مرات، خلال الفترة الماضية، بينما سعر السماد ارتفع ولمرة واحدة 200%، فكيف سيتم تغطية الخسارات المتوقعة جراء ذلك؟!

واقع حال الزراعات المثمرة أسوأ، وقد تم تسجيل قطع الأشجار المثمرة في العديد من المناطق، وخاصةً في المنطقة الساحلية، أشجار البرتقال والليمون، ليس بسبب ارتفاع التكاليف فقط، بل وبسبب عدم التمكن من تصريف الإنتاج، بالسعر المجزي وبالوقت المناسب، في ظل التحكم المتزايد للتجار بهذه العملية.

لتغدو المسألة برمتها عبارة عن تحكم متزايد، من قبل التجار والسماسرة وتجار السوق السوداء، بمجمل خارطة العمل الزراعي، بعيداً عن كل ما تدعيه الحكومة من تحكم على هذا المستوى، ولتصب الأرباح وتتكدس في جيوب هؤلاء، على حساب تعب وشقاء الفلاحين والمزارعين، وحياتهم ومستقبلهم!

رفع السعر تم في ظل غياب المادة؟

مقابل ذلك صرح مدير المصرف الزراعي التعاوني، عبر إحدى وسائل الإعلام، أنه ستتم دراسة ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي وفق زيادة سعر السماد، وبناءً عليها سيتم رفع سعر المحاصيل للفلاحين، وخاصةً الاستراتيجية منها، وذلك على ضوء وصول الكميات المستوردة من السماد، وبعد توزيعها عبر فروع المصرف في المحافظات إلى الفلاحين، حسب قوله.

الأمر الذي يعني بالنتيجة: إن الأسعار تم إقرار رفعها، بينما لم توجد المادة بعد في حوزة المصرف الزراعي وفروعه، وليحصد التجار مباشرة فرق السعر من جيوب الفلاحين، في الكميات المتوفرة لديهم سلفاً من هذه المادة، مع ازدياد انعدام الثقة بين الفلاحين وجملة الأحاديث والوعود الرسمية، ومواعيد وصول الكميات وتوزيعها عليهم بالوقت المناسب للزراعات، والتي بدأت منذ يومين فقط حسب ما تم الإعلان عنه!؟.

التداعيات الأخطر!

الأمر يصبح أكثر سوءاً وأعمق تأثيراً، ليس على مستوى معيشة الفلاحين وأسرهم، أو انعكاس ارتفاعات الأسعار على المواطنين ومعيشتهم عموماً فقط، بل لعل الأهم من ذلك كله هو النتيجة المباشرة، التي أصبحت جليةً أكثر والمتمثلة بهجرة العمل الزراعي، وتحول الأراضي الزراعية إلى أرض بور عاماً بعد آخر، أو التحول لزراعات أخرى، أفضل جدوى ربما، على أحسن تقدير.

رئيس اتحاد فلاحي دمشق قال عن انعكاسات قرار رفع سعر الأسمدة أنه: «سيكون له أثر سلبي على الإنتاج الزراعي والحيواني، وأنه من المتوقع أن تسهم هذه الارتفاعات السعرية، خاصةً في الأسمدة، بتراجع نسب الإنتاج الزراعي بنحو 50% عبر ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، وعدم قدرة المزارع على مجاراة هذه الارتفاعات، وبالتالي عزوف الكثير من المزارعين عن الإنتاج والعمل»، وأضاف: «يرى اتحاد الفلاحين أن هذه الزيادات لا تخدم الواقع الزراعي، وهي عكس السياسات الحكومية المعلنة حول تشجيع دورات الإنتاج وزيادة المحاصيل وتأمين معظم الاحتياجات المحلية»، وذلك حسب ما صرح به عبر وسائل الإعلام.

هذا هو واقع حال الفلاحين، ورؤية اتحادهم، للسياسات الحكومية الليبرالية المقرة والمستمرة، وانعكاساتها السلبية، المتمثلة بزيادة إفقار الفلاحين، والشرائح الاجتماعية الأخرى، وما تعنيه هذه السياسات من أرباح في جيوب حفنة من التجار والمستغلين، حيث تؤدي هذه وتلك بالنتيجة إلى العزوف عن الإنتاج الزراعي والحيواني، مع كل التداعيات السلبية الأخطر على مجمل الاقتصاد الوطني بالمحصلة.

الأمر الذي يثبت مرةً أخرى أهمية وضرورة القطع مع تلك السياسات الليبرالية المتبعة منذ عقود، والتي يمكن وصفها بأنها ممنهجة لتدمير مقومات الاقتصاد الوطني، والمفقرة للعباد والبلاد، هذا القطع الذي فيه مصلحة مباشرة للفلاحين والمزارعين، كما ولبقية الشرائح الاجتماعية، ولما فيه من مصلحة وطنية عليا، يتم الإضرار بها عبر الاستمرار بهذه السياسات.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
803