مهجرون في براثن الفقر!!
مررت بها وهي تفتح ذراعيها إلى السماء، على قارعة الطريق، وسط أحد الأحياء الشعبية بأطراف المدينة.
وقفت بعيداً وأنا اراقب تقاسيم وجهها، حيث يمكنك أن ترى أرشيفاً، لـ 6 سنوات من الأزمة، عبر عينيها الخضراوين!!.
اقتربت منها وسألتها: ماذا تفعلين يا خالة؟ فأجابت: «أحاول أن أتدبر رزقي..!!».
اختفاء الزوج والابن!!
تخبرنا(أم حسن) قصتها، وهي امرأة جاوزت الخمسين، من منطقة السبينة بمحيط دمشق:
ففي أحد الأيام «غير الوادعة»، خرج زوجها كعادته للعمل، لكنه لم يعد!! ازداد الأمر سوءاً، عندما اختفى ابنها الأكبر، بعد أسبوعين!! ولم تعلم حتى الآن ما مصيرهما، وأين اختفوا، ومن المسؤول عن ذلك؟؟.
فاتخذت قراراً بالخروج من المنطقة فوراً، بعد سوء الأوضاع الأمنية فيها، حفاظاً على بقية عائلتها، وخاصةً بعد أن خسرت معيليها.
رحلة البحث عن الأمان
انتقلت (أم حسن) من منطقة إلى أخرى بحثاً عن الأمان، وحاولت تدبر أمورها بنفسها، قدر الإمكان، دون أن تنتظر الوعود الحكومية، بإقامة وحدات سكنية متكاملة للمهجرين، أو مراكز إيواء تحفظ كرامتهم، لتستقر أخيراً في منطقة دمر، في غرفة غير صالحة للسكن، مع 4 أطفال صغار، بنتين وصبيين، يبلغ الأصغر 3 سنوات، ولا يتجاوز الأكبر 8 سنوات من العمر، وقد تركوا مدارسهم ليلحقوا رغيفَ الخبز، بالإضافة إلى زوجة ابنها.
«رعب» أول الشهر!
تعتبر كلمة «أول الشهر» مرعبة بالنسبة لـ (أم حسن)، إذ أنها دائماً ما تقترن بأجرة الغرفة، التي كانت 5 آلاف قبل سنوات، لتصل إلى 20 ألفاً الآن، ولم يبق أحد من أقربائها بالقرب منها، بعد أن تشتت شملهم، سوى أختها الكبيرة التي توفيت منذ أيام، حسب روايتها.
التسول أو الجوع!
اضطرت (أم حسن) إلى التسول بانتظار من يمد لها العون، بعد أن أغلقت المنظمات والجمعيات الخيرية أبوابها بوجهها، بحجة عدم وجود دفتر العائلة، الذي فقد مع الأب والابن الغائبين قسراً، وهي لا تعلم من خبرهم شيئاً، وبظل غفلة الجهات الحكومية، أو تغافلها عن الواقع المزري الذي تعيشه وأمثالها، ممن فقدوا معيليهم بهذه الحرب والأزمة، وما أكثرهم.
بيتي كرامتي..
تضيف (أم حسن) وهي تهز برأسها: «خرجنا بثيابنا التي نرتديها، من دون أوراق ثبوتية، ظناً منا أن الأزمة ستنتهي قريباً!!.. لقد استكثروا علينا حفنة من الرز والبرغل!».
ولتختم كلامها بالقول: «لا تدعُ لي بأن يتحسن وضعي المادي، بل أدعُ لي بعودة زوجي وابني، وبأن أعود إلى بيتي بكرامتي».
غياب حكومي؟
انتهى حديثي مع (أم حسن)، وبدأ حديثي مع نفسي.. تُرى كم من (أم حسن) كانوا عبارةً عن «أضرار جانبية» لمفرزات الحرب والأزمة، وكم منهن نشاهد على الطرقات يومياً؟ وكم من أُسر شردتها هذه الحرب اللعينة وأفقرتها، ولم تجد من يؤيها أو يطعمها ويؤمن لها سبل العيش الكريم؟.
والأهم؛ لِمَ هؤلاء معوزون أصلاً؟ ألا يكفيهم النزوح والتشرد، ليأتي فَقْدُ المعيل، بتعدد أسباب هذا الفقد، مصيبة جديدة بحجم الكارثة عليهم!! وليضطروا للتسول وتشغيل الأطفال بالنتيجة!.
أليست قصة (أم حسن)، ومثيلاتها وأمثالها، هي ظاهرة اجتماعية باتت واضحةً وجليةً وملموسة، وهي بآن دليل ومؤشر فاقع عن غياب الدور الحكومي الرسمي والجدي، ليس على مستوى فقد أو اختفاء المعيلين، من رجال وشباب فقط، بنتيجة الحرب والفلتان الأمني وغيرها من الأسباب، بل على مستوى الاهتمام والرعاية والحماية لهؤلاء، من أن يكونوا متسولات ومتسولين، ومُستغلِّين بمأواهم وبحياتهم وبمستلزماتهم المعيشية اليومية، وأين هؤلاء من برامج المساعدة والإيواء والرعاية، التي طنبت الحكومة آذاننا بها منذ سنين؟!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 802