«اذهبا أنت وربك فقاتلا»!!
قرار جديد يصدر عن رئاسة مجلس الوزراء، بشأن رواتب واستحقاقات العاملين «في المناطق غير الآمنة».
فقد أصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بإلزام تسليم الراتب، أو الأجر أو التعويضات، والمستحقات المالية كلها، إلى العامل أو الموظف في «المناطق غير الآمنة» بالذات، استناداً إلى بطاقته الشخصية وتوقيعه وبصمته.
ثلاثة أشهر فقط!
وقد تضمن القرار أيضاً بأنه إذا لم يتمكن هؤلاء من الحضور، لأي سبب من الأسباب، تحتفظ الجهة العامة براتبه وأجره وتعويضاته لمدة ثلاثة أشهر، كحد أقصى، بعد ذلك تعاد إلى الخزينة العامة، وفي حال حضوره ينظر في وضعه من قبل الوزير المختص، بعد موافقة الأمن الوطني.
القرار المذكور أقر وجود الظروف الخاصة التي يعيش فيها هؤلاء العاملون، باعتبارهم في «مناطق غير آمنة»، ومنح كل منهم مهلة ثلاثة أشهر لتقاضي استحقاقاتهم شخصياً، ولكنه لم يأخذ بعين الاعتبار بأن هؤلاء تعتريهم الكثير من الصعوبات والمعيقات، بما يخص تنقلهم وخروجهم من هذه المناطق، كونها بغالبيتها تقع تحت الحصار القاسي، من قبل المجموعات المسلحة، على اختلاف تسمياتها، وخاصة تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي يُكبّل هؤلاء، ليس على مستوى تنقلاتهم فقط، بل وعلى مستوى حياتهم اليومية بالمجمل.
مصدر وحيد للدخل
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأجر والاستحقاقات بالنسبة لهؤلاء العاملين ولأسرهم، تعتبر المصدر الوحيد لدخلهم ومعاشهم، وبالتالي حسب مضمونه، فإن هذه الاستحقاقات ستعتبر معلقةً لما ينظر فيه الوزير المختص لاحقاً، بحال تجاوزت الثلاثة أشهر.
علماً أن بعض هؤلاء كانت تصلهم الأجور والاستحقاقات عبر التفويضات أو الوكالات، وغيرها من السبل القانونية التي تعنى بالتوثيق المالي حسب الأصول القانونية، بحال تمكن أحد ما من الخروج والعودة لهذه المناطق، عبر الكثير من الالتفافات الطرقية، تهريباً وهرباً، من عيون عناصر وأتباع المجموعات المسلحة في مناطقهم، ولو تجمعت مبالغ الاستحقاقات لشهور متتالية، ولكنها تبقى ضمن حسابات المعيشة بالنسب لهؤلاء، فيستدينون من أجل تأمين معيشتهم، على أمل الحصول عليها لاحقاً.
والحال كذلك فإن هؤلاء أُسقِطَ في يدهم، فلا هم قادرون على الخروج من المناطق غير الآمنة بسبب ظروف الحصار والقهر، ولا هم قادرون على الاستدانة كون موضوع التفويضات والوكالات وغيرها تم إلغاؤها بناءً على مضمون القرار، ما يعني أن مصدر الدخل الوحيد، لم يعد من الممكن الاعتماد عليه، ولا حلول بين أيديهم، خاصةً وإذا علمنا أن تكلفة الخروج النهائي من هذه المناطق (نزوحاً) تكبد الأسرة مبالغ طائلةً، نفقات مهربين وأجور طرقات، ناهيك عن التشرد الذي سيعانونه، باعتبارهم سيضافون إلى قوائم النازحين والمشردين، بالإضافة لما يمكن أن تفرضه عليهم المجموعات المسلحة من ضرائب، بما في ذلك فرض التخلي عن الممتلكات، كما عمل عليه تنظيم «داعش» الإرهابي غير مرة، في العديد من المناطق التي يفرض سيطرته عليها بسطوة القمع والسلاح.
أين غابت السبل القانونية؟
ربما موضوع قوننة استلام الأجور والاستحقاقات أمر مطلوب، كما أن مراعاة الظروف الخاصة للمتواجدين في المناطق غير الآمنة من الضرورات الإنسانية العامة، ومن واجبات الدولة والحكومة بشكل خاص، فكيف يكون ذلك على مستوى الدخل، الذي يعني المعيشة اليومية لهؤلاء، وهو أمر بيد الدولة بأجهزتها ومؤسساتها؟، ولماذا يتم إغفال وغض النظر عن الوسائل القانونية، المتمثلة بالتفويضات والوكالات، بموضوع حصول هؤلاء العاملين على أجورهم واستحقاقاتهم، طالما هناك إدراك للواقع السيئ الذي يعيشه هؤلاء؟، في ظل حصار معيشي خانق فرض عليهم من قبل المجموعات المسلحة التي فرضت وجودها عنفاً وبالسلاح!.
وكأن الرسالةَ بمضمون القرار أعلاه تتضمن: إن إمكانات الدولة عاجزة عن تأمين حق هؤلاء العاملين، وفق الأسس والضوابط القانونية، أو أن تلك الضوابط والأسس لم تعد معتمدةً ومعترفاً بها من قبل الحكومة، أو أن الحكومة تريد أن تقول لكل واحد من هؤلاء: «اذهبا أنت وربك فقاتلا»!!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 802