الشقق الفارغة تأكل أحلام السكن في دمشق وريفها

ارتفاع الطلب على المساكن له تبريره المنطقي بكل تأكيد، فأعداد السكان في تزايد مستمر وستبقى كذلك بطبيعة الحال، وفي المقابل يتراجع المستوى المعاشي عاماً بعد عام ويبدو أنه سيستمر على حاله مقترناً بانخفاض القدرة الادخارية للسكان، وارتفاع أسعار العقارات رغم خلوها من القاطنين، ولاسيما أنَّ تجار العقارات والمقاولين الذين ما يزالون خارج نطاق الضبط، مستمرون بسرقة أحلام الشباب في الحصول على مسكن متواضع الثمن، لأنهم يفضلون تحقيق أرباح جديدة تضاف إلى أرصدتهم المكتنزة بالمال السائل والعقارات معلقة المصير.

تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن محافظة دمشق أنه وعلى الرغم من الطلب المتزايد على المساكن في المحافظة، فما يزال هناك مسكن من كل خمسة مساكن لا يوجد فيه شاغلون، وبما أن الرقم الرسمي عادةً ما يجانب الحقيقة، فمن المنصف القول إن مسكنين من خمسة بلا شاغلين، وإذا رأت الأرقام الرسمية أن المساكن غير المشغولة تشكل من إجمالي المساكن في دمشق ما يقدر بـ 25.18 %، وفي الريف نسبة  %22 من إجمالي المساكن، فإن هذا وحده يقرع ناقوساً في سماء المحافظتين، إذ يشير تقرير رسمي إلى أن هذه الوحدات السكنية الخالية يمكن أن تؤمن السكن لنحو مليون نسمة في دمشق وريفها على أقل تقدير، أي بمقاييس أخرى قد تكفي هذه المساكن لإيواء أكثر من مليوني مواطن.

ووفقاً للتقرير، تتركز المساكن الخالية بصورة أساسية في أربع مناطق من دمشق، وتتموضع في الشمال والشمال الغربي، وخاصة في قرى الأسد حيث تشكل %48 من المساكن المبنية هناك، وفي ضاحية قدسيا تشكل %33 من الإجمالي، وفي يعفور %24، وفي جديدة الوادي %21، وفي التل %19، وفي العمارة %15، وقدسيا %15، والديماس %14.

ومن هذه الزاوية يبدو أن المساكن حديثة البناء هي التي بقيت خالية، رغم أن المساعي الحكومية كانت تتركز حسب الادعاءات على تأمين مساكن حديثة متوسطة الثمن تناسب أبناء شريحة محدودي الدخل، ولكن أحداً من هؤلاء لم يحصل على سكنه لأن المتعهدين وتجار العقارات استطاعوا بسحر ساحر وفساد فاسد أن يحتكروا مفاتيح معظم هذه الشقق، إما عبر الشراء أو عبر المماطلة بالتسليم بحجة أن العقود المتفق عليها مع الحكومة لم تحقق لهم الحد الأدنى المقبول من الربح النظيف بعد ارتفاع أسعار المازوت عام 2008، وارتفاع أسعار مواد البناء في العام نفسه.

أما المنطقة الثانية من حيث تركز المساكن الخالية فتم تحديدها بوسط دمشق وبعض المناطق المجاورة لوسطها القديم، في المالكي والشهداء والروضة والمزرعة والقصور وأبو رمانة وساروجة وعمارة جوانية والمنار والعدوي والحجاز وحبوبي والفيحاء والقصاع.. وهذا عائد دون شك إلى تركز احتكارات أصحاب المكاتب العقارية وأصدقائهم من سماسرة الدوائر الرسمية في هذه المناطق بالذات، لأنها تعد من أكثر المناطق المدرة للربح المرتفع في البلاد كلها.

وتتراوح نسبة الوحدات السكنية الشاغرة في تلك المناطق المجاورة للعاصمة بين 18 و%26، وفي المنطقة السكنية المحيطة بدمشق مباشرة %20، وفي المزة ومزة جبل ومزة فيلات غربية وشرقية %18، وضاحية دمر %18، وبرزة البلد %15، وفي بعض المواقع البعيدة عن دمشق كحوش السلطان %35، وعرطوز %16، وخربة الورد %15، وتبلغ هذه المساكن أرقاماً عالية في بعضها نحو 3 آلاف وحدة في جرمانا وألفين في التل، و1800 في دوما، وحتى 1500 في الحجر الأسود، و17 ألفاً إلى 28 ألف وحدة سكنية خالية في قدسيا والسيدة زينب والقصور ومعضمية الشام وبرزة البلد وببيلا ومزة جبل وجديدة عرطوز وضاحية قدسيا السكنية الجديدة والتضامن.

ويلاحظ التقرير أن هذه المساكن الخالية توجد ضمن مناطق مجاورة للمساكن التي تسميها الحكومة بالمخالفات الجماعية، وهذا طبيعي لأن طالبي السكن موجودون في الأصل في تلك المناطق التي يكتظ فيها البشر ويتعاونون على بناء المخالفات بالاتفاق مع الفاسدين في البلديات التابعة للمحافظة، ويدفعون ثمن مخالفاتهم ما كان يفترض بهم أن يدفعوه ثمناً لبيت جديد، لم يستطيعوا أن يحلموا باقتنائه لأن في الشقق الفارغة أحلاماً سرقها تجار العقارات الذين تزداد جيوبهم انتفاخاً كل يوم على حساب سكان دمشق وريفها الذين أصبحوا مجردين من قدرتهم حتى على الحلم بمسكن!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
543