مطبات: الكتابة على الوجهين
جهد الحكومة اليوم نفسها بتوجيهات لموظفيها في الوزارات والمؤسسات عن ضرورة وقف هدر الطاقة، والتخفيف من استخدامها، وتوجه الجهات التابعة لها باتخاذ الإجراءات اللازمة لترشيد استهلاكها.
كما أنها وفي تعميم جديد لم تنس كميات الورق المهدور والتالف من حساباتها، فقد وجه رئيس مجلس الوزراء في هذا الكتاب إلى أنه وانطلاقاً من أن النفايات الورقية تعتبر ثروة وطنية يمكن الاستفادة منها من خلال فرزها وجمعها، وإرسالها لمصنع الورق لإعادة تصنيعها، وعليه يجب تكليف من يلزم لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتجميع الورق المستخدم، وإرساله إلى معمل إعادة تدوير الورق، والتعميم على المديريات والجهات التابعة لكل وزارة للتقيد بإعادة التدوير، والحد من الهدر في استخدام الورقيات.
ذهب التعميم إلى أبعد ما يمكن من التقليل من هدر الورق، وطالب المعنيين بضرورة الكتابة على الوجهين إذا اقتضى الأمر ذلك، وهنا يحق لي أن أسأل كمواطن يعي تماماً طبيعة عمل الموظفين، كيف سيدير الموظف معاملة مكتوبة على وجهين، وأين ستوضع الأختام الكثيرة، ومن يضمن أن لا ينسى الموظف بقية المعاملة في الوجه الآخر للورقة.
أوليس الأجدى بالحكومة أن تقرر إلغاء توريق المعاملات، وتلجأ إلى مخططها الالكتروني في قيادة العمل الحكومي، وتعيد التفكير بمبدأ النافذة الواحدة الذي ألغى النوافذ وأبقى على تمريرها لموظفين لا عمل لهم سوى أن يقولوا للمراجع اذهب إلى الطابق الخامس، وراجع الأستاذ فلان.
في مبنى المؤسسة العامة للبريد على سبيل المثال يضع المواطن في الصباح ورقة غير موظف، ويطلب منه موظف الشباك العودة لاستلامها في نهاية الدوام، أو في اليوم التالي، وهذا الجواب يقدم لكل مراجع، وعند نهاية الدوام يجتمع كل المراجعين ويبدأ المزاد في توزيع الأوراق، والصياح الذي يمارسه الموظف كدور مكلف به يتقاضى عليه أجر يومه.
تستطيع الحكومة أن تقلل من هدر الورق بمجموعة إجراءات تخفف من نشاط بعض وزرائها ومدرائها في توزيع الكتب الفاخرة التي تتناول انجازاتهم السنوية، وخططهم المحققة 100%، ومديح المشاريع التي تم إنهاؤها (على الورق)، وهذا عدا عن سمسرة مبالغ من عمليات الطباعة الفنية والإخراج.
تستطيع الحكومة أن تخفف من مجلات وجرائد بعض المنظمات الشعبية، والتي تكرر كل عدد الخطابات والشعارات ذاتها، وتنشر أخبار النجوم والأبراج من مواقع الأنترنت، وإيقاف بعض النشرات التي لا تقدم ولا تؤخر في عمل المؤسسة أو الإدارة.
أما بالنسبة لهدر الطاقة فربما يبتسم أحد القراء من الموظفين لأنه قد يخطر بباله ما خطر ببالي عن الطاقة وتوفرها، ويسأل في سره هل تصل الطاقة لكي لا نهدرها؟، وبعض من هم في سلم قيادة بعض المؤسسات يمارسون هواية الإسراف في استهلاكها، ومن منا لا يختنق بالدفء المنبعث من مكيفات مكتب مدير عام عند الاضطرار لمراجعته، وبعضهم يضيف إلى الهواء الساخن بعض السخانات.
على الحكومة أن تكثر من تعاميم تقليل الهدر، وأن تطال بها أولئك الذين ما زالوا يستمتعون بنعمة الوظيفة العامة، ويركبون السيارات الفارهة، وينفقون مخصصاتها من الوقود بقسائم مفتوحة على المكيفات والمشاوير، وأن تعاد بعضها من أقاربهم ومعارفهم، وأن يتقشفوا قليلاً ريثما تنجلي الغمة من سماء الوطن.
من واجب الحكومة أن تحاسب وبقسوة أولئك المستهترين بالنظام العام، والذين يهدرون وقت المواطن في الوقوف على أعتابهم، وتركه لقسوة الحياة والظروف الصعبة التي يعانيها، وعدم التعامل معه على أنه صاحب الحاجة الأرعن، وهم من أرسلتهم الآلهة لإنقاذه من هذا الضلال.
كل هؤلاء ليس فاسدين وانتهازيين بل يجب التعامل معهم كأشخاص ووظائف على أنهم فائض يجب التخلص منه، وجزء من هدر مال الوطن العام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 541