وسيم الدهان وسيم الدهان

جمر الأوضاع المعاشية المزرية يتّقد بصمت تحت الرماد تجاهل القضايا الأساسية لن يخفف الانفجار.. بل سيزيده اتساعاً!

تكاد مشكلات الحياة اليومية تغيب عن بال السوريين منذ شهور، فالأحداث المتسارعة بتطورها والمتصاعدة بخطورتها أخذت حيزاً كبيراً من اهتمامهم أياً كان الموقف الذي يتبنونه حيالها.

لا شك بأن جميع السوريين يبحثون عما يطمئنهم على غدهم المتعب أصلاً، ولاسيما أنهم باتوا يتشاركون هموماً نوعيةً جديدة تعزز شعورهم بوحدة «المصير» و«المواجع» إلى حد بعيد، ولكن الواحد منهم لا يعير ذلك اهتماماً حقيقياً، بل ويجانب الحديث بالأمر إن صادفه.
هل نسي السوريون لقمة عيشهم، وجودها لا جودتها مثلاً؟..

ألم يكن ترشيد الإنفاق أصلاً يمثل الشغل الشاغل لمعظم أرباب الأسر في البلاد؟..
حتى ترشيد الإنفاق أصبح اليوم من المنسيات لدى السوريين، إذ لا فوائض لديهم لينشغلوا بإحصائها وترشيدها، فرواتب الموظفين الحكوميين مسقوفة منذ الأزل إلا قليلاً، ومن لم يكن راتبه مسقوفاً فقد «ثقبت» الأرض من تحته وابتلعت قرابة نصفه الإجمالي؛ سواءً عبر الاقتطاع الذي لجأت إليه معظم مؤسسات وجهات القطاع الخاص بهدف الالتفاف على التكلفة، أو عبر انخفاض القدرة الشرائية للعملة الوطنية جراء «المضاربات الخفية» الدائرة بعلم الفاسدين وأصدقائهم الكبار والصغار.
الهموم تزداد باطراد، هذا صحيح، ولكن الإحساس بها ينخفض باطراد أسرع، فالحرفيون على اختلاف اختصاصاتهم، ومن ورائهم «مستأجروهم»، خرجوا من ورشهم الصغيرة لسبب أو لآخر، واعتصموا في منازلهم مجبرين في معظم الحالات، لا لبطر أصابهم فجأةً، بل لأن تكاليف الإنتاج البسيط (قبل المركّب) آخذة بالارتفاع على مدار الأيام، أما سائقو السرافيس والذين تكاثرت أعدادهم بشراسة خلال العقدين الماضيين، أي منذ بدأ الخلل باستثمار القوى العاملة في الظهور، فهم في حال لم يخسروا بعد آخر فرصة عمل وجدوها مصادفةً خلف المقود جراء تسلّط «الخواص» على مناجم عيشهم الزهيد، فإنهم يصطفون اليوم ساعات طويلة قرب محطات الوقود، وفي طوابير قادرة لشدة اتساعها على قطع الطرق، يهدرون نصف يومهم بانتظار «خزكار» المازوت الذي يسمح لهم بمزاولة عملهم نصف اليومي الشاق، وبين هؤلاء وغيرهم يبدو للعيان أن التجار الكبار ما يزالون أقل الشرائح الاجتماعية تأثراً بمجريات الأمور والتدهور العام الناجم عنها، قد يبدو ذلك صحيحاً بالشكل وحسب، أما في الجوهر فحتى التجار انقسموا إلى «مفلسين» و«مليونيرية» تبعاً لقدرتهم على الاستفادة من أزمات البلاد، ولكن حتى هذا الأمر لا يشغل بال السوريين كثيراً هذه الأيام، ويبدو أنهم، وبسحر ساحر، آخذون بفقدان الانتماء حتى إلى أنفسهم وإلى حقوقهم ومشكلاتهم القديمة.
بصريح العبارة، ما يزال الجمر متوهجاً بين تفاصيل اليوم السوري، وهو وإن ازدادت كثافة الرماد الذي يحجبه عن الناظرين يهدد بزلزال عظيم فيما لو وجد من يستطيع نفخ الحياة به، واستمرار الحكومة بتجاهل هذه التفاصيل وإنكار وجودها، بل والاستعماء المتعمد المطلق حين النظر إليها، فإن سورية ذاهبة إلى انفجار عظيم، وفي هذه الظروف، وضمن هذه المعطيات، سيكون انفجاراً غير محمود النتائج أياً كان اتجاهه، ولذلك فإن الواجب الوطني يقتضي من جميع من يؤمنون بالوطن أن يعملوا صفّاً واحداً على استدراك ما فات من تجاهل مزمن ومتعمد للمشكلات المعاشية والخدمية والعملية، قبل ازدياد تعقّد ما تمر به البلاد وخروجه عن السيطرة، فالجمر في سورية لن ينتظر «البوعزيزي» ليحرق نفسه مرّةً أخرى، لأن الجميع يحترق، ولكن بصمت في أكثر الحالات حتى الآن!

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:20