من أجل عملية تعليمية ذكية

/75/ ساعة تعليم تكفي لاجتياز 7 سنوات دراسية!! 

 طفل بعمر تسع سنوات يقدم الشهادة الإعدادية، و يحل معادلات من الدرجة الثانية بمجهولين!! 

 مؤتمرات دولية لنظم التفكير.. ونحن غائبون!! %

في حوارنا مع المهندس جهاد أبو حرب، الباحث في حقول نظم التفكير والجودة، وهندسة التغيير وصناعة الذكاء، لم يكن من السهل علينا أن نفهم الرجل، ولاسيما أن هناك رغبة دفينة تعتمل خلف أدراج العقل لكي لا يفهم المرء حقائق يهرب منها..

 بأي آلية نفكر، وكيف نفكر؟

 على آية درجة من السلم المعرفي نسمر أقدامنا؟

 ما حصة كل منا من الذكاء،وهل يحق لإنساننا أن يكون ذكياً؟

حاولنا أن لا نفهم، كي نستطيع على الأقل الاستمرار بأنشودتنا: «الحمدلله الذي ألهى الفرنجة بالعلم، وفرغنا للأمور الأخرى»!

 لنبدأ من السؤال الساذج، ما هي نظم التفكير، وإحداثياتها؟

إن المعنيين بالتغيير عبر التاريخ كانوا أربعة:

الأنبياء والمصلحون والثوريون والمجددون، وكل منهم كوَّن نموذجاً من نماذج التفكير أدى بدوره إلى طريقة تفكير.

فيمكن اعتبار أن جميع ماقدم تاريخياً هو محاولات أو آليات في طرق التفكير المختلفة، التي تحاول إيجاد معايير أعلى للإنسان وهذا ما فعله الكثيرون مثل محمد وكونفوشيوس وأرسطو الذي وضع منظومة في المنطق أدت إلى ثورة في آليات التصور البشري استقرت في العالم الإسلامي على يد ابن رشد مثلاً.

 ما هي القفزة المطلوبة في تعليم طرائق التفكير، وما المسافة التي تفصلنا عن طرائق التفكير السليمة؟

 عند دخول كرومر عام 1800   مصر والسودان وضعت نظم تربوية منفذة للإرادة اعتمدت على مبادئ تهميش العقل والعمليات المنطقية، حيث أرسيت أسس المدرسة السلوكية معتمدة على نظريات هوبلز الذي طرحها ليؤكد أن الملك هو صاحب القيمة المطلقة وصاحب الصلاحيات المطلقة المرتبطة بالحق الإلهي، و ثم تلاه طومسن ليتم ما بدأه سلفه بالإضافة إلى فلسفة المنعكس الشرطي التي استفادت المدرسة السلوكية منها على يد بافلوف عندما نقلت دراساته من الحقل البيولوجي إلى حقول علم النفس الشرطي وهي مجموعة آليات تعتمد على حشو المعلومات في الأدمغة ومن ثم الدخول إلى قاعة الامتحانات التي تمثل سلة مهملات، ترمي فيها هذه المعلومات، وهو النظام نفسه المتبع عندنا والذي أسسه هوبلز في القرن الخامس عشر.

 هل ارتبط أثر المدرسة السلوكية بالتعليم فقط؟

عند غياب المقدمات الأساسية والمهارات العقلية العليا (التحليل والتركيب، الربط والاستنتاج، الاستقراء، البناء العقلي، التفكير التباعدي، المقارنة، اتخاذ القرار. إلخ..) فإن أي منظومة راقية تصبح أداة قاتلة في يد جميع القطاعات السياسية والاقتصادية والتربوية والدينية والثقافية، وهذا انعكس أيضاً في استخدام بعض الأيديولوجيات التي تمثل نتاجاً مرحلياً لمجتمع ما، حيث أصبحت نماذج جاهزة في غياب المقدمات الأساسية سالفة الذكر مما يفرغها من مضمونها الفكري على أرض الواقع.

وهناك تقرير نشر حول مساهمة العرب في المئة سنة الماضية في الحركة المعرفية العالمية يوضح واقع وأثر هذه المدرسة على بنية التفكير في المنطقة حيث كانت المساهمة شبه معدومة.

 طرائق تفكير الأمس أنتجت حركة مصالح الأمس، هل سيعني إحداث طرائق تفكير جديدة الإخلال بمعادلات المصالح السابقة؟

لست أنا من أجيب على هذا السؤال، فالقطاعات الحكومية قطاعات مترهلة قائمة على التقليد والنمطية. وإذا لم يكن لديها القدرة على بناء إنسان بطرائق تفكير جديدة وفق خطة ممنهجة، فإنها أمام خيارات صعبة جداً.

لنأخذ قطاع التربية مثلاً، ماذا ساهمتم في مشروعكم المتصل بهذا القطاع؟

قدمنا مشروعاً كبيراً لعدد من الإدارات حول التعاون في مجالين أحدهما (تعليم طرق التفكير) وثانيهما برنامج أشمل يدعى (نظام جودة الإدارة الشاملة) في جملة من القطاعات باعتبار سورية معنية بمجموعة فعاليات لا يمكن تنفيذ احدها بشكل منفرد. أما بالنسبة لقطاع التربية، فنحن نعمل ضمن عملية متكاملة وبرنامج يسمى «إدارة العملية التربوية» لم يفرج عنه حتى الآن،ومازال قيد التفاوض مع وزارة التربية لبناء الفريق الوطني وتهيئة المدربين والموجهين وإقامة مجموعة من الدورات لبناء وتنفيذ البرنامج.

وأنا أركز الآن على قطاعي التربية والصحة، ويمكن أن نبدأ من عدة مجالات كوننا نمتلك عدة حالات مرضية.

 هل لنا بتوضيح أكثر حول نموذجكم المطروح؟

لم أجد نموذجاً يمكن احتذاؤه لأن النموذج هو نتاج مجتمعي، لذلك أجريت أبحاثاً وصلت فيها إلى نتائج هامة على صعيد العملية التربوية ولدينا قدرة كبيرة على اختصار الوقت من خلال هذا البرنامج، إذ لا نمتلك وقتاً كافياُ لترميم وتصحيح إنسان بعد 18 سنة من التعليم وفق المدرسة السلوكية. وقد بدأت تجربة موازية في وزارة الصحة بإحداث دورة كانت الأولى على مستوى الوطن العربي في تعليم طرائق التفكير لأساتذة التمريض في المعاهد السورية ودربت حتى الان حوالي 80 شخصاً والأمور ستجري ضمن متوالية هندسية.

وضمن التصور يمكن أن ينجز المشروع خلال (3 إلى 5) سنوات وقد أخذنا موافقات للمشروع من هيئات داعمة في الأمم المتحدة على مستوى طرق التفكير كجزئية من مشروع أكبر هو إدارة الجودة الشاملة.

قمت أيضاً بتجارب أخرى منذ عام 1997 على عدة أطفال انتقيتهم من عينات عشوائية وكانت النتائج مذهلة، إذ أن طفلاً عمره 7 سنوات يستطيع تحليل نص سياسي، إداري، فني،وقادر على اتخاذ القرارات، وهناك طفل آخر بعمر 9 سنوات، تفوق خبرته المعرفية والذهنية طلاب الصف الثالث الإعدادي، حيث درسته المنطق والفيزياء والكيمياء،وهو الآن يحل معادلات من الدرجة الثانية بمجهولين وقد قابل وزير التربية الذي كان منذهلاً به.

هل هذا يعني أننا نستطيع تسريع عملية التعليم وفق هذا المنهج؟

نعم، فأنا أقول أننا نستطيع الوصول بطفل عمره خمس سنوات إلى مستوى الصف السادس الابتدائي خلال 75 ـ 100 ساعة تعليم وفق الطرق الجديدة، دون أن يؤثر ذلك عليه سلباً من النواحي الأخرى في شخصيته، حيث نعتمد طريقة الذكاءات المتعددة ونتائج المدرسة الإدراكية العقلية التي تتعارض مع المدرسة السلوكية إضافة إلى استخدام مناهج أخرى، معدة الآن وناجزة.

هل المطلوب إحداث جامعة لطرائق التفكير؟

لا، المطلوب فريق وطني قطاعي على المستوى المركزي وعلى مستوى الفروع، ويمكن بوساطة شبكة اتصال خاصة الوصول إلى  كل طالب وأستاذ في موقعه والعملية ليست مكلفة إذا ما نظر إليها على المدى البعيد.

وقد نستطيع الحصول على نتائج كبيرة، وهذا ما يندرج تحت عنوان «هندسة التغيير» حيث أطلق هذا العلم عام 1996 في تطبيقات متعددة.

تغيير ماذا؟

تغيير العمليات والآليات، وليس تغيير الأشخاص، وذلك ضمن منهج علم نفس ارتقائي ونظام جودة يعتمد بداية آليات ذهنية منفتحة وهنا نعود إلى طرائق التفكير من جديد. إذ أن هناك مجموعة كبيرة من برامج تعليم طرائق التفكير أطلقت في مؤتمرات عديدة، وفي عام 1997 عقد المؤتمر السابع لطرائق تعليم التفكير في ماليزيا، دون أي مشاركة من الدول العربية.. وقد ضم أكثرمن خمسين دولة. ونحن الآن نحاول النظر في فلسفة الخطأ والصواب وليس في التخطيط والتغيير وهذه كارثة أيضاً.

نحن لسنا في موضع قرار، باعتبار أن هنالك مواقع مهيمنة على العملية التربوية والصحية وغيرها، إلا أننا نقول إن التربية شأن مجتمعي وليست فقط شأن وزارة التربية. وكذلك الصحة والثقافة والاقتصاد. وعلى هذه الوزارات أن تتبنى ما هو جديد للنهوض بإنساننا وبلدنا، والتفكيك لن يكون إلا لإعادة البناء وفق منظومات موضحة ومعدة ومعلنة سلفاً.

ماذا عن الجامعات التي تستحدث في سورية؟

هذه الجامعات تأتي بمناهج جاهزة من مجتمعات أخرى، والطالب سيدخلها وهو نتاج المدرسة السلوكية، وأنا أتوقع لهذه الآليات الجديدة على رقيها (البرامجية والمناهجية) الوقوع في مطبات الفشل.

من سيقرر يحمل طرائق الأمس، أليس في ذلك مغالطة ما؟

هنالك أجنحة يناط بها معرفة ما هو المطلوب ثم تحويله إلى برامج عمل عبر معرفة الكيفيات.

لم تجبني على سؤالي..

يوجد بعض العقليات المحنطة، جزء منها متكلس، وجزء منها نمطي تقليدي مسكون بالتخوفات الخالية من المضامين، إضافة لبعض التشريعات والقوانين المعرقلة لتوجهات تطويرية، ومن ثم التدخل غير المبرر لبعض المرجعيات الأمنية في سير العمل، وجملة من التركيبات بحاجة إلى إعادة النظر فيها وإنشاء علاقات تماس وانسياب محسن للمعلومات فيما بينها، فكلنا نمر بظروف تعيقنا، وقد قال لي معاون أحد الوزراء مرة: «مشاريعك هذه لدول حديثة، وليست لنا»!!

إذاً بانتظار «نشوة حكومية».

آمل ذلك..

 

حاوره: كمي الملحم

معلومات إضافية

العدد رقم:
181
آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2016 16:31