د. نزار عبد الله د. نزار عبد الله

مركز ثقافي للأجرة؟

هل يجوز تأجير المراكز الثقافية لأغراض غير ثقافية؟ سؤال تطرحه سابقة خطيرة تتكرر للمرة الثانية في حي مساكن برزة ـ جبل (الذي أطلقت عليه البلدية بعد 20 عاماً من تشييده اسم «حي المنارة»، علماً أنه لا يوجد بحر ولا توجد منارة، ولا حتى ألزم أصحاب الميكرو باصات الصغيرة التي يدعوها البعض «صراصير» بعقوبات ولو رمزية لمن لا يكتب حي المنارة على واجهة باصه.

لقد تم إنجاز بناء المركز الثقافي منذ قرابة عقد. وتم اختيار مدير له الأستاذ عاطف أبو جمرة، الذي توفي ولم ينفذ قرار تعينه. وقد افتتح المركز الثقافي بالأبواق والأضواء والسيارات الرسمية أكثر من مرة. واستبشر السكان خيراً، وحتى تلاميذ المدارس فرحوا بذلك إذ تصوروا أنه سيوفر لهم مكتبة مجانية وسيحفل بالنشاطات الثقافية والفنية...إلخ.
..وكبر الأولاد ودخلوا الجامعة، ولما يفتتح فعلياً مركزهم الثقافي الموعود.
لقد ظل غير مفهوم عدم تشغيل المركز الثقافي في حي مساكن برزة جبل (حي المنارة) طوال سنوات، وقد أثار السخط بين سكان الحي لاحقاً تأجيره للمعهد العالي للإدارة دون حق، رغم أن العقارات الفارغة في دمشق كثيرة جداً، واعتقد الناس أن الأمر سينتهي عند ذلك، خصوصاً وأن المعهد العالي للإدارة غادر المركز الثقافي ما إن وجد عقاراً ملائماً. وتم تحضير المركز للافتتاح مجدداً في شباط من عام (2006).. لكن فجأة تغيرت الحال. ويبدو أن من أخطأ مرة واحدة استمر بالخطأ، فتم التفكير بتأجيره لسوق الأوراق المالية!ّ!! والشاخصة موجودة في مدخل الحي غير بعيد من نادي قاسيون والكازية!!. فأي تصرف غير عقلاني هذا؟ من يملك الصلاحية لاستخدام المركز الثقافي لغير الغرض المخصص له؟ أليس ذلك مخالفة صريحة للقانون؟ وقبل ذلك للأعراف العامة؟ كم خسر الحي بحرمانه من النشاط الثقافي أكثر من عقد من السنين؟

إن للثقافة منافع عديدة علمية وأدبية وفنية وتربوية وهي تشحذ العقول وتحفز المهارات وتنمي المواهب وتهذب الرغبات والغرائز...إلخ. هنالك أحد فروع علم الاقتصاد اسمه اقتصاد الثقافة. إنها ككل مشروع استثماري لها أكلاف ولها منافع ومردود اقتصادي بعيد المدى. يستطيع المركز الثقافي أن يتيح للشباب والأطفال خاصة وللناس عامة أن يمارسوا العديد من الهوايات المفيدة. علماً أن الفراغ مفسدة، والمركز يستطيع أن يساهم في الحراك الفني والثقافي بشكل فعال لسكان الحي. كما فبالإمكان تقديم عروض سينمائية أو مسرحية وغيرها للأطفال فيه بأوقات مبكرة وتعويدهم على ارتياد المكتبات واستعارة الكتب، فإذا لم يتعلموا منذ الآن المطالعة فمتى سيتعلمونها ويعتادونها؟؟ هل يقومون بذلك عندما يصبح الأمر عسيراً عليهم؟؟ المردود الاقتصادي للثقافة كبير على المدى البعيد. لذلك زودت الكثير من الأحياء والمدن والبلدات بمراكز ثقافية، وهي خطوة جيدة لو أنه جرى استثمارها بشكل صحيح.
سوق الأوراق المالية ثرية، وتستطيع أن تستأجر عقاراً ملائماً لأهدافها في أي بقعة من دمشق. ولا بد من بناء مصمم خصيصاً لهذا الغرض كي يفي بالحاجة، ولا يمكن لسوق الأوراق المالية أن تعمل بهذه السرعة، والطريق طويل يحتاج إلى سنوات لتوفر عدد كاف من الشركات المساهمة وتوفير التشريعات القانونية والاقتصادية التي يجب أن تتمتع بها الشركات حتى يسمح بتداول أسهمها وبتوفر بيوت الخبرة العديدة لتقييم الوضع الاقتصادي والمالي والملاءة في كل شركة تنوي طرح أسهمها...إلخ.
من ناحية المبدأ لا يجوز تأجير المراكز الثقافية بالمرة. المطلوب أن ترجع الجهات المعنية عن خطئها وأن تفتح بأقصى سرعة المركز الثقافي للحي الذي انتظره سكانه منذ أكثر من عقد من الزمن بفارغ الصبر لتحقيق المساواة مع باقي أحياء المدينة.

من جهة أخرى فإن هذا الحي محروم من الكثير من الخدمات إذ لا يوجد فيه مقسم للبريد والهاتف، ولا يوجد فيه فرع مصرفي، علماً أن السكان ظلوا يدفعون الأقساط المصرفية طيلة 15 عاماً على الأقل. كما أنه لا يوجد جمعية استهلاكية ولا مسرح ولا سينما...إلخ. وفوق ذلك بلي سكانه بمؤسسة الفيجة التي تقرأ عداداً جماعياً لكل بناية والتي عددها أكثر من 200 بناية وعلى الشاغلين تحصيل ثمن فواتير الماء في كل بناية. علماً أنه يوجد لكل مسكن عدادان واحد للماء البارد وآخر للماء الساخن. لكن مؤسسة الفيجة تتجاهلها. علماً أن هذا ضد المنطق والقانون وقد خرب ذلك السلم الاجتماعي في البنايات وما أكثر المشاكل، وقد اشتكى السكان مراراً، لكن مؤسسة الفيجة لا تأبه لأحد من السكان ولا يهمها راحة المواطنين، علماً أن من حق كل مواطن أن تطلب منه فاتورة لعداده الخاص وغير ذلك مخالف للقانون والمنطق. تأمّل أن تصدر مؤسسة الهاتف أو الكهرباء فاتورة واحدة لكل بناية؟ هل الحي مضطهد لأنه سكن تعاوني؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
280