مطبات: خائب جديد

على مرمى أيام قليلة تلوّح السنة بالرحيل، نقف أمام عتباتها، ماذا فعلنا بأكثر من 350 يوماً، ماذا تقدمنا، قدمنا، أنجزنا، فشلنا؟؟.

مرت السنة بنا، وكنا قد تمنينا سنة غير سابقتها، أقل خيبة، وخسارة، وفقدان، لكنها كانت سنة مفعمة بالأسى، من أنانا الصغيرة إلى واقعنا العريض المفتوح على محيطنا، خيبات ترث بعضها، رجاءات لا تتحقق، كبار يرحلون، وصغار يرثون المرحلة.
العامل الذي حلم بالتثبيت والخلاص من سيف رب العمل المسلط على لقمته ورقبته، لكنها السنة الخائبة بامتياز، زادت ربوبية رب العمل وانخفض رأس العامل حتى بلغ طين الأرض، الحكومة نامت على قانون العمل، اتحاد العمال مكاتب ومجالس لا تستطيع أن تحمي نفسها، صياح في واد سحيق بعيد، وزارة العمل آخر اهتماماتها من كان سبباً باسمها، التأمينات الاجتماعية لا تطال ملايين العاملين من القطاع الخاص المسجون خلف أبواب المعامل المقفلة، الأسوار التي لا يقدر مفتشو التأمينات على تجاوزها، مفتشو التأمينات الذين يبيعون العامل بوجبة طعام، ببعض القروش في نهاية كل شهر، بذات الطربوش.

عمال الشركات العامة الخاسرة لم يعد أمامهم سوى هذا الشهر لأن الوعد الحكومي برواتبهم سينتهي معه، عليهم أن يدبروا رأسهم، بالقطع، بالعطالة، أو بدفنه بالرمل كالنعامة.
الفلاح الذي تقطعت به سبل السماء والأرض، محصول القمح الرئيسي الذي كنا نصدر فائضه، وصرنا نستورده، ويتبرع لنا البعض بقليله.
الفلاح الذي لم يعد يجرؤ على زراعة خضراواته خشية من شح السماء ورفع دعم الدولة عنه وتبنيها لاستثمارات الاسمنت، الفلاح الذي يمني النفس بماء بردى الذي غادر إلى مكان بعيد غائر في الأرض، بدل مياه الصرف الصحي التي زادت من نسبة مرضى السرطان في بلادنا.
الموظف الذي عاش في أحلامه ونقل الحلم إلى امرأته حتى صار الحلم وعداً ببيت إيجار جديد، براد جديد، تلفزيون 21 بوصة مسطح، غسالة أوتوماتيك... تبخر الوعد بزيادة على الراتب، علاوة جديدة، منحة العيد، مكافأة، أي شيء..
الموظف الذي نتهمه، المسترخي، الهارب، المتهم، المرتشي لم يجد من بد لدخله المحدود، الدخل الذي طالما تصدر اجتماعات الحكومة ومقدمة أعمالها،وذروة أهدافها، الدخل المحدود الذي تباكينا عليه، تغنينا برفعه وتحسينه، موظفو الطبقة الوسطى التي كانت.
الفقراء وما دون حد الفقر.. الفقراء الذين لم تعترف وزيرة الشؤون الاجتماعية.. وزيرة العمل بوجودهم، ليس لدينا فقراء في سورية، هناك محدودو دخل، الفقراء الذين لا يعرفون عن وزارة العمل سوى إسهاماتها في البطالة، وعقد المؤتمرات، والجلوس على الكرسي باسمهم، وتبوء الوزارة بأصواتهم.
الفقراء الذين يجلسون على الأرصفة، خلف البسطات، أمام كراجات السيارات، السومرية الذي تحدثوا عنه كمنقذ لدمشق من تلوثها، وإغلاق البرامكة كبؤرة لتجمع المازوت المحروق، ثم  تعقد الحكومة اجتماعاً لتقرر الموافقة على مشروع استثماري سياحي في البرامكة، أما الفقراء فيدورون حولها، باعة الدخان، خضار الحقل، باعة اللبن والحليب والبصل الأخضر والفجل.

الحكومة التي طالما وعدت الشعب بعدم التخلي عن طموحاته، انجازاته، مكتسباته، رفعت الدعم عن الوقود، وبقيت تتغنى بالمواطن، الفريق الاقتصادي يبشر الشعب بمستقبل زاهر بتوقيع الشراكة مع أوروبا، التجار الذين تركتهم الحكومة ليلتهموا ما تبقى من عظامنا الرخوة، التجار الذين يلبسون ثوب الحمل الوطني، ويبيعوننا ما يشتهون من فساد وبضائع تسعر على هواهم وجشعهم.
السنة التي مرت.. مرت قاسية وصعبة، أعياد تأكلنا، أفراح ليست لبسطائنا، أحلام ليست على قياسنا، ووعود لم تتجاوز المنابر.
أيها السوري الجميل بصبره وصلابته وعنجهيته في أشد لحظات بؤسه، عام خائب 2008 كما سابقيه، عام من الخيبات المتلاحقة سوى مطر خفيف هذا الصباح صالح للذكريات وإطلاق دعوات الرحمة على الذين تركونا دون شعر(محمود درويش)، وبعض الأمل بسنة جديدة فيها ماء غير ملوث يصيب أبناءنا بأكبادهم، بينما تصرح مديرية صحة ريف دمشق أن عدد الإصابات التي ضربت (قطنا) لا يتجاوز اليد الواحدة من الأصابع، بينما في الواقع هناك أكثر من ألف إصابة.
 
أيها السوري الجميل... كل عام خائب وأنت على قيد الرجاء.
 

معلومات إضافية

العدد رقم:
385