يوسف البني يوسف البني

الأمراض الاجتماعية المنتجة مجدداً آفات تهدد أمن المجتمع واستقراره ووحدته الوطنية

إن الوضع الاجتماعي ـ الاقتصادي لمجموع المواطنين في سورية حالياً، يشابه إلى حد كبير أيام الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي، حيث ضربت موجات المحل والقحط والجدب كل نواحي الحياة، ووصل السواد الأعظم من المواطنين إلى الدرك الأسفل من درجات الفقر والعوز، فأدى ذلك إلى الهجرة من الريف إلى المدن الكبرى بحثاً عن العمل ولقمة العيش. إلا أن الأوضاع الاقتصادية المتردية الآن ليست بفعل الطبيعة، بل بفعل فاعل، هو السياسات الحكومية الليبرالية الهدامة التي سعت بكل قوتها إلى إفقار وتجويع عموم المواطنين، بل إلى تشريدهم أحياناً من عملهم ومسكنهم.

فقد تزامنت شعارات الإصلاح والتحديث، مع وضوح الكوارث التي سببها النهب المنظم الذي مارسته قوى الفساد والنفوذ بحق الاقتصاد الوطني، ومع تراجع دور الدولة الرعائي، وحتى التدخلي، وتخليها عن انجازات ومكتسبات القطاع العام لصالح حفنة قليلة من الناهبين والاستغلاليين، تعثر القطاع العام الصناعي وإنتاجيته، وانخفض كثيراً، بل انعدم، تخصيص موارد لتأمين مستلزمات الإنتاج، وتجمد مستوى الأجور، ما أدى إلى زيادة نسبة البطالة، والمزيد من تدني مستويات المعيشة. إضافة إلى أن القطاع الزراعي أصبح يواجه عقبات حقيقية، من حيث ارتفاع أسعار وقود الري والسماد والبذار، وقلة العائدات التي تضمن إعادة إنتاج موسم قادم، أيضاً بسبب انخفاض أسعار المحاصيل التي قررتها الحكومة، ولا تتناسب مع تكاليف الإنتاج المتزايدة باستمرار.

كل هذه الممارسات أوصلت أكثر من 30% من المواطنين السوريين أي نحو ما يقارب 5.5 مليون إنسان يتوضعون في المناطق المختلفة في سورية، إلى مادون خط الفقر، هذا الشبح الأسود الرهيب الذي يعيشون في ظله ويمتلكون ثقافته وينتجون سلوكيته، ويبتعدون بسببه عن المشاركة والحراك الاجتماعي، وهذا الرقم مؤهل ومرشح للزيادة بسبب التراجع العام الذي يشهده الاقتصاد منذ سنوات، لغياب برنامج متماسك للإصلاح الاقتصادي والمعيشي، واستمرار تفشي ظاهرة اقتصاد الفساد، وسيطرته على مجمل مفاصل الاقتصاد الحيوية، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لاتساع دائرة الأمراض الاجتماعية الخطيرة، التي تفتك بالمجتمع وتماسكه ووحدته الوطنية، وتكوين شريحة اجتماعية واسعة من المهمشين، في ظل تحول سورية إلى دولة ريعية لا تسيطر على عملية الإنتاج الاجتماعي، ولا تملك مشروع تطوير لبينتها الاقتصادية والاجتماعية، بل تعتاش على رفع الأسعار وفرض الضرائب والاقتراض الخارجي، وتأجير أو خصخصة القطاع العام. ونتج عن هذه السياسات الأمراض الاجتماعية الخطيرة الكثيرة ومنها:
 

المخدرات التعاطي، الإدمان، الاتجار
المخدرات تؤثر على النشاط الذهني والحالة النفسية لمتعاطيها، بتنشيط الجهاز العصبي المركزي أو إبطاء نشاطه، وتسبب الهلوسات والتخيلات، وينجم عن تعاطيها الكثير من مشاكل الصحية العامة والمشاكل الاجتماعية.
تكثر ظاهرة تعاطي المخدرات في المجمعات الشبابية الناشئة، وذلك بسبب البحث عن منفذ للخروج من هموم الحياة اليومية ونسيانها، أو البحث عن لحظات السعادة والنشوة التي يفتقدها الشباب في أجوائهم الأسرية، ويظنون أنها موجودة في عالم الغيب، ويشير خبراء الأمراض النفسية أن الأسباب البعيدة لهذه الظاهرة هي التفكك الأُسري والجهل والإحباطات والاضطرابات المادية، والبطالة، وتتراوح أعمار المدمنين بين 15 ـ 40 عاماً. وكانت الإحصاءات الرسمية قد أشارت إلى عدد المدمنين في سورية البالغ 2799 مدمناً، ولكن هذا الرقم قليل جداً عن العدد الحقيقي، فالحقن المخدرة تنتشر أكثر فأكثر بين صفوف الشباب، ويزداد توزيعها يوماً بعد يوم في مختلف المناطق، وخصوصاً في الجامعات.
إن مشكلة انتشار المخدرات وتعاطيها من أخطر مشكلات الحياة الاجتماعية فهي تؤدي إلى تدمير المجتمعات، والزيادة السريعة في معدلات الجريمة والعنف والفساد، فضلاً عن هدر الكثير من الموارد البشرية والمالية التي يمكن أن تتوظف في تحسين الأوضاع المعيشية، وتكمن خطورة تعاطي المخدرات كون الغالبية من المدمنين على المواد المخدرة هم من فئة الشباب، وهي فترة ذروة الإنتاج، وقمة تكوين الآمال وأحلام المستقبل، التي تصطدم غالباً بالواقع السيئ والظروف المعيشية المحبطة، فتشكل مشكلات نفسية وصحية وأُسرية واقتصادية، تؤثر على بناء المجتمع إنسانياً وأخلاقياً، وتهدد أمنه النفسي واستقراره الاجتماعي والاقتصادي.
إن تعاطي المخدرات يؤدي إلى أمراض خطيرة منها تعايش الجسم مع العقار وهذا ما يسمى التحمل ويؤدي إلى الرغبة الجامحة في زيادة جرعة المادة المتعاطاة، كما يسبب حالات التسمم العابرة أو المزمنة، والأخطر من ذلك كله أنه يؤدي إلى عرقلة التطور العقلي أو الجسمي عند الفرد. أما الأضرار العامة فهي كثيرة أيضاً إذ يحدث ضعف كبير في الإنتاج في سوق العمل، حين يتم صرف بعض عناصر الإنتاج المتاحة، إلى العمل بطرق غير مشروعة في ميدان المخدرات، ما يسبب هدراً واضحاً للموارد، باعتبار أن معظم أعمار متعاطي المخدرات تتراوح بين 15 ـ 40 سنة، وغالبيتهم تندرج تحت السن القانوني للعمل، مما يؤدي إلى نقص كبير في الإنتاجية يؤدي بدوره إلى خسائر كبيرة في الناتج الإجمالي. ويتم إنفاق معظم دخل الأسرة والفرد على المخدرات، رغم ما تسببه من أمراض وخلل بيئي واجتماعي، ويحرم الأسرة من تلبية حاجاتها الأساسية والضرورية، ويعيش الفرد حالة من القلق والاكتئاب ورفض الآخرين، يودي بالمدمن في النهاية إلى التغيب المتكرر عن العمل وطلب الإجازات المرضية، فينعكس ذلك على أدائه وإنتاجيته، وارتفاع معدلات الانتحار أو الجريمة. وحسب المصادر المختصة فقد ارتفع مؤشر الجريمة الناتجة عن تعاطي المخدرات في السنوات الأخيرة بشكل كبير، كما ارتفعت مؤشرات القتل العمد والسرقة بالإكراه، التي زادت بنسبة 400% منذ عام 2000 وحتى 2007، إلى جانب ارتفاع مؤشر سرقة السيارات، الذي زادت بنسبة 200% في الفترة نفسها.
إن مشكلة الاتجار بالمخدرات بإنتاجها وتعاطيها وإساءة استخدامها، من أهم الأخطار التي تواجه المجتمعات، ولا يمكن مواجهتها بالعمل الفردي، لذلك يجب أن يكون هناك برامج نوعية، وحماية اجتماعية تثقيفية، وقبل كل ذلك يجب رفع مستوى معيشة المواطنين بشكل عام، ضماناً لشعورهم بالأمان والاستقرار.

الدعارة أمراضها الاجتماعية والصحية
في البداية لابد من هذه الإحصائية السريعة:
ـ 33% من الإناث بين سن 15 ـ 17 سنة، يعملن في خدمة المنازل، وهذا يعرضهن للتحرش الجنسي أو الدعارة.
ـ في دمشق أكثر من 40 ألف دار دعارة، بعضها سري ومعظمها علني معروف للعامة.
ـ ترخص نقابة الفنانين لكل اللواتي في الملاهي على أنهن فنانات، وتقبض عن كل واحدة 700 ل.س شهرياً.
ـ يوجد في دمشق وحدها حوالي 200 ملهى ومرقص، وكل منها يحوي على الأقل 20 راقصة، أي ما مجموعة 4000 راقصة تقريباً.
ـ العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج تشكل 60% من طرق انتقال عدوى الإيدز في سورية، التي تعتبر الخامسة عالمياً في نسبة جرائم الشرف، ووصل العدد الإجمالي لإصابات الإيدز حتى منتصف 2008 إلى 2341.
ـ أكثر من 4500 شقة متوزعة في دمشق وريفها، يتم استئجارها تحت البند السياحي، لسياح محليين وعرب.
ـ في ظل هذه الأرقام احتلت سورية المرتبة الرابعة عربياً في انتشار الفساد حيث يوجد 5.3 مليون مواطن تحت خط الفقر، بالإضافة إلى 2 مليون لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الحيوية.

أسباب المرض
إن الفساد الكبير المنظم، والإفساد والتهرب من العقاب، جعل القيم العامة ومنظومة الأخلاق تهوي إلى الحضيض، وغياب الأرقام الحقيقية وإعطاء الأرقام المغلوطة والوهمية، تؤدي إلى طمس أية ظاهرة، أو إعطائها حلولاً جزئية، كما أن الفقر المدقع الذي يعانيه قسم كبير من المواطنين، وانتشار السكن العشوائي، والكبت الجنسي، وغياب التربية الجنسية في المدارس والمجتمع، ووجود جماعات خارجة عن القانون تمارس ما يحلو لها من تجارة ودعارة، كل ذلك له دور كبير في انتشار هذه الظاهرة. وكذلك الزواج المبكر والزواج العرفي، والتسرب من التعليم، والإهمال الأُسري. كما تبين أن 87% من الداعرات مارسن البغاء بعد وفاة الأب، و44% من أباء البغايا متزوجون من زوجة أخرى، وأن الجريمة الأكثر تكراراً في انحراف الفتيات هي البغاء، ويبدأن بالسلوك الانحرافي بين سن 18 ـ 22 سنة، والذين يقومون بتشكيل دعارة منظمة هم ذكور، وتواجه النساء اللائي يَعُلن أُسراً التحدي الأكبر.
لا تعرف السلطات السورية والوكالات الدولية الأعداد الدقيقة لهؤلاء النساء، لكن كثيراً منهن يقُلْن إن لا خيار لديهن سوى العمل في «معربا»، وهي منطقة في ريف دمشق، حيث تنتشر الملاهي الليلية بأضواء النيون الساطعة والديكورات المبهرجة، ويأتي الزبائن من نواحي شتى، بسيارات تحمل لوحات سورية وعراقية وسعودية، لمشاهدة الراقصات، ومعظمهن صغيرات السن، وأغلبهن من اللاجئات العراقيات، ويرقصن مقابل النقود التي تنثر على خشبة المسرح، والحراس الذين يحيطون بهن ليحولوا دون لمسهن من الزبائن، يرتبون لهن الاتفاقات، ليمارسن الجنس مع الزبائن.
وقد سمحت الحكومة بفتح الملاهي والمقاصف، وتسمح ببعض العروض الخاصة، والدعارة أصبحت مرخصة شفوياً وليس كتابياً. وليس هناك أية صعوبة في تأمين التراخيص اللازمة من وزارة السياحة ونقابة الفنانين وغيرها. طبعاً هذا لا يعني أن كل المقاصف سيئة بالضرورة، ولكن أكثرها يخدم هذه الظاهرة.

تورط بعض الأجهزة والمسؤولين
الفتاة ناريمان حجازي باتت قضيتها معروفة للجميع، حيث اختُطِفت وأُرغِمت على ممارسة الدعارة، وظهرت على التلفزيون السوري، وتناقلت أغلب وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية أخبارها، وأكدت أمام القضاء في القصر العدلي بدمشق، تورط أشخاص من مستويات مسؤولة مختلفة، وقدَّمت للقضاء قائمة منهم تضم أكثر من ثلاثين متورطاً في شبكات الدعارة وخطف أطفال. وكذلك أظهرت بعض القضايا والتحقيقات الرسمية في سجلات أحد المخافر، رعاية بعض المسؤولين لعمل شبكات دعارة، إضافة إلى بعض الجهات الأخرى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد ذكرت إحدى البغايا، التي تعمل في شبكات الدعارة، أن وضعها قد ساء بعد قدوم أو استقدام العراقيات اللواتي يدخلن كلاجئات أو سائحات أو للعمل عند بعض الأشخاص، وتقول إنها تملك شقة مفروشة، وإنها تعمل بالتوافق والترتيب مع بعض المسؤولين، الذين يقاسمونها الدخل، وهي الآن تُشغِّل بناتها بأجور تتراوح بيم 500 و1000 ل.س للساعة الواحدة، وحين القبض عليهن، أو حتى قبل ذلك، يتم الإفراج عنهن بكفالة يدفعها غالباً هؤلاء الذين يجبرونهن أو يرتبون لهن الدعارة.
وذكر تقرير لإحدى منظمات الأمم المتحدة العاملة في دمشق، إلى حلقة خطيرة بدأت تظهر بوضوح في التجمعات التي كوَّنها العراقيون في سورية، على أنها أكثرها دعارة، وأن هناك شبكات منظمة تشمل أشخاصاً من جهات عدة يقدمون الدعم اللازم لهذا النشاط، مع أن سورية قد وقعت على بروتوكول تعديل اتفاقية قمع الاتجار بالنساء والأطفال المبرمة في جنيف، كما انضمت لاتفاقية قمع الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير، كما حدد القانون السوري عقوبات لاستغلال الطفل جنسياً، ولاستغلال الآخرين وتسهيل الدعارة، ويلاحظ عدم تطبيق الكثير من بنود القانون السوري أو الاتفاقيات الدولية المصدقة من سورية، وهذا يدعم الاستغلال الجنسي للأطفال والسياحة الجنسية واستغلال العراقيات والسوريات والروسيات وغيرهن، من خلال شبكات منظمة وبغاء قانوني أحياناً.

عمالة الأطفال (الطفولة المعذبة في عالم متخم)
تتحمل الدولة المسؤولية الأولى بمشكلة عمالة الأطفال، وبالدرجة الثانية الأهل والمجتمع. وتشير الإحصائيات إلى أن هناك حوالي 600 ألف طفل يقومون بأعمال قاسية، وضمن شروط غير صحية وغير إنسانية، ولمدة ساعات طويلة وبأجور منخفضة، هذه المشكلة نشأت نتيجة تسرب الأطفال من التعليم، بسبب الوضع المعيشي السيئ للأسرة، ما خلف شريحة واسعة من أكثر الشرائح المعرضة للاستغلال والعنف والضياع، رغم أن قوانين العمل تمنع تشغيل الأطفال دون سن 12 بشكل عام، ومنعت تشغيلهم في بعض الصناعات التي حددتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قبل سن 15 عاماً، وفي بعض الصناعات الأخطر قبل سن 17 عاماً، ومنعت الوزارة تشغيل الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً بين الساعة السابعة مساءً والساعة السادسة صباحاً، ومنعت تشغيلهم أكثر من 6 ساعات. ووفقاً لمنظمة الفاو فإن الأطفال العاملين في مجال الزراعة يمثلون 70% من إجمالي عمالة الأطفال. ولكن جميع هذه الممنوعات يتم خرقها، بسبب الضغوط المعيشية والفقر، ويجبَر الأطفال على العمل إما ليتمكنوا من إعالة أنفسهم أو إعالة أُسرهم، وغالباً تعاني أُسر هؤلاء الأطفال من نقص في التعليم، وفقر في الخدمات الصحية التي يحصلون عليها، وانحسار فرص العمل البديلة. ويعمل الكثير من هؤلاء في أعمال يمكن أن تضر بصحتهم أو تؤدي إلى حوادث خطيرة، قد يكون من بينها فقد أطراف.

الجريمة
بسبب الجهل والتخلف اللذين سببهما الفقر المدقع لأكثر من ثلث المواطنين في سورية، وبسبب الحاجة لتأمين المتطلبات التي لم توفرها البرامج الاقتصادية والإنمائية الرسمية، فقد انتشرت وتوسعت ظاهرة الجريمة بمختلف صورها وأشكالها المتجددة، هذه المعضلة الدائمة التي تقلق المجتمعات وأمنها وطمأنينتها، وتأخذ من مالها وجهدها، وتعكر صفوها وتعيق نموها وازدهارها، لأنها أصبحت مهنة تستقطب مختلف الكفاءات والخبرات، إذ أن عائداتها الاقتصادية المغرية باتت تنافس عائدات غيرها من المهن الشريفة، وتتميز بسهولة الحصول عليها دون جهد أو تعب، فبعد أن كانت الجريمة تتسم بالخطورة والندم وتأنيب الضمير، أصبحت اليوم تقدم عائدات مجزية للعاملين بها من الأشرار والمارقين على الأنظمة والقوانين، الذين يشاركون أحياناً متنفذين قادرين على حمايتهم من السقوط في الاعتقال أو التعرض للعقوبات والمساءلات القانونية.
إن ظاهرة الإجرام أصبحت ذات امتداد عالمي، وأن هناك علاقة (سبب ـ وأثر) بين العولمة وهذه الظاهرة، أو أن هذا الوضع يرتبط بوجود أزمة قانونية تتعلق بمصداقية القانون وفعاليته عندنا. وما يدعو لمزيد من القلق أن الأشكال الجديدة للجريمة تتميز بكونها ذات طبيعة منظمة، وأنها تُمارَس وتلقى الدعم من أطراف خفية في السلطة، تحتل مواقع النفوذ والتحكم.
ولم يكن تطور الجريمة، وتمكن تأثيرها في المجتمعات المعاصرة، والعجز عن التصدي لها، ليكون على هذا النحو الذي هو عليه الآن، لولا الخلل في أدوات حماية المجتمع من الجريمة، وفي مقدمتها القانون الجنائي الذي بات يعاني من التضخم التشريعي وترهل الأجهزة القضائية، وشيوع الحلول الظرفية ذات المنحى الديماغوجي، واختزال مفهوم الأمن في مطلب الحفاظ على النظام العام، اعتماداً على مقاربات أمنية وجنائية طبقية قاصرة، ما أدى إلى استنزاف طاقات الجهاز القضائي في ملاحقة الجريمة الصغيرة والهامشية، وصرفه عن الاهتمام بتعقب الإجرام الأكثر خطورة  والذي يتصرف من مواقع السلطة والسطوة والنفوذ.

العلاج
إن هذه الأمراض الخطيرة تفتك بالمجتمع وتقوض دعائمه، وتهدر قدراته وطاقاته، وتمزق وحدته الداخلية، التي نحن بأشد الحاجة لتمتينها وتدعيمها في الظروف الراهنة، وفي ظل التهديدات التي تحيط بوطننا سورية، من الداخل والخارج، لذلك يجب العمل سريعاً على علاجها والتخلص منها، وهذا لا يتم إلا بتأمين الحياة الحرة الكريمة لعموم المواطنين، وإيجاد برامج تنموية جادة وغير وهمية، ترفع المستوى المعيشي وتحقق الاستقرار والأمن الغذائي والاجتماعي، وتخلص المجتمع من كل مظاهر الجريمة والفساد والظلم والاجتماعي، وفي هذا ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
385