التقرير العام لمجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين المقدم للاجتماع الوطني الثامن

وقدّم الرفيق د. قدري جميل التقرير العام لمجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين:

1- الأزمة الرأسمالية
إن اللحظة التي توقعناها وطالما انتظرناها، قد حلت أخيراً. تعلمون جميعاً أن نقطة الانطلاق في منهج تحليلنا وممارستنا منذ 2003، لحظة انطلاق اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، بنيت على أساس أن طريق الرأسمالية مسدود بشكل نهائي، وأن مرحلة التراجع التي عاشتها الحركة الثورية العالمية في النصف الثاني من القرن العشرين قد انتهت موضوعياً. وحينما توقعنا ذلك على أساس احتمال انفجار أزمة الرأسمالية التي كانت تدفعها مسبقاً إلى الحرب وإلى توسيع رقعة الحرب، لم يوافقنا الكثيرون في رأينا، على أساس أنه ضرب من التفاؤل الذي لا يستند إلى معطيات موضوعية كافية.
والآن، بعد أن أصبحت الأزمة حقيقة واقعة، من المهم أن نتبين آفاقها وآجالها ونتائجها، لأن ذلك يحمل أهمية كبيرة على كل التطور العالمي والإقليمي وتطور بلادنا ذاتها.
عندما قلنا قبل ست سنوات إن أزمة عميقة قادمة، قالوا عنا إننا طوباويون، بل مجانين! واليوم أصبح المجنون من ينكر الأزمة وتداعياتها.
عندما قلنا قبل ست سنوات إن المخرج الوحيد للرأسمالية هو الحرب وتوسيع رقعتها قالوا عنا إننا متشائمون، بل مهوّلون.
عندما قلنا قبل خمس سنوات، وبعد احتلال بغداد، إن الامبريالية الأمريكية محكومة بالفشل، قالوا عنا إننا مبالغون، بل مهوّنون...
واليوم نقول إن النظام الرأسمالي العالمي محكوم بالانهيار خلال المدى التاريخي المنظور، وليقولوا عنا ما يشاؤون...
قلنا سابقاً من على هذا المنبر، إن استمرارية اللجنة الوطنية وصعودها المطّرد هو اكتشافها باكراً أزمة الرأسمالية القادمة، وبناء على ذلك توقعها الصعود العام للحركة الثورية العالمية التي نحن جزء لا يتجزأ منه. واليوم نتساءل: ما هو سر اكتشاف هذا السر؟ إنه ببساطة الالتزام بالماركسية ـ اللينينية كمنهج في التفكير والممارسة بعيداً عن حرفية النص، وأبعد من بعيد عن النفس العدمي التصفوي تجاه الماركسية... إن الماركسية ـ اللينينية تثبت اليوم من جديد تفوقها المعرفي والنظري والسياسي والعملي على كل المدارس الأخرى..
إذاً، ما هي الاستنتاجات الرئيسية والأسئلة الكبرى التي تضعها أمامنا الأزمة الحالية:
1 - إن اندلاع هذه الأزمة قد حسم الصراع النظري الذي استمر لأكثر من مائتي عام بين المدرسة الكلاسيكية للاقتصاد السياسي التي كان ماركس قمتها، وبين المدرسة النقدية الميركانتيلية الربوية، فالأخيرة انطلقت من فكرة أن الثروة تصنع الثروة وأن المال يصنع المال، محاولة أن تخفي المصدر الحقيقي للثروة المتجددة. وهي مع كل تفريعاتها المعاصرة وصولاً إلى الكينزية، كانت تعكس مصالح البرجوازية وأصحاب الثروة، بينما كان أهم اكتشاف قامت به المدرسة الكلاسيكية هو أن مصدر الثروة وتجددها هو العمل، الذي سمح بإنتاج نظرية القيمة التي طورها ماركس وصولاً إلى القيمة الزائدة...
قد يظن البعض أن هذا الكلام نظري بحت ولا مكان له هنا.. لا قطعاً، إن الأزمة الحالية تمتد بجذرها الحقيقي إلى المدرسة النقدية الميركانتيلية، التي لم تخرج التعامل حتى مع الأزمة الحالية عن الإطار النقدي، وأهمها ضخ النقود في المصارف وشركات التأمين والأسواق المالية بشكل لا سابق له.
لقد بلغ الدين العام الأمريكي منذ عام 1944 حتى آذار 2008: 8.4 تريليون دولار، في أيلول أصبح 10 تريليون، في آذار 2009 أصبح 13 تريليون.... أي أن الرأسمالية ضخت في الأسواق خلال ستة أشهر من أيلول 2008 إلى آذار 2009: 3 تريليون، أي 30% مما كانت قد ضخته خلال 65 عاماً، فتصوروا بأي تسارع تتفاقم الأزمة.
لماذا نقول إن الصراع النظري الذي امتد إلى مائتي عام قد حسم اليوم؟ لأن أنصار هذه المدرسة ومنظريها وإعلامييها يقولون بالفم الملآن: إن علم الاقتصاد السياسي قد فشل، أو يقولون إنه لا وجود لعلم اقتصاد ـ سياسي. نعم صحيح، لقد أُثبت أن ما كان يدعونه علماً قد هوى وانهار تحت ضربات هذه الأزمة. ونحن نقول إذا كان ما يدعونه علماً قد انهار باعترافهم، فإن علمنا، أي الاقتصاد ـ السياسي الماركسي ـ اللينيني يتطور ويتعافى، ويثبت أفضليته وتفوقه المطلق، لدرجة أنه يمكننا القول دون مبالغة إنه العلم الوحيد في هذا المجال.
والأهم أن تداعيات هذه النتيجة لن تبقى في إطار الاقتصاد السياسي، بل ستمتد الموجة إلى كل المجالات الفكرية والسياسية والعلمية، وهو ما سنراه لاحقاً، ويجب أن نكون متهيئين للتعامل معه، مما سيحمّلنا كشيوعيين مسؤوليات إضافية.
2 - لماذا نقول إن هذه الأزمة يمكن أن تكون نهائية؟ إذا كان البنتاغون يتوقع أن تؤدي هذه الأزمة إلى صدمات داخلية استراتيجية يمكن أن تؤدي إلى تفكك الولايات المتحدة، فلماذا يجب أن نكون أقل تشاؤماً منه؟
نعم، إن هذه الأزمة مع أنها تكرر ملامح كثيرة من الأزمات السابقة، إلا أنها غير مسبوقة للأسباب التالية:
أ - انتهى توسع وانتشار الرأسمالية على طول وعرض الكرة الأرضية ولم تبق نقطة لم تصل إليها، كما كان الأمر في أزمات القرن العشرين، وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه وتحوله إلى اقتصاد السوق الوحشي وبعد انتقال الصين إلى اقتصاد السوق وترسملها...
وإذا كان حل الأزمات السابقة يجري عبر توسع الرأسمالية استعمارياً في بادئ الأمر، ومن ثم عبر السيطرة على الأسواق، وكانت الحروب مجرد أداة لإعادة اقتسام مناطق النفوذ بين المراكز الكبرى، فإن هذا الحل أصبح غير ممكن بسبب الإشباع الذي وصلت إليه الكرة الأرضية رأسمالياً..
ب - إذاً، إذا كانت الحرب سابقاً بين المراكز الكبرى هي فقط طريقة لإعادة تقاسم مناطق النفوذ، فإنها اليوم إضافة لذلك، تحولت إلى أداة ضرورية لحل التناقض المستعصي الذي ينتصب أمامها بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، فمصلحتها التي تضطرها للحفاظ على نمط توزيع الثروة غير العادل الحالي، تدفعها باتجاه أكبر تدمير ممكن للقوى المنتجة ولمكونها الأساسي البشر وخاصة في أماكن تواجدهم الكثيفة خارج بلدان المراكز الرأسمالية.. وهي ترى في ذلك الحل الوحيد لأزمتها..
إذاً هل الحرب وتوسعها أمر محتوم؟ إذا لجأنا إلى التاريخ نرى أنه لم تجر إلى الآن سابقة أزمة دون حرب، فالحرب الأولى والثانية كانت نتيجة أزمات دورية لفائض الإنتاج.. واطلعنا أخيراً على خطاب لستالين في عام 1930 نشرته الصحافة الروسية الحالية ضمن مقال عنوانه ما أشبه اليوم بالبارحة... يقول فيه: «قبل عامين ونصف في ظل الازدهار الذي كانت تدعيه الرأسمالية عندما تنبأنا بالأزمة قالوا عنا: مجانين! واليوم نقول: إن الحرب قادمة ويجب الاستعداد لها»، وهو ما جرى باكراً، وهل كان يمكن للاتحاد السوفييتي أن يربح معركته في الحرب الوطنية العظمى دون هذا التنبؤ المبكر الذي سمح له بالاستعداد لرد العدوان والانتصار اللاحق. نعود إلى السؤال نفسه: هل الحرب قدر لا راد له؟ وجواباً عليه إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أزمة فائض الإنتاج أصبحت مستمرة، يمكن أن نقول الآن إن الميل نحو الحرب عند الإمبريالية هو أمر محتوم، فهل يمكن ردع هذا الميل وإفشال مخططاتها استراتيجياً؟ إذا لم تكن لدينا القدرة على تغيير ميلها نحو الحرب، ولكن القدرة موجودة للردع والرد والإفشال....ومثال العراق أكبر دليل على ذلك، إذ أنهم كانوا يريدون إنهاء الوضع في العراق والانطلاق نحو إيران قبل 2008، الموعد المتوقع لديهم لانفجار الأزمة الاقتصادية، والذي حدث أن حساب الحقل لم يركب مع حساب البيدر، فاندلعت الأزمة قبل انتهاء تنفيذ المهمة العسكرية استراتيجياً، فتعقدت أمورهم أكثر، مما دفعهم لإحداث تغييرات جدية في الأدوات المستخدمة لتنفيذ المهمة الاستراتيجية والتي مازالت قائمة، ألا وهي إنقاذ الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الأمريكية.
والحال هكذا يجب الرصد الدائم لنوايا الامبريالية الأمريكية واستكشافها باكراً، لأن في ذلك ضمانة لإفشالها.. والضمانة التي لا تقل أهمية هي أن كل ما كانوا يريدون تحقيقه منذ عام 2001 وحتى الآن قد تحقق عكسه والحمد لله، مما يدل على خلل جوهري في الحسابات الاستراتيجية لديهم..

ج - سؤال كبير تطرحه الأزمة: ما هو المخرج؟ ما هو البديل؟:
بعيداً عن الوصفات الجاهزة والأفكار المسبقة، واستناداً إلى معرفة الواقع نفسه، يجب أن نلاحظ التالي: إن الانعطافات الكبرى في سير البشرية كانت عادة غير متوقعة بالنسبة للوعي الاجتماعي العادي.. مثلاً لو وضعنا أنفسنا افتراضياً في عام 1900، كم عدد الذين كانوا سيتوقعون لوحة العالم في عام 1920؟ وكذلك لو وضعنا أنفسنا في عام 1920 من كان سيتوقع ماذا سيجري عام 1945؟ وإذا وضعنا أنفسنا في عام 1945،ـ من كان سيتوقع ماذا سيجري عام 1991؟ وهكذا لو استمرينا بالافتراض نحن الذين عشنا في عام 1991، كم عدد الذين توقعوا 2009 أي ما يجري الآن؟ لذلك فلننظر بهذا المنطق نفسه إلى نهاية عقد من اليوم، ماذا سيجري، وما الذي يجب أن يجري؟ فلننظر من علو 2009 إلى عام 2015 ولنتوقع غير المتوقع، لأن الذي يجري في التاريخ عادة هو غير المتوقع بالنسبة للوعي الاعتيادي، ولكن ليس بالنسبة للوعي الطليعي... إن الوعي الطليعي قادر على استشفاف المستقبل بملامحه الرئيسية على الأقل.. قلائل في التاريخ استطاعوا ذلك وعلى رأسهم ماركس، أنجلس، ولينين.... إن ما يجري اليوم تنبأ به ماركس باتجاهاته العريضة، وثورة أكتوبر تنبأ بها لينين قبل عقد من حدوثها لذلك استعد لها..
والقول هكذا، يمكننا أن نطمئن جميع الذين خابت ثقتهم بأفكارهم وبأنفسهم، نتيجة الانهيارات التي حصلت في أواخر القرن الماضي، والذين انتقل قسم منهم إلى متراس العدو، وبقي قسم آخر يمني نفسه بالتفاؤل التاريخي قاعداً منتظراً القضاء والقدر، معتبراً الاشتراكية فكرة سابقة لأوانها بأحسن الأحوال... الآن نحن الذين ما بدلنا تبديلاً نقول لكل هؤلاء: اطمئنوا، مازال الخط العام لسير البشرية هو نحو الاشتراكية عبر القضاء على الرأسمالية، ومازالت سمة عصرنا الذي دشنته ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى هي الانتقال إلى الاشتراكية.
إن الاشتراكية تدق الباب الآن بقوة لأنها المخرج الوحيد للآلام والمآسي والمشاكل التي سببتها الرأسمالية، نعلم إنه تفاؤل تاريخي، ولكنه مبني على الوقائع وعلى الواقع. إن الاشتراكية اليوم هي على جدول أعمال البشرية جميعاً. إن قول وفعل ذلك هو ما يميزنا كشيوعيين ثوريين...
نعم، ليست مهمتنا لا تجميل الرأسمالية ولا تخفيف أضرارها، بقدر ما هي القضاء عليها عبر الفعل الواعي المستند إلى التوازنات الحقيقية الموجودة في المجتمع باتجاه تغييرها كي تصب محصلتها في الاتجاه الذي نريد.
إن الرأسمالية أصبحت غير قادرة على حل أية مشكلة تواجه البشر والكرة الأرضية، وإذا كان الخيار سابقاً هو بين البربرية والاشتراكية، فإن استفحال البربرية يدفعنا للاستنتاج أن الخيار اليوم أصبح أصعب، ولكنه واقعي، وهو بين تدمير الحضارة البشرية وبين الاشتراكية. الرأسمالية تعني تدمير البشرية، والاشتراكية تعني الحفاظ على البشرية وتطورها اللاحق.. هذا هو الخيار ولا يوجد غيره.

أيتها الرفيقات والرفاق، أيها الضيوف الأعزاء:
لقد استفضنا قليلاً في بحث طبيعة الأزمة العالمية الحالية وتداعياتها العالمية، لأن الانطلاق الصحيح من هذه النقطة يسمح لنا بفهم أفضل للوضع الإقليمي والداخلي وفي تحديد مهماتنا العامة أمام وطننا وشعبنا، وخاصة في مجال وحدة الشيوعيين السوريين.
 
2 ـ الوضع الإقليمي:

فشلت إدارة بوش في تنفيذ المخططات العسكرية الاستراتيجية في المنطقة ضمن الآجال المطلوبة منها، والآجال جزء أساسي مكوّن للاستراتيجية، وهي لو نجحت لما رأينا اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية بالشكل الذي نراه اليوم، لأن النجاح في السيطرة على الحوض النفطي الذي يضم 70% من احتياطات النفط العالمية وامتلاكه بطريقة الاستعمار القديم، كان سيضمن وضع الدولار عالمياً عبر تأمين تسعير النفط بالدولار إلى أجل غير مسمى. ولكن هذا لم يحصل بفضل المقاومات المجيدة التي حصلت والتي لم يحسب حسابها بالشكل الصحيح...
والأمر كذلك، اضطرت الجهات الحاكمة الأمريكية لإحداث تغيير جدي في المخططات لضمان تنفيذ الأهداف الاستراتيجية نفسها. وكان مجيء أوباما إيذاناً بذلك، ونحن من جهتنا لن نصاب بأية خيبة أمل منه، لا سابقاً، ولا الآن، ولا لاحقاً، لأننا لم نبن عليه أصلاً أية بارقة أمل، ونعتقد أنه لن يخيب ظننا...
فما الجديد في استراتيجية أوباما؟ إذا كان الوضع يتطلب من بوش أخذ بلدان المنطقة واحدة واحدة، فإن أوباما مضطر أن يأخذها بالجملة، ولكن بطريقة جديدة، وبما أن القوة العسكرية الأمريكية كما تبين لا تفي بالغرض، ناهيك عن انعكاسات خسائرها داخلياً على المدى المتوسط القادم، فالاتجاه هو إشعال المنطقة من باكستان إلى القفقاس عبر تفجير تناقضاتها الداخلية المصطنعة، الدينية والقومية والقبلية، وهذا ما يفسر نقل مركز الثقل تدريجياً إلى أفغانستان وباكستان، وما يفسر توتر الأوضاع السريع في باكستان الذي يجعل الكثيرين ينبهون من خطر انهيارها كدولة، ونعتقد أنه إذا جمعنا ما جرى في باكستان وحولها مؤخراً نفهم من؟ وكيف يدير اللعبة؟ فمن اغتيال بوتو، إلى إبعاد مشرف، إلى أحداث بومباي، إلى زيادة التواجد العسكري الأمريكي المكثف في أفغانستان، إلى القصف الأمريكي الجوي المستمر في باكستان، إلى تعيين هيلبروك مفتت يوغوسلافيا مسؤولاً عن السياسة الأمريكية في باكستان وأفغانستان... كل ذلك يجعلنا نؤكد أن الإدارة الأمريكية الحالية تريد تفجير الوضع في باكستان بشكل واع، لأن تداعياته سيكون لها تأثير كبير على محيطها من الهند إلى آسيا الوسطى إلى إيران.. وإذا أضفنا إلى ذلك التوتر الجاري في جيورجيا وحولها بسبب المناورات الأطلسية وأوضاعها الداخلية، تتضح الصورة أكثر، فقد أخذ قوس التوتر المعروف بين طرفي كماشة التوتر في باكستان والقفقاس، وانفجار التوتر في هاتين النقطتين سينتقل بالتالي إلى القوس بأكمله الذي يقطنه قرابة المليارين من بني البشر، وهكذا تتضح الملامح الأساسية للخطة الاستراتيجية الجديدة ـ خطة أوباما التي يقتضي تحقيقها إعادة انتشار للقوات الأمريكية الموجودة في المنطقة تحت شعار انسحابات جزئية من جهة وتكثيفات جزئية من جهة أخرى.. ماذا يمكن  أن يحقق هذا المخطط في حال نجاحه المستحيل كما يفترضون:

1 - إضعاف المنافسين الكبار للولايات المتحدة الأمريكية عبر مشاغلتهم في مناطق على خاصرتهم ـ الصين، روسيا، أوروبا ـ مما يمكن أن تستنفذ قواهم التي هي أحوج ما يكونون إليها في نموهم الاقتصادي الجاري على قدم وساق.
2 - تأجيل بحث وضع الدولار كعملة عالمية إلى أجل غير مسمى.
3 - تحقيق جزئي لنظرية المليار الذهبي لتخفيف الهجوم الجاري عالمياً، من بلدان الجنوب بالدرجة الأولى، على نمط توزيع الثروة العالمي غير العادل وغير المتكافئ.
4 - منع انتقال الأزمة إلى الداخل الأمريكي اجتماعياً وسياسياً، لأن توتراً وحروباً من هذا النوع ستؤمن إلى أمد متوسط وضع المجمع الصناعي ـ العسكري، ووضع الدولار.

الواضح أن الذي أعاق وسيعيق تحقيق هذا المخطط هو سرعة وتسارع تطور الأزمة في المراكز نفسها وفي مركز المراكز ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ وكذلك العامل الذي ليس أقل أهمية، مقاومة الشعوب المستهدفة، والدعم الدولي المتصاعد الذي ستحصل عليه من منافسي أمريكا المتضررين من سياستها.
والآن ننتقل إلى منطقتنا وإلى الصراع العربي ـ الإسرائيلي في ضوء كل ذلك.. إذا كان الهدف الاستراتيجي الأول لدى الإمبريالية الأمريكية هو النفط، فإن الهدف الثاني هو أمن إسرائيل، فكيف يمكن تأمين هذين الهدفين في ظل انفجار الأزمة؟ وفي ظل ازدياد التزامات الامبريالية الأمريكية في مناطق أخرى أكثر بعداً.
نعتقد أنه تكوّن رأي ثابت لدى أصحاب القرار أمريكياً، أنه لم يعد من الممكن تأمين هذين الهدفين بآن واحد بوسائل عسكرية واقتصادية فقط، من جهة لأن إمكانيات الولايات المتحدة تضعف باستمرار وبسبب الأزمة مؤخراً، ومن جهة أخرى لأن المقاومات والممانعات رفعت كلفة تغطية إسرائيل كثيراً بشكل أصبح لا قبل لأحد بتحمل هذا العبء.
من هنا جاءت استراتيجية التهدئة حول إسرائيل لحين حل المهام الكبرى الأخرى في قوس التوتر. هذه الاستراتيجية المترافقة مع التلويح بالعصا إسرائيلياً وأمريكياً ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ومع الأسف الشديد، تحولت دول الاعتلال العربي إلى جزء مكوّن أساسي لهذه الاستراتيجية.
إننا نعتقد جازمين أن وضع الكيان الصهيوني قد تغير جذرياً، فهذا الكيان الذي كان باستطاعته احتلال أراضي ثلاث دول عربية في 1967 تعادل 3 أضعاف مساحته في ستة أيام، لم يستطع في 2009 خلال 33 يوماً أن يخضع أقل من 400كم2 هي مساحة غزة الصامدة البطلة التي أثبتت أن العين يمكن أن تقاوم المخرز كما قال أديبنا الكبير عمر الفاخوري..
لذلك، وانطلاقاً من كل ما تقدم، نرى أنه ينشأ وضع تاريخي جديد حول الكيان الصهيوني وفيه، ونرى أن الهوة التي كانت كبيرة أصبح لا يمكن ردمها. لذلك نحن الذين وافقنا على القرار 242 في 1967 في ظرف دولي محدد، وفي توازن قوى محدد، نقول اليوم إن الوضع أصبح جاهزاً موضوعياً لحلول جذرية مع الكيان الصهيوني، وخاصة في ظل تداعي النظام الرأسمالي العالمي الذي كان الحامي الأساسي له، وفي ظل تغير موازين القوى المستمر لمصلحة قوى التحرر والتقدم والاشتراكية. لذلك علينا أن يكون لدينا هنا مشروعنا الوطني، المتميز بجذريته.
إن عدم إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني حسب القرارات الدولية، والالتفاف على حق العودة وإجهاضه، سينقل القضية إلى مستوى جديد كلياً بما فيه بحث ضرورة تطبيق القرار القديم رقم 181 لعام 1947 (التقسيم) الذي رفضناه في حينه.. لأن استمرار عدم تطبيقه يلغي المشروعية الدولية لوجود إسرائيل والذي قضى بإنشاء دولتين، والذي ألغي بالأمر الواقع، ويمكن أن ينشأ وضع مستقبلاً يصبح فيه هذا الأمر الحد الأدنى الذي نقبل به في ظل التغيرات والتداعيات العالمية المعروفة الآتية... وحينها يصبح عدم تنفيذ هذا القرار يتطلب تنفيذ أمر واقع جديد ستفرضه موازين القوى المستجدة عالمياً وإقليمياً والتي سنعمل مع غيرنا من الوطنيين الشرفاء على صنعها... المهم أنه يجب أن نفكر جدياً في كيفية انعكاس الانهيار الرأسمالي الحالي على إسرائيل ومستقبلها في المنطقة، والملفت للنظر أن العديد من المنظرين الصهاينة أصبحوا يضعون على جدول الأعمال احتمال زوالها القريب..
 
3 ـ الوضع الداخلي:
ما يقلقنا في الوضع الداخلي هو التدهور المستمر لمستوى معيشة الجماهير الكادحة في ظل السياسات الليبرالية الاقتصادية ـ الاجتماعية. لن نتكلم شعارات بل أرقاماً:
عند بدء تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة اعتمد رقم 11% من السكان يعيشون على حد الفقر الأدنى (دولار يومياً)، و30% من السكان يعيشون على حد الفقر الأعلى (دولارين يومياً)، ومع اختلافنا مبدئياً على تحديد مستوى الفقر الأدنى والأعلى بهذا الشكل، إلا أننا يمكننا اعتمادها كمؤشر قياس فقط لا غير... الأرقام الأخيرة وهي صحيحة ولو لم تعلن حتى الآن، تقول إن حد الفقر الأدنى ارتفع في 2008 إلى 14% والأعلى إلى 44%... فهل هناك دليل أكبر من ذلك على الفشل المدوي للسياسات الليبرالية التي وعدتنا بأنهار الحليب والعسل؟ والأسوأ أن إعادة التوزيع هذه لم تجر حتماً ضمن سياق عام للنمو في البلاد، فالأرقام المعلنة هي أرقام غير صحيحة واقعياً، حتى ولو كانت صحيحة حسابياً، لأن طريقة حسابها تعتمد المنهج النقدي الميركانتيلي الفارط الذي تبنى عليه كل حساباتنا القومية منذ الاستقلال.. ولو احتسبنا النمو الذي تبنى على أساسه أرقام الاقتصاد الحقيقي في القطاعات الإنتاجية، لتبين ليس تراجع الدخل الوطني الحقيقي، بل انهياره، وهذا الميل نعتقد أنه سيتعزز هذا العام رغم الموسم الأفضل نسبياً من العام الماضي، بسبب السياسات الزراعية الارتجالية التي رفعت الدعم عملياً بكل أشكاله عن الزراعة، مما لن يؤثر فقط عليها، وإنما على كل دورة الاقتصاد الوطني.
إن الفريق الليبرالي في إدارة الاقتصاد يقود البلاد إلى كارثة، وبعد وقوعها سيقول: «ما كان هيك قصدنا»، وسيستخدم الأزمة العالمية كغطاء لفشله، مع أن مشاكلنا تعود جذورها إلى ما قبل انفجار الأزمة.
مع ذلك، للحق يجب أن يقال: إنه ليس كل ما يريده هذا الفريق يجري على هواه. صحيح أنه في موقف المبادرة والهجوم على المكاسب المتحققة للجماهير الكادحة خلال العقود الماضية، ولكن ليس كل هجماته تؤتي ثمارها بفضل المقاومة التي يلاقيها في المجتمع والتي يلعب فيها اتحاد العمال والفلاحين دوراً هاماً، وكذلك الإعلام الوطني، ولا بد من التنويه بالدور الذي تلعبه مؤخراً قاسيون وأختها النور..
فالشهور الثلاثة الماضية شهدت هجوماً شاملاً للفريق الليبرالي على أربعة محاور: قانون العمل ـ قانون التأمينات الاجتماعية ـ سعر الصرف ـ دعم المازوت..
ويمكن القول إنه لولا المقاومة التي حصلت في مجلس الشعب وفي المنظمات الجماهيرية وفي الصحافة لنجح هذا الهجوم على جبهاته الأربع، ولكن الآن يمكن أن نقول إنه فشل وتخبط على ثلاثة محاور، ونجح بتأخير عام ونصف، في ملف رفع الدعم عن المازوت، مما يقودنا إلى استنتاج هام:  إن المعركة مازالت محتدمة في البلاد حول آفاق التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي، ونتيجتها النهائية سيحددها ميزان القوى الاجتماعي المتشكل، والذي يعاد تشكله باستمرار عبر معارك عديدة من مختلف الأنواع لا يمكن أن تجري خارج الإحداثيات الإقليمية والعالمية.
والذي نريد لفت الانتباه إليه اليوم، هو أن ما يمثله الفريق الليبرالي قد انكسر عالمياً، وهو في طور الانحسار، لذلك نعتقد أنه من وجهة النظر التاريخية قد وصل إلى سقفه ويعيش في وقت مستقطع، وخطورة هذا الوقت تكمن في أنه إذا نشأ تحالف بين قوى الفساد الكبرى وبين قوى المال الكبرى القادمة من الخارج، والتي بدأت تستوطن في المصارف وشركات التأمين وفي القطاعات الخدمية بشكل عام؛ وبين هذا الاتجاه الليبرالي، تبقى الخطوة الأخيرة التي يتطلب تأمينها للانقضاض نهائياً على مواقع القرار السياسي، هي إيجاد المعادل السياسي الذي يمثلهم، ونعتقد جازمين أنهم لا يرون في حزب البعث معادلاً سياسياً محتملاً لهم بسبب جذوره وتكوينه التاريخي وبنيته الجماهيرية، حتى ولو استطاعوا التأثير على بعض النخب فيه، لذلك هم يبحثون بتهالك عن معادل سياسي يعبر عن مصالحهم، وتجري محاولات تلميع بعض القوى المشبوهة تاريخياً كي تلعب هذا الدور حسب افتراضنا، وهو ما نلفت الانتباه إليه ونحذر منه، فالنظام في سورية استطاع الاستمرار لعقود، بسبب استقلاله النسبي عن الطبقات الأساسية المتناقضة، والتي كان يعبر عن المشترك بينها وفي المجتمع في القضية الوطنية بالدرجة الأولى. ولكن في حال اختلال ميزان القوى الطبقي لمصلحة رجال الأعمال والمال وقوى الفساد، فإن الأمر لن يبقى كذلك، وفي ذلك خطر جسيم على القضية الوطنية التي بدأت تتوفر اليوم جميع الشروط العالمية لحلها لمصلحة قضيتنا العادلة. إن احتدام المعركة الوطنية والاجتماعية ـ الاقتصادية يتطلب تسريع وحدة الشيوعيين السوريين.
 
4 ـ حول وحدة الشيوعيين السوريين:
استناداً لكل ما سبق يتبين أن وحدة الشيوعيين السوريين على أسس واضحة ومبدئية فكرياً وسياسياً هي ضرورة موضوعية، وكنا قد أوضحنا سابقاً، وأكدنا أن هذه الوحدة المنشودة هي وحدة يجب أن تعيد بناء الحركة الشيوعية في سورية، وأن تستعيد دورها الوظيفي الذي ابتعدت عنه. لا شيء غير ذلك يجب أن يدفعنا إلى الوحدة.. لذلك ترتدي أهمية قصوى قضية طريقة بناء هذه الوحدة، فهذه الطريقة هي التي ستحدد الدور اللاحق للحزب المنشود آخذة بعين الاعتبار قدرته في هذه الحال على القيام بواجباته الوطنية والطبقية.
لقد شقت فكرة وحدة الشيوعيين السوريين طريقها في السنوات القليلة الماضية، وأصبحت تياراً جارفاً بين جماهير الحزب وقواعده وكوادره، وهنا اسمحوا لنا أن نميز بين الحديث عن الوحدة وبين العمل من أجل الوحدة، فذلك الحديث الذي لا يقترن بعمل فعّال من أجل هذا الهدف يصبح كلاماً فارغاً وتضليلاً لا جدوى منه، ويعمق المرض الذي طالما عانينا منه، ألا وهو عدم اقتران الأقوال بالأفعال...
ونحن مازلنا نرى أن هذه الوحدة تصنع، تحت وبين جماهير الشيوعيين وقواعدهم، وما على القيادات إلا ملاقاة هذا المزاج وتسهيل الوصول إلى الأشكال العملية الملموسة للوحدة.. أي بكلام آخر، لن تستطيع القيادات وحدها، مهما كانت نواياها طيبة، أن تصنع هذه الوحدة من فوق فقط، إذا لم تستطع أن تحول توجهاتها إلى أفعال ملموسة تقرب الشيوعيين السوريين من بعضهم عبر النضال المشترك والأفعال الملموسة، فالعمل بين الجماهير الواسعة وتنفيذ المهمات الملقاة على عاتقنا هو الذي يصنع الوحدة في نهاية المطاف. فالوحدة لا تصنع في غرف مقفلة، بل تحتاج هذه العملية إلى أكبر قدر ممكن من الشفافية والعلنية والصراحة الرفاقية...
تعلمون جميعاً أهمية المبادرات التي أطلقها الاجتماع الوطني السابع في أوائل 2008، وأهم نتائجها أنها أطلقت الحوار مع رفاقنا في الحزب الشيوعي السوري (النور)، كذلك استناداً إلى قرارات مؤتمرهم وهيئاتهم...
وهنا يجب القول إن مبادرتنا الوحدوية باستعدادنا للانضمام إلى الفصيل الذي يقبلنا دون شرط مسبق حول المواقع والحصص، لم تلق الاستجابة المطلوبة، ولم تؤخذ على محمل الجد، مما فوت فرصة تاريخية كانت يمكن أن تختصر زمناً طويلاً استغرقته النقاشات المستمرة حتى الآن في لجان الحوار ولجنة الحوار المركزية. مع ذلك يمكن القول إن الحوار الذي طال لمدة أكثر من عام له فوائده الإيجابية، إذ أنه على الأقل ردم جزءاً من الهوة، وعدّل جزءاً من التصورات المسبقة، وقرّب إلى حد ما بين المواقف. لن أخوض بالتفصيل في تفاصيل الحوار الجاري حتى الآن، والذي نأمل أنه شارف على الانتهاء، فهنالك تقرير خاص حول الموضوع سيقدم لكم. والخلاصة أنه لا يمكن القول إنه لم ننجز شيئاً في هذا المجال، ولكننا نقول إنه كان يمكن أن ننجز أكثر من ذلك بكثير. والسؤال الكبير الآن هو: ماذا بعد انتهاء الحوار الأولي؟ ما هي الخطوة القادمة؟ نعتقد أنه إذا تمكنا من صياغة وثيقة مشتركة فإنها ستكون أساساً صالحاً للنقاش بين أوسع أوساط الشيوعيين على طريق استعادة وحدتهم.. نعم ستكون فقط أساساً صالحاً للنقاش ومسرّعاً له في كل المجالات، لأننا نعتقد أنه على جميع الشيوعيين صنع وحدتهم، وعليهم الانخراط فيها إلى أقصى حد، لأن هذا النقاش الواسع الفعال هو الذي سيصهرهم في بوتقة واحدة فكرياً وسياسياً تؤمن وحدة الإرادة والعمل بينهم رغم وجود تلاوين مختلفة أحياناً بينهم.
إن وحدة الشيوعيين السوريين لا يمكن أن يصنعها 10 رفاق، أو حتى 30 رفيقاً رغم كل مزاياهم المخلصة، إنها عمل واسع النطاق يجب أن يستنهض كل الشيوعيين ويوجههم باتجاه تنفيذ مهامهم الوطنية والطبقية نحو استعادة دورهم الوظيفي...
في حال انتهاء الحوار الجاري، وهو ما نأمله قريباً، فهذا يعني أننا انطلقنا إلى مرحلة جديدة، تتطلب التفكير بأشكال التوحيد الملموسة، لذلك نقولها منذ الآن واستناداً لمنطق مبادرتنا الوحدوية في الاجتماع الوطني السابع، نقولها بكل صراحة: إننا من جهتنا لن نقبل أية عروض حول تقاسم مواقع ومناصب وحصص ونرفض الحديث بهذا الموضوع مبدئياً. ولكن هذا لا يعني بتاتاً أننا لن نقبل توافقات حول هذا الموضوع، ولكن هذه التوافقات يجب أن تدور حول كيفية تطبيق مبدأ سيادة المؤتمرات الموحدة على كل المستويات من الفرعية إلى المؤتمر العام، وهو جوهر الديمقراطية الحزبية التي نريدها جميعاً وننادي بها، وهي لا تعني بتاتاً كما يمكن أن يتصور البعض تصفية أحد لأحد، بل تعني إعطاء السلطة الحقيقية في تنفيذ الوحدة لكل الشيوعيين. إن مبدأ سيادة المؤتمرات يعني بالنسبة لنا الأمور التالية:
1 - لا شروط على المؤتمرات على مختلف المستويات، وبعد الاتفاق على حدودها، لا شروط على انعقادها.
2 - لا وصاية على المؤتمرات خلال انعقادها، من الهيئات الأعلى، التي يجب أن تنحصر مهمتها في أحسن الأحوال بمساعدة الشيوعيين في القواعد بالوصول إلى توافقات يقتنعون بها إذا لزم الأمر، ونعتقد أنه لن يلزم ذلك في الأكثرية الساحقة من الحالات لأن الشيوعيين في القواعد أقرب إلى بعضهم أكثر بكثير من قرب القيادات بعضها من بعض.
3 - جميع المؤتمرات بحدود صلاحياتها وصولاً إلى المؤتمر العام ملزمة بنتائجها لجميع الشيوعيين المشاركين فيها.

لماذا نقول كل ذلك؟
1 - لأن الواقع الموضوعي يلزمنا بتحقيق وحدة حقيقية جدية.
2 - لأننا نريد وحدة تزيد من فعالية الحزب ودوره، وطريقة تحقيقها هي التي تحدد ذلك، وأية طريقة أخرى لن تضيف شيئاً إلى واقع الحال اليوم، اللهم إلاّ تحويل الوحدة إلى جمع حسابي لمجمل الشيوعيين السائرين على طريق وحدتهم، بينما نريد جمعاً نوعياً ينقلهم إلى حالة جديدة كلياً.
3 - لأن الوحدات السابقة التي تحققت والتي نحترم تجربتها، لم تحقق الغرض المطلوب، وهذا لا يقلل من قيمتها، وخاصة أنها جرت في مرحلة تراجعات عامة لحركتنا. إن الصعود الجاري يتطلب وحدة من نوع جديد. إن الوحدات التي تحققت صنعت تجاوراً وتعايشاً بين الرفاق، ولكنها لم تصهرهم في بوتقة واحدة، وإن صهرتهم في نهاية المطاف فإنها أخذت وقتاً طويلاً، ومن غير المسموح لنا اليوم ترف إضاعة وقت طويل، في وقت تدق الباب علينا بقوة المهمات المنتصبة أمامنا، والتي يتطلب حلها حزباً يمارس الديمقراطية في حياته الداخلية للوصول إلى أعلى درجات وحدة الإرادة والعمل.
في النهاية نقول إن مجلس اللجنة الوطنية ورئاستها يتحمل كامل مسؤولية نتائج الحوار الجاري، ويتفهم الانتقادات التي توجه له بصدد البطء غير المبرر الذي سارت فيه هذه العملية، ويعدكم بإنجازها خلال أقصر وقت ممكن، والانطلاق قدماً نحو خطوات أخرى إلى الأمام.
ونعتقد أن توسيع النقاش في اللجنة الوطنية حول طرق الوحدة المقبلة هو أمر ضروري، وللاجتماع الوطني الثامن الحق في اتخاذ القرارات المناسبة والضرورية في هذا الاتجاه.
 
4 - حول عمل وآفاق اللجنة الوطنية:
لقد كانت مهمة إكساء اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين لحماً ودماً مهمة قائمة أمامنا منذ الاجتماع الوطني الخامس الذي كان أول اجتماع يُنتخَب المندوبون إليه انتخاباً مباشراً من جموع الشيوعيين المؤيدين للجنة الوطنية.
وكان الاجتماع الوطني السابع لحظة انعطافية في هذا المجال عندما قرر إنشاء المجموعات القاعدية والدوائر وانتخاب لجان المحافظات.
لقد وزع مجلس اللجنة الوطنية، المحافظات إلى 40 دائرة، وقد جرت حتى الآن انتخابات لجان الدوائر في 35 دائر منها، وكان إنشاء مجموعات القاعدة قد بدأ فور انتهاء الاجتماعي الوطني السابع ويمكننا القول إنه نشأ منها حتى الآن المئات.
كما تمت انتخابات لجان المحافظات في كل من دمشق، حمص، حماة، اللاذقية، طرطوس، حلب، دير الزور، والحسكة، وبقيت قيد الإنجاز في السويداء وحوران، أما في الرقة وإدلب فما زال أمامنا عمل جدي لاستكمال التنظيم وانتخاب لجان الدوائر ولجان المحافظة.
تعلمون أيها الرفاق أن التعليمات الانتخابية فيما يخص انتخابات الدوائر، بعد أن وزعها مجلس اللجنة الوطنية، قد اشترطت لتكوين الدائرة وجود 15 ناشطاً و/أو 3 مجموعات قاعدية تضم كل واحدة منها خمسة ناشطين على الأقل، إلى جانب 100 مؤيد على الأقل. على هذا الأساس يتبين كم هو حجم العمل المنجز منذ بداية العام الماضي حتى اليوم، وبإتمام هذه العملية نكون قد استكملنا بنيتنا التنظيمية التي ستقوم بالإعداد للاجتماع الوطني التاسع، الذي سيكون حتماً أكبر وأضخم اجتماعاتنا الوطنية عند تحقيقه، حيث نأمل أن يشارك في التحضير له ما يفوق العشرة آلاف ناشط ومؤيد.
إن هذه الإنجازات تتطلب تطويراً في بنيتنا التنظيمية القيادية لكي تتوافق مع ما أنجز في المحافظات والدوائر.. لن نتكلم بالتفصيل عن التعديلات المقترح إدخالها على اللائحة التنظيمية، ولا عن اللوائح الإضافية المقترحة عليكم حول المالية والبطاقة وقواعد العمل الناظمة للناشطين والمؤيدين، ولكن سنتحدث عن منطقها وجوهرها.
إنها تسير باتجاه انتخاب وانعقاد الاجتماع الوطني العام كل عامين، على أن ينبثق عنها مجلس يتجاوز العدد الحالي /60/، وصولاً إلى نحو /75/ رفيقاً ورفيقة، وينعقد كل ستة أشهر، وينتخب المجلس بدوره رئاسة كالعادة بالعدد نفسه تقريباً /11/ رفيقاً، تكون مهمتهم القيادة السياسية والإشراف على تنفيذ اللائحة التنظيمية، كما ينبثق عنه لجنة تنفيذية موسعة /نحو 25 رفيقاً/ تكون مهمتها متابعة المهام التنظيمية يمثل فيها حتماً كل المحافظات وأهم الدوائر الكبرى، وينبثق عن هذه اللجنة مكتب مصغر لقيادة العمل اليومي، ويجري التنسيق بين الرئاسة والمكتب بشكل مباشر ودائم.
نرى أن هذه التعديلات على اللائحة تستجيب للمتطلبات المنتصبة أمامنا بضرورة تطوير التنظيم ومتابعته بشكل أكثر فعالية.

الرفيقات، الرفاق الأعزاء:
تقترب الذكرى الخامسة والثمانون لتأسيس حزبنا، وقد تقدمنا باقتراح للرفاق في الحزب الشيوعي السوري واللبناني نأمل تحقيقه، وهو عقد اجتماع جماهيري مشترك واسع جداً في 1 تشرين الأول على هامش لقاء الأحزاب الشيوعية العالمية الذي سيعقد في دمشق في هذه الفترة، من أجل تحويل هذه المناسبة إلى رافعة تسمح بالتقدم والنهوض المتسارع للحركة الشيوعية في بلادنا.
إن إنجاح هذا الاحتفال هو مهمة كل شيوعي على نطاق البلاد، وهو سيتطلب جهوداً جبارة وغير اعتيادية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
406