كيف يكون القانون ضمانة التطور الحقيقي للحياة الاجتماعية؟
تعج المكتبة العربية بعشرات المقالات والدراسات والمؤلفات القانونية التي تعنى ببحث مضمون القاعدة القانونية وتفسيرها، وبيان التطبيقات العملية لها، ومع ذلك نلحظ التطور البطيء للنصوص التشريعية رغم الإيقاع السريع للتطور في كل مناحي الحياة المعاصرة.
وربما تكون هناك عشرات العوائق التي ترخي بظلالها على السلطة التشريعية، فتجعلها عاجزة عن مواكبة التطورات والارتقاء بالوضع الحقوقي العام، من بينها بلا شك، ضرورة البدء بالإصلاح السياسي، وصولاً إلى الإصلاح الشامل. ولكن تجاهل المفهوم الحقيقي للقانون واحد من أبرز أسباب هذه المشكلة أيضاً، إذ يوجه أغلب الباحثين اهتمامهم إلى المسائل التفصيلية والإشكالات العملية التي يثيرها تطبيق القواعد القانونية انطلاقاً من تعريف القانون على أنه «مجموعة القواعد التي تحكم سلوك الأفراد في الجماعة والتي يتعين عليهم الخضوع لها ولو بالقوة إن لزم الأمر»، وهو تعريف صائب إذا ما انطلقنا من زاوية التكوين الذاتي للقانون، ولكنه مفهوم يتجاهل غاية القانون من جهة، ومنشأه من جهة أخرى.
ولعل العودة إلى مفهوم القانون من زاوية علم المنطق، يقودنا إلى تعريف أكثر دقة وشمولاً للقانون، فمفهوم القانون يتحدد في الأساس بتصور العلاقة الضرورية بين الظواهر، فوجود الظواهر وتكوينها يتحدد بقوانين، والتطور والتغير الجدلي في الظواهر يتم أيضاً بقوانين، وينطبق هذا على قوانين الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وهو ينطبق بطبيعة الحال، على القانون بوصفه نظاماً للحياة الإنسانية.
وهذا يعني أن النصوص التشريعية، وإن بدت ثابتة للعيان بسبب إلزاميتها، فإنها لا بد أن تلحظ أن جملة العلاقات الإنسانية التي يتم تنظيمها من خلال هذه النصوص هي علاقات دائمة التحول والتطور وفق جملة من القوانين الاجتماعية التي يفرضها إيقاع الحياة، وبالتالي، فإن النصوص القانونية الإلزامية الثابتة لا بد أن تحمل في طياتها بذور التغيير والتطلع نحو المستقبل، وإلا فإن هذه القوانين ستنتقل من كونها أداة تنظيم الحياة الإنسانية إلى معرقل لتطور هذه الحياة، ولأن التطور أمر حتمي لا مجال لإيقافه، فإنه في ظل عرقلة القوانين الملزمة سيكون تطوراً مشوهاً وخارجاً على الشرعية، وسيصل في نهاية المطاف إلى إلزام الشرائح المسحوقة في المجتمع بقوانين تبتعد أكثر فأكثر عن تلبية مصالحها مع استعدادها الدائم لخرق هذه القوانين عند أول فرصة سانحة، في حين أن الشرائح الأقوى التي صيغت معظم القوانين وفقاً لمصالحها في الأصل، ستكون المستفيد الأول من هذا القصور القانوني، والأكثر قدرة على تجاوز القوانين عند أي عرقلة لمصالحها، وهذا ما سيفقد القانون سيادته واحترامه على المدى الطويل.
وهكذا، فإن أية دراسة نقدية للنصوص القانونية لا تلحظ سمة الحركية والتطلع الدائم نحو المستقبل هي دراسة قاصرة، ولا تفضي إلى تطوير للتشريعات القائمة ولقدرة السلطة التشريعية على صون الحقوق وتنظيم الحياة الإنسانية في الجماعة. كما أن النص القانوني الذي لا يلحظ أن دور القانون لا يقتصر على تنظيم الحياة في الجماعة الإنسانية في اللحظة الراهنة، وإنما يتضمن تنظيم القنوات الآمنة والشرعية لتطور الحياة وتنظيم هذا التطور، هو نص قاصر لا يتوافق مع الدور الحقيقي للقانون في حياة المجتمع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 408