نجوان عيسى نجوان عيسى

آثار خطيرة لضعف الدور الحقوقي للدولة

لا شك في أن الإنسان يعمل دائماً على صيانة حقوقه - أو بعبارة أدق، ما يعتقد أنها حقوقه– بشتى الوسائل الممكنة، بما فيها اللجوء إلى العنف أحياناً. وغالباً ما نسمع أقوالاً من قبيل أن تحضر الفرد وإدراكه لمفاهيم الدولة الوطنية والمواطنة، يقاس بمدى اعتماده على القانون والمؤسسات الرسمية للدولة في اقتضاء حقوقه والدفاع عنها.

وإذا كانت هذه المقولة تحمل جانباً من الحقيقة لجهة أن واحداً من أهم مكونات المواطنة هو الخضوع المطلق لسيادة القانون، فإنها تنطوي على تحميل الأفراد أنفسهم مسؤولية شيوع استعمال الوسائل غير المشروعة في الدفاع عن الحقوق. ولكن التدقيق في أسباب هذه الظاهرة يقودنا إلى نتيجة مغايرة تماماًَ.
فالملاحظ أن الفرد يلجأ إلى وسائل أخرى غير المؤسسات الرسمية للدفاع عن حقوقه، عندما يكون القانون غير قادر على صيانة هذه الحقوق، وعندما لا تقوم الجهات الرسمية بحماية حقوق المواطنين على الوجه الأمثل. فعندما تتنازل السلطة عن إحدى أبرز مهامها، ألا وهي فض المنازعات بين الناس وتطبيق القانون على جميع المواطنين على حد سواء، سيكون اللجوء إلى وسائل أخرى من قبيل القوة أو السطوة السلطوية أو المال نتيجة طبيعية.
وعندما يلجأ الفرد لاقتناص حقوقه خارج القنوات الشرعية دون محاسبة جدية من المؤسسات القضائية، فإن هذا سيكرّس تجاهل القانون ومؤسساته عند الأفراد، وسيفتح الباب على مصراعيه أمام اعتداء المواطنين على حقوق بعضهم بعضاً، وخصوصاً اعتداء أصحاب السطوة والنفوذ والأقوياء اقتصادياً واجتماعياً على الضعفاء والفقراء. وستتحول العلاقات شيئاً فشيئاً إلى صراع في مراكز القوى خارج إطار الشرعية، كما سيتحول القانون ومؤسساته إلى مجرد أداة تستعمل كورقة من أوراق الضغط في حرب المصالح المتباينة.
ويكفي تقييم سريع لحياة المواطن السوري اليوم، لكي نلاحظ أن الخروج على الشرعية واستعمال وسائل ملتوية من معظم المواطنين في تحصيل حقوقهم هي سمات أساسية في حياتنا اليومية، أساسها فساد الكبراء والمتنفذين وأصحاب السطوة والمال، تنعكس على بقية الناس، وتتجلى باعتماد الرشوة والمحسوبيات على نطاق واسع في أغلب المؤسسات الرسمية، مروراً بلجوء الكثيرين إلى وسائل كسب غير مشروعة لتأمين حقهم وحق أسرهم في حياة كريمة، وانتهاء بالاضطرار إلى بناء المساكن المخالفة التي يقطنها الملايين من السوريين لممارسة الحق الإنساني المقدس في الحصول على مسكن. وإذا كان هذا يعني أن هناك ضعفاً في مفهوم المواطنة تم تكريسه عمداً وبالتدريج عند عدد كبير من السوريين، فإنه يعني قبل ذلك أن المؤسسات السورية لا تقوم بمهامها في تطبيق القوانين وتطويرها، ولا تعمل على تأمين حقوق المواطن السوري، وبالتالي فهي المسؤولة الأولى عن تدهور الوضع الحقوقي في البلاد.
إن الحل الكامل لهذه الإشكالية معقد بلا شك، ولكن نقطة البدء فيه هي قيام جهاز الدولة بمسؤولياته بنزاهة وكفاءة، وتطبيقه الصارم للقانون، واحتضان المواطنين السوريين جميعاً. لأن تنازل جهاز الدولة عن واجباته الأساسية تلك سيدفع المواطنين للجوء إلى وسائل خارجة على الشرعية للوصول إلى حقوقهم، كما سيدفعهم للرجوع إلى انتماءات سابقة لوجود الدولة من قبيل الانتماءات القبلية والطائفية الضيقة والمناطقية، وهذا سيلحق الضرر ببنية المجتمع ككل، وبقدرة جهاز الدولة على قيادة هذا المجتمع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
412