تكهفات «تل سلحب» تنذر بوقوع كارثة إنسانية مروّعة!
ترتفع الأصوات الغيورة المخلصة قبل وقوع كل كارثة منبهة من الحدوث الوشيك للنكبات والكوارث، لكن هذه الصرخات غالباً ما تذهب أدراج الرياح، ولا تجد من يأخذها على محمل الجد، فتتلاشى في الفراغ كأحلام الفقراء بالعيش الكريم..
وهذا ليس تشاؤماً، بل حقيقة مرة طالما عشناها، فقد ضاعت صرخات مَنْ نبهوا إلى انهيار سد زيزون، كما ضاعت صرخات مَنْ حذروا أن الكارثة المحدقة بالمجتمع آتية نتيجة السياسات الاقتصادية الحكومية_ خمسون ألف أسرة من الجزيرة تشردت، وخلت بعض القرى من سكانها، وزحف أبناء الريف في محافظات أخرى صوب المدينة.. حينها لم تسمع الحكومة ضجيج الاستغاثات والتحذيرات، لأن ريسيفرها لم يبرمَج على التقاط الأمواج الصوتية الشعبية، ولا يستقبل اللهجات المحلية، بل أصبح مخصصاً للموجات ما فوق الوطنية، وبات شغل الحكومة الشاغل حرف السين: «سوف نعمل», «سنقوم», «سـ ...»، أما معالجة الأمور قبل وقوع المحظور فهذا لم يعد من صلب اهتمامها منذ أن أعارت أذنها للنصائح العابرة للقارات.
عشر سنوات من الشكوى والعطش
منذ أكثر من عشر سنوات، ترتفع أصوات أهالي حي التل في ناحية تل سلحب التابعة لمحافظة حماة منذرة من قرب الكارثة.. تعلو وتشتكي من قلة مياه الشرب.. وخلال هذه الفترة تقدم أهالي الحي بالكثير من الشكاوى إلى مؤسسة المياه، وعند الاستجابة لمطالبهم كانت المؤسسة تقوم بمحاولة إيصال المياه إلى حي التل عبر زيادة ضخ المياه، إلا أن الحي لم يصله ماء الشرب كما يجب رغم زيادة الكمية الموجهة إليه، لتبقى أقل من الحاجة المتزايدة، فيعاودوا الكرة بالشكوى مرة إثر مرة إلى مركز المياه الموجود في البلدة, مؤكدين أن المياه لم تصل، فتكون الإجابة: «لعل المياه تتسرب! وهو ما يحول دون وصولها إلى الحي»، شارحين أن إمكانيات المركز لاتسمح بالتغلب على هذه المشكلة, فملاك المركز خمسة عمال والمعدات الموجودة معاول ورفوش، والمركز يخدم 12بلدة وقرية. وقد نبه الأهالي إلى موضع التسرب وأعلموا الجهات المسؤولة بذلك، إلا أن المعنيين بالأمر سبق أن قايضوا آذانهم بالكراسي الدوارة.
الأهالي يتحدثون
وقد علمت «قاسيون» مؤخراً بنذر الكارثة، فتوجهت إلى موقع الحدث في 1272009، واستطلعت آراء أهالي حي التل حول حيثيات تصدع الأبنية وأسبابها، وشاهدت المنازل الآيلة للسقوط في هذا الحي، فالتقت عدداً من المواطنين لتحمل شكواهم إلى من يهمه الأمر.
البداية كانت مع بشار جنيد، وهو أحد المواطنين المتضررين.. يقول بشار: «في العام الفائت قامت البلدية بتعبيد الساحة الصغيرة في موقع التسريب، ولم تستطع الصمود أكثر من شهر واحد، حتى بدا التهتك والانخفاس سمتها المميزة، وهذا دليل على وجود تسرب المياه. منذ نحو تسع سنوات قامت مؤسسة المياه بتمديد خط جديد، إلا أنه لم يستثمر حتى الآن، والمؤسسة تنكر وجوده بعد تسع سنوات.! وهنا نسال لماذا تنكر وجوده وما الذي يخفيه هذا الخط؟ لقد بدت علامات التصدع بالظهور بداية الشهر السادس من العام الجاري، فقمنا بإعلام مركز سلحب بالأمر ومن ثم وحدة مياه السقيلبية. وفي ذلك الحين لم يستطيعوا كشف مكان تسرب المياه، وفي الأسبوع الأول من الشهر الحالي ظهر بشكل واضح التشقق والتصدع في جدران المنازل القريبة من غرفة تفتيش الصمام الطارد للهواء والمياه الزائدة، الذي أصبح مع الزمن النقطة الرئيسية لتسرب المياه، وظهرت آثار المياه في بعض الأمكنة، فأخبرنا رئيس البلدية بالأمر، وبدوره قام بالاتصال بمؤسسة المياه في حماة، وقام بالكشف الميداني في اليوم نفسه مع مدير وحدة المياه في السقيلبية. وفي اليوم التالي قامت مؤسسة المياه باستبدال الخط القديم البالغ طواه 20 مترا بخط بلاستيكي جديد وذلك بعد تحويل مساره ونقله إلى الجهة المقابلة، وقد توقف تسرب الماء في تلك النقطة لكنه استمر في نقاط أخرى».
توقف تسرب المياه، ولكن بعد أن تشردت أربع أسر وفقدت منازلها بسبب التكهف الذي خلفه تسرب المياه، وبعد أن تصدعت الجدران والسقوف ولم تعد صالحة للسكن، وهي مهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى..
استمرار المشكلة
لم يتوقف زحف الشقوق وهبوط الجدران عند حد هذه المنازل الأربعة، بل طالت عشرات المنازل بشكل مخيف، وعلى بعد أكثر من 50 متراً عن نقطة أو مركز التسرب.. هذه كارثة حقيقية تهدد بانهيار مساكن حي التل لأن التصدع طال الأبنية الحديثة والقديمة معاً، وبات يلزمها عمل فني وتقني عالي المستوى وتكاليف مادية كبيرة، هذا إذا قيض لهذه المنازل أن تصمد إلى ذلك الحين, فلو أن مؤسسة المياه قامت بمعالجة المشكلة منذ بداية وقوعها لوفرت الكثير من المياه التي ابتلعها جوف التل، ولكانت وفرت على المواطنين الذين هجروا منازلهم الكثير من الآلام وكوابيس الرعب بانتظار الانهيار, تلك الآلام التي لايعادلها تعويض مهما كانت قيمته.
يقول إبراهيم علوش، وهو أحد السكان: يوجد في حي التل خط أنابيب لشبكة المياه سبق للمؤسسة أن قامت بتمديده منذ عشر سنوات، وحتى هذه اللحظة لم تستثمره، ورغم معاناة الأهالي من العطش وقلة المياه جراء تسرب المياه من الشبكة القديمة التي مضى على وضعها بالاستثمار أكثر من نصف قرن، إلا أن المؤسسة لم تكتف بعدم استثماره، بل إنها تنكر وجوده!! ترى ما سر هذا الأنبوب؟ وما الذي تحاول المؤسسة إخفاءه؟؟ ويضيف: إن مدير مياه السقيلبية المهندس يحيى حسينو اتهم المواطنين بالتعدي على شبكة المياه وسرقتها، وأن هناك استهلاك زائد. ونحن نسأل لماذا لم يقم بالكشف وضبط كميات المياه المهدورة وكشف التعدي على الشبكة في حال وجوده؟. ومرة أخرى يقول إن خزانات المياه المنزلية هي السبب في تصدع البناء وتلف المنازل!!
هذه التهم التي تلقى جزافاً لا تقنع أحداً، فكيف لخزانات المياه المنزلية أن تكون سبباً في التكهف وانخفاس التربة إذا كان الأهالي يعانون العطش وبالكاد وبعد جهد جهيد يحصلون على بعض الماء؟؟ كان أولى به أخذ زمام المبادرة والعمل على تدارك الكارثة فيقدم خدمة للناس ويرفع المسؤولية عن كاهله.
من الواضح أن هناك تقصيراً بأداء الواجبات وأن مدير وحدة مياه السقيلبية الذي لم يمض على تسلمه مهمة إدارة وحدة المياه أكثر من أربعة أشهر، ورث تركة ثقيلة من الأخطاء والمشاكل.
علي صالح حسن: إننا نعاني من العطش وقلة المياه منذ أكثر من عشر سنوات، وقد طالبنا الجهات المعنية مرات عديدة، إلا أن أحداً لم يسمعنا أو يعمل على حل هذه المشكلة حلاً جذرياً، ونتيجة هذه المطالب قامت المؤسسة بتمديد خط جديد إلى حي التل، ولكنه لم يوضع قيد العمل حتى الآن علماً أن الشبكة الجديدة في ناحية سلحب هي قيد الاستثمار، فقط هذا الخط لم يتم استثماره بعد. وعندما حضرت اللجنة المشكلة لدراسة الوضع المتأزم في الحي طلبنا من المهندس حسن الخطيب المدير التنفيذي في مؤسسة المياه، تشغيل هذا الخط فأنكر وجوده، فقمت بالكشف على الخط ومأخذ الخطوط الفرعية ليراه هو وبقية أعضاء اللجنة.
من حق كل مواطن الحصول على ماء الشرب، هذا حق طبيعي لا يخضع للنقاش. كما من حق المواطن الاطلاع ومعرفة ما يدور من حوله وما يجري في بيئته وهو ما يطلق عليه حق الإعلام. وانطلاقا من هذه القاعدة كان السؤال المتكرر والملح الذي يطرحه الأهالي لمعرفة السر الذي يتوارى خلف حجب حقيقة هذا الخط النكرة وهذا الولد العاق الذي أنكره أبوه «المؤسسة» فهل هو ابن غير شرعي أم أنه لقيط؟ ربما الأيام القادمة تكشف سر هذا الخط ومن خططوا وعملوا على وأده. أما فوهة الحفرة ومدخل أحد التكهفات الناتجة عن تسرب المياه التي عمل الأهالي على ردمها بأكثر من 75 متراً مكعباً من بقايا المقالع، يبدو أنها تخفي عالماً آخر من الدهاليز والكهوف في عمق التل الترابي المشادة عليه مئات المنازل التي تنتظر لحظة انهيارها!
هذه الحفرة لها من الأشباه ما يجعلها لا تتوقف عن عملها التدميري، فبعد أن التهمت هذه الأطنان من الأتربة، عادت لتعلم الجميع أنها باقية مادام التسرب باقياً. ترى هل أسرار العالم السفلي أعظم أم أسرار عالمنا العلوي الآيل للسقوط وانهيار البنى الفوقية ومؤسسته الكبرى (الدولة) كما يخطط الفاسدون وجسوراللبرلة؟؟.
وعلى ذكر الجسور، قامت مؤسسة المياه بوضع جسر من حديد التصفيح على الصمام الهوائي، أو كما يدعى (الفضال)، وصفحته بحيث أخفي عن الأنظار, حتى لو تمكنت من دخول غرفة التفتيش التي تتوسط الساحة الصغيرة التي دفن فيها بلا طقوس, هذا ما أشار إليه أهالي الحي بنبرة ملؤها الغضب.
ماذا يقول المسؤولون؟
ولمعرفة المزيد عن حيثيات الموضوع والإحاطة بجوانب المشكلة محل الاستقصاء، انتقلنا إلى الطرف الآخر، والتقينا مدير وحدة مياه السقيلبية المهندس يحيى حسينو الذي أكد لنا ما يلي:
«وجه السيد المدير العام بقطع المياه عن حي التل إثر علمنا بالتصدع الذي لحق ببعض المنازل الموجودة فيه، وقمنا بتنفيذ خط احتياط طوله 50 متراً وإخراج الخط القديم المصنوع من الاسبستس من الخدمة, وكان السيد محافظ حماة قد قام بتشكيل لجنة فنية للكشف على الموقع وتحديد الأسباب التي أدت إلى تصدع الأبنية، وقد عملت اللجنة على سبر الخط والتحري، وأخذت عينة من القسطل الموجود بجوار البناء الذي ظهر فيه التكهف والمدد من قبل البلدية منذ زمن بعيد، وهذا الخط مخالف ولا يوجد عليه عداد. وفيما يتعلق بالخط الحديث الذي نفذ منذ تسع سنوات، فسيتم وصله فور الانتهاء من تنفيذ الشبكة الجديدة الخاصة بحي التل والتي سنعلن عنها عند توفر الاعتماد».
وتابع حسينو حديثه محملاً بلدية سلحب مسؤولية ماحصل من تصدعات في منازل المواطنين، وعزا سبب التصدعات والتغيرات على بنية التربة إلى أعمال التزفيت التي قامت بها البلدية والإجهاد الذي تعرضت له التربة نتيجة عمليات الرص والدحل وخصوصاً ما تسببت بها المدحلة الرجاجة. وقال: «فيما يخص نتائج تحري اللجنة لم تصدر بعد وستكون متاحة حال استكمال تحقيقها».
نتائج أولية للجنة التحري
تقول بعض المصادر إن اللجنة، وبعد أن أخذت عينات من المياه المتسربة التي اتضح أنها نقية، تستطيع أن تنفي علاقة شبكة الصرف الصحي بالتسرب، وهي تشير إلى أن التسرب هو من شبكة مياه الشرب. هذا ما أكده المهندس جمال رمضان مدير الآثار وعضو اللجنة.
وطالب رمضان رئيس بلدية تل سلحب بحل سريع لإسكان الأهالي الذين هجروا منازلهم، والعمل على تأمين الأهالي المهددة منازلهم بالسقوط بين لحظة وأخرى، لأن التصدعات متكررة ومتسارعة، محملاً مؤسسة المياه مسؤولية ما لحق بالأهالي من أضرار بسبب تسرّب مياه الشبكة الرئيسية. وقال في حديث له لجريدة «الفداء» إن الحل هو بتبديل الشبكة قبل البحث عن الأسباب والمسببين، فالتل عائم على بركة مياه، ونتيجة لذلك ستكون هناك انهيارات دائمة. وعزا تفاقم المشكلة لوجود صمام هوائي معطل منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولم يتم إصلاحه أو تبديله، ولاسيما أن مركز مياه سلحب إمكاناته متواضعة.
مطالب الأهالي
يطالب بمحاسبة الجهة المقصرة والتي ألحقت بهم الضرر الكبير جراء إهمالهم وسوء إدارتهم للمهام التي أوكلت إليهم, كما يطالبون بتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بمنازلهم وتأمين مساكن بديلة للأسر التي اضطرت لإخلاء منازلها والنزوح عنها، واستبدال شبكة مياه الشرب القديمة بشبكة جديدة.
إنه لمن الضروري إيواء الأسر المهجرة، وكشف ملابسات القضية منعاً لأية تفسيرات تضر بمصلحة المجتمع، وتحديد الطرف المسبب، ومعاقبته في حال وجود إهمال أو تقصير، كي لا يبقى المواطنون وأرواحهم عرضة للعبث والتعدي من المقصرين والعابثين بأمن المجتمع، ولكن الأهم الآن العمل سريعاً على تفادي الكارثة قبل فوات الأوان، وفي ذلك ضمان لكرامة الوطن والمواطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 413