مطبات: وما يزال البحث جارياً

(إنّ الملوثات الموجودة في دمشق فاقت الحد الطبيعي, والعمل جار لوضع دراسات ترصد مواصفات وتطوير معايير تلوث الهواء، ووضع الحلول المناسبة للحدّ منه).

الكلام لكوكب الداية وزيرة الدولة لشؤون البيئة، وسواء تأخر هذا الاعتراف الحكومي عن موعده أم لا، فالواقع البيئي في سورية بشكل عام بات أقرب إلى الكارثي، على صعيد الهواء والماء والتربة.
ليس الهواء وحده بات يخنقنا، وليست السيارات التي فتحنا لها أبواب الحدود السبب فيما وصلنا إليه، كما لا يكمن السبب في انتشار وكالات هذه السيارات في قلب دمشق وريفها، حتى أمسى عددها أكثر من المحال التي تبيع الطعام والدواء، لدرجة صار فيها السباق المحموم لشراء سيارة العمر والحلم أهم من امتلاك بيت، والموظف الذي طالما اشتكى من راتبه المحدود تجاوز نحيبه من أجل حلم سوري طال انتظاره.

الغوطة التي طالما فررنا إليها من الحر، بتنا نفر منها من رائحة الصرف الصحي وهوائها المسموم، والنهر الذي في موسم خير كالذي مر لم يدم جريانه الخجول أكثر من شهر، ومصبات الصرف الصحي شوهت لونه بالسواد، أما الدعوات الكثيرة لحماية الينابيع والأنهار فبدا أنها مجرد دعوات على الورق.
التلوث سببه الإهمال وتأخير تنفيذ القانون والقرارات. التلوث صار كابوسنا بالرشوة والجشع.. التلوث حول الأراضي الزراعية الخضراء في عين ترما وسقبا إلى كلس أبيض، آلاف المعامل التي تفرش مخلفاتها من طمي الرخام في نهر بردى، الطمي المعجون الذي يسقي منه الفلاحون أرضهم، صيّر الأراضي الخضراء صحراء بيضاء غير صالحة للزراعة أو التأمل، والسبب بعض الليرات التي كان من الممكن أن يدفعها أصحاب المعامل لحفرة فنية، وأجرة نقل ما بداخلها. بعض الليرات التي كانت تدفع لعدم نقل المعامل إلى المناطق الصناعية، أو لعدم إغلاقها، رغم كل الأصوات التي حذرت من كارثة بقائها على الأرض والبشر.
حتى مياه الشرب التي تصل إلى أفواهنا صارت مصدر رعب، الأمراض التي تنتشر كأوبئة ناتجة عن اختلاط المياه بأنابيب الصرف الصحي نتيجة الضمير(الصاحي) لمتعهدي مشاريع البنى التحتية، ونشاط البلديات في آخر الربع المالي السنوي بمشاريع فقط لصرف ما تبقى في خزائنها، وتشابك مشاريع الماء والهاتف والكهرباء والصرف الصحي فوق بعضها البعض يجعل من المستحيل أن ينجو مشروع من التخريب.
تتابع وزيرة الدولة لشؤون البيئة: (إنّ أكثر الأماكن تلوثاً في مدينة دمشق هي منطقة الزبلطاني، والبرامكة، والبحصة، وباب توما، وساحة العباسيين، وذلك جرّاء الانبعاثات التي تطلقها المركبات، وخاصة سيارات النقل العام, مشيرة إلى أنّ مراكز الرصد تقوم منذ أكثر من شهرين في أيام وساعات مختلفة، ومناطق عدة من مدينة دمشق، بقياس نسبة التلوث كما يجري البحث في وضع الحلول للتخفيف من نسب التلوث).
الأماكن التي حددتها وزيرة البيئة هي المزدحمة بسيارات النقل العامة (الكراجات)، وهنا لا بد أن نتذكر بكثير من العرفان الأيدي البيضاء لصفقات تجارب  حل المشكلات المرورية ومشاكل النقل على حسابنا، حساب الأوكسجين الذي كنا نستنشقه، الأوكسجين المتبقي لصدور صغارنا، من باصات النقل الداخلي القديمة، السرافيس التي خنقت شوارعنا، وعلمتنا القرفصاء، والركوب عكس السير، والركض.. ثم الباصات الصينية، التجارب جميعها في شوارعنا، شوارعنا التي لم تعد تتسع لكي نمشي على أرصفتها، شوارعنا المعبدة بالحفر، والأخاديد.
 إذاً : كل دمشق ملوثة الهواء، كل الأمكنة التي نرتادها، ونتسوق منها مسمومة، الحدائق على قلتها التي نعتقد أنها صالحة للتنفس، الشرفات التي نتمطى فيها، ونحتسي قهوتنا الصباحية فيها.. ولكن يجب ألا نكون - نحن سكان دمشق- متشائمين، فمراكز الرصد تتابع حركة الهواء الملوث منذ أكثر من شهرين، ليلاً ونهاراً، وما يزال البحث جارياً عن حل لتخفيف نسب التلوث.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
414