يوسف البني يوسف البني

الفساد والاستثمار يطال المحميات التاريخية أملاك وقف الخط الحديدي الحجازي في أيدي المستثمرين

تأسس الخط الحديدي الحجازي بقرار من السلطان عبد الحميد الثاني بعد أن مد صادق باشا المؤيد العظم والي دمشق خط تلغراف بين دمشق والمدينة المنورة بنجاح، ما زاد من حماس المؤيدين لمشروع الخط الحديدي.

 وقد بوشر العمل في السكة الحديدية عام 1900 وافتتحت عام 1908، وانطلقت أول رحلة بالحجاج من دمشق في 22 آب 1908، حيث وصلت إلى المدينة خلال خمسة أيام، قطعت خلالها 1320 كم، مرت فيها بدءاً من محطة الحجاز في دمشق إلى درعا، حيفا، معان، تبوك، مدائن صالح فالمدينة المنورة. وقد ساعد قطار الحج على تنشيط التجارة بين دمشق والحجاز، وأدى اعتماده على مسار طريق الحج البري من دمشق عبر مدينة درعا، إلى تمكين الحجاج من الشام وتركيا إلى قطع المسافة من دمشق إلى المدينة في خمسة أيام فقط بدلاً من أربعين يوماً. واستمر تشغيل السكة الحديد من عام 1908 حتى عام 1916 حيث تعرضت للتخريب أيام الثورة العربية الكبرى، حين عملت القوات البريطانية الموجودة آنذاك في جنوب سورية، على منع العثمانيين من استخدام الخط الحديدي الحجازي لأغراض عسكرية. وقد جرت بعد ذلك التاريخ محاولات عديدة لإعادة فتح الخط المهجور، ولكنها لم تفلح في تسييره من جديد، رغم الأهمية الكبيرة التي تملكها الخطوط الحديدية في المجالات الاقتصادية والسياحية.
 
الفساد يستفيد من التقادم والإهمال
يتعرض حرم السكة الحديدية للخط الحجازي في بعض المناطق للاعتداءات والتجاوزات، فقد تم اقتطاع جزء منه وتحويله بقرارات تحمل صفةً رسميةً من أملاك وقف الخط الحديدي إلى أملاك خاصة تابعة لمجلس مدينة درعا، وتم طرحها فيما بعد للاستثمار الخاص من المستثمر (ر.م). وقد انكشفت هذه الاعتداءات والتجاوزات عندما تم توجيه كتاب وزارة النقل، المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، مديرية فرع درعا، الذي يحمل الرقم 293/ص، الموجّه بتاريخ 13/2/2008 إلى مديرية المصالح العقارية بدرعا، والذي يشير إلى أنه «لدى قيام عناصرنا بجولة على العقار /585/ من المنطقة العقارية تل شهاب تبين أن العقار قد تغيرت أوصافه، وقد تم توزيعه إلى عقارات جديدة، لذا يرجى تزويدنا بأرقام العقارات التي صدرت مكان العقار /585/، ومتى تم توزيع العقار المذكور؟ مع العلم أن العقار هو وقف إسلامي للخط الحديدي الحجازي. شاكرين حسن تعاونكم» مدير فرع درعا المهندس قاسم جنادي.
وتكررت الكتب والتساؤلات، وطالت المماطلة حتى جاء كتاب وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، مديرية المصالح العقارية بدرعا، الذي يحمل الرقم 8459/ع، تاريخ 13/8/2008، الموجّه إلى المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي فرع درعا، الذي جاء فيه: «جواباً لكتابكم رقم 463/ص تاريخ 2/7/2008، والمتضمن إجراء المطابقة للعقارات /2240 و2242 و2245 و2246 و2247 و2249 و2296/ الناتجة عن أعمال التجميل وإزالة الشيوع للمنطقة العقارية تل شهاب، وبيان الرقم الأساسي الناتجة عنه هذه العقارات. وبعد إجراء المطابقة تبين بأن كامل العقارات المطلوبة نتجت عن العقار رقم /585/ من المنطقة العقارية تل شهاب. وكذلك العقارين رقم /2241 و2250/ وجزء من العقار رقم /2295/، يرجى الإطلاع». مديرالمصالح العقارية بدرعا، ياسر النويهي.
 
إجراءات مخالفة للمرسوم
كان قد تبين أن هذا التغيير في أرقام العقارات إجراء غير قانوني ومخالف للمراسيم، حسب إفادة أمانة المساحة ودائرة المساحة في مديرية المصالح العقارية بدرعا، التي تحمل الرقم 1420، الموجهة إلى مدير المصالح العقارية بدرعا، والتي إفادتها تقول: «وردنا كتاب مجلس مدينة درعا رقم 1136/ذ/خ تاريخ 24/6/2008 والمتضمن تحويل الموقع المجاور للخط الحديدي الحجازي من الجهة الشمالية من أملاك عامة إلى أملاك خاصة باسم مجلس مدينة درعا، نفيدكم أن موقع محطة سكة الحديد في مدينة درعا هي موضوع خلاف بين المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي ومجلس مدينة درعا. وبناءً عليه تم عقد اجتماع بين الطرفين، وتم التوصل إلى اتفاق رضائي بينهما ينص على تسجيل المحطة باسم المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، وذلك وفق أحكام المرسوم /118/ لعام 1963. ويتم تقسيم المحطة إلى عدة عقارات تستثمر من الطرفين وذلك حسب الاتفاق الجاري بينهما. وإن كتاب مجلس مدينة درعا الحالي رقم 1136/ذ/خ، تاريخ 24/6/2008 يخالف نص هذا الاتفاق، فالكتاب يتضمن تسجيل القسم المطلوب تحويله إلى أملاك خاصة باسم مجلس مدينة درعا، وهذا مخالف للمرسوم رقم /118/ لعام 1963. ربطاً الوثائق اللازمة». درعا: 30/6/2008، وكان التوقيع لرئيس قسم أمانة المساحة م. يحيى درويش، ورئيس دائرة المساحة م. يوسف الشعباني.
وبناء على هذه الإفادة تم توجيه كتاب من مدير المصالح العقارية بدرعا، يحمل الرقم 7296/ع، إلى السيد القاضي العقاري بدرعا، يشير إلى أنه بناءً على التكليف رقم /6890/ لعام 2008، المنظم من المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي فرع درعا، لبيان حدود العقار رقم /585/ من المنطقة العقارية تل شهاب والعائد للخط الحديدي الحجازي، وأثناء التنفيذ من رئيس الفرقة مروان الحريري، لوحظ وجود تجاوزات على العقار /585/ من بعض العقارات وإحداث عقارات جديدة ضمن العقار /585/ أثناء أعمال التجميل وإزالة الشيوع بالمنطقة العقارية تل شهاب. علماً أن العقار المذكور غير مشمول بقرار النفع العام بأعمال التجميل، وهذا يخالف التعميم /36/ تاريخ 12/1/1999 والمتضمن نص المرسوم التشريعي رقم /118/ تاريخ 8/3/1963 القاضي بالمحافظة على كل أملاك مؤسسة الخط الحديدي الحجازي. يرجى الإطلاع وإجراء الكشف الحسي، واتخاذ القرار اللازم بإزالة كافة التجاوزات وإلغاء صحائف العقارات المحدثة ضمن أراضي الخط الحديدي الحجازي». مدير المصالح العقارية بدرعا ياسر النويهي.
 
كيف بدأت الإجراءات المخالفة؟
تم بتاريخ 24/6/2008 إرسال كتاب من مجلس مدينة درعا إلى مديرية المصالح العقارية بدرعا، جاء فيه: «استناداً إلى قانون الإدارة المحلية رقم /15/ لعام 1971 ولائحته التنفيذية، وعلى قرار مجلس المدينة درعا رقم /5/ تاريخ 9/1/2005، يرجى العمل على تحويل الموقع المجاور للخط الحديدي الحجازي من الجهة الشمالية (شمال السور) من أملاك عامة إلى أملاك خاصة باسم مجلس مدينة درعا. شاكرين تعاونكم» رئيس مجلس مدينة درعا المهندس محمد عوض بجبوج.
وأكد كتاب محافظ درعا رقم 8714/10/6، تاريخ 24/7/2008 المعطوف على حاشية رئيس مجلس الوزراء المؤرخة في 8/7/2008، أن الموقع المومأ إليه يقع خارج حرم السكة ومستلزماتها. بينما جاء كتاب ديوان المساحة رقم 1748 المؤرخ في  29/7/2008، الموجه إلى مدير المصالح العقارية ليؤكد ما يلي: «وردنا كتاب السيد محافظ درعا رقم 7814/10/6 تاريخ 24/7/2008 والمتضمن تحويل الموقع المجاور للخط الحديدي الحجازي، موقع محطة سكة الحديد في مدينة درعا، من أملاك عامة إلى أملاك خاصة، حسب كتاب وزارة الإدارة المحلية رقم 4015/ب/3/د تاريخ 20/7/2008، والمعطوف على حاشية رئيس مجلس الوزراء، وتسجيلها باسم مجلس مدينة درعا كأملاك خاصة، نفيدكم ما يلي: بالإشارة إلى كتاب السيد محافظ درعا أعلاه، وكتاب وزارة الإدارة المحلية المعطوف على حاشية رئيس مجلس الوزراء، بين مدير المصالح أن محضر الاجتماع المنعقد بين مجلس مدينة درعا والمؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي المؤرخ في 12/7/2008 والمصدق أصولاً من قبل محافظ درعا ووزير النقل ووزير الإدارة المحلية ورئيس مجلس الوزراء، يتضمن تقسيم الموقع المذكور إلى عدة كتل، واستثمارها من كلا الطرفين، حيث يتم تحويلها إلى أملاك خاصة وتسجل باسم الخط الحديدي الحجازي /البند رقم /1/ من محضر الاجتماع المذكور.
إن المرسوم التشريعي رقم /118/ لعام 1963 المادة /1/ منه تنص كالتالي: تسجل باسم وقف الخط الحديدي كافة أملاك مؤسسة الخط الحديدي الحجازي على اختلاف أنواعها، الواقعة خارج مرافق الاستثمار أو داخلها، بما فيها أراضي ومحطات وطرق وحرم سير الخط المذكور المسجل في السجل العقاري، باسم الخط الحديدي، أو ما اعتبر منها من الأملاك العامة.
ومن خلال مطابقة المخططات المساحية تبين بأن القسم المطلوب تحويله من أملاك عامة إلى أملاك خاصة يقع ضمن حرم محطة سكة الحديد التابعة للخط الحديدي الحجازي في مدينة درعا. لذا يرجى تسطير مراسلة للمديرية العامة وبيان إمكانية تنفيذ مضمون كتاب السيد محافظ درعا مع شرح الحالة بالكامل، والأخذ بعين الاعتبار المرسوم التشريعي /118/ لعام 1963 ومحضر الاجتماع المؤرخ في 12/7/2005». رئيس شعبة الأمانة م. يحيى درويش، ورئيس دائرة المساحة بدرعا م. يوسف الشعباني.
 
الالتفاف على القانون
قام مجلس مدينة درعا بتقطيع أوصال العقار /585/ المجاور لمحطة درعا على الخط الحديدي الحجازي والتابع لها، وتقسيمه إلى مقاسم بأرقام جديدة، تمهيداً لتحويله إلى أملاك خاصة تحت تصرف مجلس المدينة، قي الكتاب رقم 1389/ذ/خ، تاريخ 30/7/2008، وجاء فيه: «إلى مديرية المصالح العقارية بدرعا، نرفق ربطاً مشروع تحويل قسم من الأملاك العامة إلى أملاك خاصة لمجلس مدينة درعا، وإعطائها الأرقام التالية: (19577 ـ 19578 ـ 19579 ـ 19580 ـ 19581 ـ 19582 ـ 19583 ـ 19584) من منطقة درعا العقارية، والمصدق بقرار المكتب التنفيذي لمجلس مدينة درعا رقم /172/ تاريخ 29/7/2008 ونسمي بسام المسالمة للتوقيع على مشروع التحويل، والتوقيع على معاملة الفراغ». رئيس مجلس مدينة درعا المهندس محمد عوض بجبوج.
تمت الموافقة مباشرة من المديرية العامة للمصالح العقارية، وتم توجيه الكتاب رقم 740/ت.ع، إلى مديرية المصالح العقارية في درعا، دائرة السجل العقاري، وجاء فيه: «نوافيكم ربطاً بحاشية السيد الوزير المثبتة على كتاب وزارة الإدارة المحلية والبيئة رقم 4401/ب/3/د تاريخ 30/7/2008 بشأن تسجيل ملكية الموقع المجاور للخط الحديدي الحجازي في مدينة درعا، من أملاك عامة إلى ملكية مجلس مدينة درعا». دمشق في 31/7/2008، المدير العام للمصالح العقارية محمد درموش.
واكتملت الإجراءات الرسمية لتثبيت الأمر الواقع في القرار الصادر عن أمانة السر في مجلس محافظة درعا الذي يحمل الرقم /712/ بتاريخ 3/8/2008، وجاء فيه: «إن المكتب التنفيذي لمجلس محافظة درعا بناء على أحكام قانون الإدارة المحلية رقم /15/ لعام 1971 وتعديلاته ولائحته التنفيذية.
وعلى تعليمات وزارة الإدارة المحلية رقم 12/62/د تاريخ 19/4/1983
وعلى تعميم المديرية العامة للمصالح العقارية رقم 1308/ب لعام 1984
وعلى بلاغ وزارة الإدارة المحلية رقم 11/61/د تاريخ 25/2/1984
وعلى كتاب مجلس مدينة درعا رقم /1421/ تاريخ 3/8/2008
وعلى موافقة أعضائه بالإجماع بجلسته رقم /43/ المنعقدة بتاريخ 3/8/2008.

يقرر ما يلي:
مادة1: التصديق على قرار المكتب التنفيذي لمجلس مدينة درعا رقم /172/ تاريخ 29/7/2008 المتضمن تحويل جزء من الأملاك العامة إلى أملاك خاصة لمجلس مدينة درعا، وإعطائها الأرقام التالية: (19577 ـ 19578 ـ 19579 ـ 19580 ـ 19581 ـ 19582 ـ 19583 ـ 19584) من منطقة درعا العقارية.
مادة 2: يبلغ هذا القرار من يلزم لتنفيذه.
محافظ درعا رئيس المكتب التنفيذي الدكتور فيصل كلثوم.
 
سياسة فرض الأمر الواقع
لم تنفع كل الاعتراضات من مكاتب المساحة التي أوضحت أن هذه الأراضي هي ملك وقف للخط الحديدي الحجازي، وأكمل المستنفعون من أصحاب القرار مخططهم، وحولوا جزءاً من أملاك الوقف والأملاك العامة، إلى خدمة المستثمرين من القطاع الخاص الذين تربطهم بهم مصالح شخصية ومكاسب مشتركة. فمن الذي يغطي هذه الممارسات؟! وما هي مصلحة البعض في تكديس عائدات النفع العام في جيوب الخواص؟! أسئلة نضعها أمام القائمين على الأمور، لعلهم يفتحون ملفات التفتيش والتدقيق، ويحيلون المخالفين والمتاجرين بأملاك الشعب إلى عدالة القضاء، وفي هذا ضمان لأمن الوطن وكرامة المواطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
414