مسرحية من فصل طويل.. مصرف شطحة الزراعي يحجز أموال الفلاحين!
لاشك أن المصرف الزراعي التعاوني وُجد كمؤسسة لتساهم في تنمية الاقتصاد الوطني، ولخدمة النشاط الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، إضافة إلى المهن والحرف الأخرى المرتبطة بالزراعة، وذلك حسب المرسوم التشريعي رقم /30/، ولكن سوء الإدارة وعدم الانضباط الذي يمارسه معظم القيمين على هذا المصرف، واستهتارهم بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم حيناً، واستغلالهم لموقعهم الوظيفي جرياً وراء الكسب غير المشروع من خلال تجاوز القوانين المرعية أحياناً أخرى، أوقع المصرف في المحظور، وأدى إلى الإضرار بمصالح المواطنين.
استغلال الصلاحيات
إن الصلاحيات التي يتمتع بها بعض منظمي العقود ولجان الكشف الميداني في المصرف الزراعي التعاوني في بلدة شطحة، سهّلت لهم تحويل إدارة شؤون المصرف والمواطنين المستفيدين من خدماته إلى مصدر للربح من جهة، وبوابة لهدر أموال المواطنين والأموال العامة من جهة ثانية، فمهام هؤلاء تخولهم صلاحية الحلول محل الكاتب بالعدل- فيما يرتبط بالقضايا التي يتعاملون بها- إذ عليهم حين إبرام وثيقة القرض سماع إقرار المدين والكفلاء واستلام وثائق تثبت صحة الوثيقة، وذلك عبر التأكد من أن الكفلاء هم من حضروا أمام اللجنة، وهم من قاموا بتوقيع عقد القرض، لكن ما يتم للأسف هو التعامل على أساس من اللامبالاة أو حتى التواطؤ في بعض الأحيان مع المدين عبر تمرير عمليات نصب واحتيال تطال أموال المصرف وتقطع رقاب فقراء الفلاحين، تماماً مثلما حصل مع أحد المواطنين (أدناه).
لعبة.. ضحيتها جهد فلاح
«محمود خليل» هو فلاح بلا حيازة زراعية، ويعيل أسرة كبيرة العدد، وبما أن الزراعة هي مصدر رزقه الوحيد فإنه يعمل باستئجار أرض زراعية لا تتجاوز مساحتها عشرين دونما، ومع بداية الموسم الزراعي الحالي زرع «محمود» أرضه المستأجرة بالقمح، وعند جني المحصول ورَّدها الى مركز شراء وتسويق الحبوب في بلدته، وبعد مضي الوقت اللازم وحلول يوم استحقاق ثمن ما قدمه محمود إلى المركز، تبين أن المصرف الزراعي حجز على ثمن جهده البالغ 135 ألف ليرة سورية، بدعوى كفالته التضامنية مع المدعوين المقترضين؛ (أيمن عيسى أحمد ودريد عيسى أحمد) اللذين سبق لهما واستجرّا قرضين من هذا المصرف قبل ثلاثة أعوام.
محمود، الفلاح الذي أمضى عامه يعتني بالأرض ذهب تعبه هدراً، ولولا أنه ذو بنية قوية ساعدته على تجاوز الوعكة الصحية لكان الأمر أودى بحياته، وحين سماعه خبر الحجز على ثمن جهده سارع بالتوجه إلى «أيمن»، وأحضره إلى المصرف الزراعي، حيث نفى «أيمن» صحة الأمر أمام مدير المصرف والعاملين بالقول: «إن المواطن محمود لم يكفلني، ولم أطلب منه ذلك، ولم يصلني من القرض المنسوب إلي- البالغة قيمته مع الفوائد 133 ألف ليرة سورية -كما تدعون- سوى 35 ألفاً، وهذا المبلغ الزائد أنا بريء منه ولم استلمه مطلقاً»، وأضاف: «أنا لم أوقع على أية أوراق».
بعد ذلك أثبتت الوثائق أن القرض من أصله وكامل العملية الإقراضية كانا مفبركين، وكانا صنيعة العاملين بالمصرف، وبعد أن أحس «أيمن» بذلك رجا «محمود» أن يتقدم بدعوى قضائية بحقه على أن تشمل الدعوى المصرف الزراعي ولجنة العقود، موضحاً أنه لن يدفع قرشاً واحداً!..
بدورهم تمنى العاملون في المصرف على «محمود» أن يرفع دعوى قضائية لكي يتم كشف المتلاعبين والمزورين، وفي هذه الأثناء تمت مراجعة الوثائق والتدقيق فيها، فتبين أن التواقيع المنسوبة الى «محمود» مزورة!.
وبعد أن جرى كل هذا أمام «محمود» راح يعالج الأمر بالطرق القانونية، فمضى إلى فرع الرقابة والتفتيش المركزي بحماة، وقدم طلباً يشرح فيه الواقعة وملابساتها، فوعدوه بالعمل على القضية خلال عشرة أيام، وإلى حينه استكمل «محمود» الإجراءات بإقامة دعوى على المصرف الزراعي ودعوى أخرى على كل من (أيمن ودريد عيسى أحمد).
لماذا يا مصرف شطحة؟
من المعروف أن قروض مصرفية كهذه موسمية، يعمل المصرف على تحصيلها بنهاية الموسم الزراعي، والمستغرب أن المصرف لم ينذر الكفلاء (كما تنص المادة 26 من قانون المصارف) خلال السنوات الثلاث الفائتة، ولم يقم بالحجز على أموال الكفلاء الحقيقيين أو الوهميين، ومنهم «محمود» طبعاً، رغم أنه متعامل مع المصرف الزراعي، ويورد إنتاجه إلى مؤسسات الدولة التي بدورها تحول قيم المحاصيل إلى المصرف الزراعي.
وربما تظهر التحقيقات أن الكفالة مزورة، ولا تعود إلى سنة استجرار القرض، وقد تم ألحاقها مؤخراً إلى أوراق القرض، أو قد يظهر أن الأوراق كانت مفقودة «وهلق شافوها»، ولكن لاشك أن الشؤون المصرفية تنطوي على الكثير من المخاطر، وهذا الشأن متعلق بنمط الاقتصاد السائد، ما إذا كان رأسمالياً أو اشتراكياً، ومن هذه المخاطر الائتمان والسيولة والسمعة. ومما لاشك فيه أيضاً أن المصرف الزراعي في «شطحة» مصدر خطر على المواطنين بما يجري فيه من تلاعب واحتيال على أموالهم وأثمان جهودهم وكدّهم.
ريثما يتم الكشف عن المزور وينتهي روتين المحاكم وما يتخلله من نفقات سيتكبدها «محمود»، هنالك من يتلاعب في قضايا أخرى قد تكون أكبر من هذه، وهناك من يصبّ كل جهوده ليأكل مال الآخرين ويعربد دون أن يخدم سوى نفسه وطمعه، بينما بات من السهل على الحكومة ومن لبس رداءها أن يغتالوا اليد التي تزرع، وهذا لعمري، بعيد كل البعد عن ضمان كرامة الوطن والمواطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 416