عزف منفرد لوزير الإسكان والتعمير: مزاجية في تنفيذ قرار العطلة

بعد صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (1) م/وبتاريخ 10/1/2004 والقاضي في المادة الأولى منه بتحديد الراحة الأسبوعية لجميع العاملين في الدولة يومي الجمعة والسبت، وقبل أيام من دخول القرار حيز التطبيق أنعم علينا السيد وزير الإسكان والتعمير بإصدار التعميم رقم 722/20035/ ص.د بتاريخ 28/1/2004، باستثناء العاملين في الشركات الإنشائية التابعة لوزارته من تطبيق المادة الأولى وطلب من الإدارات عدم التقيد بأحكام القرار، مستنداً إلى المادة الرابعة منه،

تلك المادة (المطاطة) التي تقول: «تستمر الجهات التي تتطلب طبيعة عملها أو ظروفها استمرار العمل فيها على تطبيق الأنظمة النافذة بها لديها دون التقيد بأحكام هذا القرار».

 بنات الجارية وبنات الست!

قرار الوزير قضى بحرمان خمس شركات إنشائية من عطلة يوم السبت وفق قرار مجلس الوزراء والشركات الإنشائية المشمولة بالاستثناء هي:

 البناء والتعمير، الطرق والجسور، مشاريع المياه، السورية للشبكات، أعمال الكهرباء والاتصالات. وتم حرمانهم من العطلة بحجة الالتزام بعقود وواجب تنفيذها وفق الخطط الموضوعة. وقد رفع عمال كل من الشركات المذكورة إضافة إلى الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية «فرع حمص» وشركات أخرى عرائض إلى رئاسة مجاس الوزراء ومجلس الشعب وكافة الجهات المعنية احتجاجاً على هذا التعميم حيث زاد عدد الموقعين من العمال عن الـ 600 عامل.

الشركة العامة للطرق والجسور مثلاً، لاتتطلب طبيعة عملها أو ظروفها استمرارية العمل فيها على مدار الساعة، وعند الضرورة والحاجة، كان يتم تكليف بعض العاملين بالعمل الإضافي المأجور، والمأجور تعني هنا الدفع بالقروش والأخذ بالليرات..

إن يوم السبت هو يوم عطلة مأجور، وفي حال العمل والمناوبة يحسب عملاً إضافياً وفق المادة الثالثة من القرار، مع اشتراط ألا يتجاوز عدد العمال نسبة 25% من العاملين، ومن الساعة التاسعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً.

ارتجال لتحقيق الترابط:

إلا أن تعميم الوزير، وكما هو واضح، جاء تجزيئاً مزاجياً وارتجالياً بما يسيء إلى هدف القرار المعلن، وهو تخفيض الهدر والنفقات وزيادة الإنتاج وتنشيط السياحة الداخلية وزيادة الترابط الاجتماعي والأسري. ولكن هل يحقق القرار الجديد الأهداف المرجوة منه فعلاً؟

فمن المفترض أن زيادة الإنتاج تترافق بزيادة الأجور وهو مالم يحدث سابقاً أما السياحة الداخلية فهي لا تتناسب مع متوسط أجور لايزيد عن الخمسة آلاف، فالعامل يقوم عندنا بسياحة من نوع آخر، وذلك بالعمل بعد وظيفته في مكان آخر ولساعات طويلة لتوفير الحاجات الأساسية، وبذلك يكون العامل في وطننا «عاملين اثنين»، ويغيب العامل عن أسرته طيلة النهار، وجزءاً من الليل لتحقيق الترابط الاجتماعي والأسري المذكورين!

الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، والتي تقوم بدراسة المشاريع  والإشراف على تنفيذها، حرمت من عطلة يوم السبت، فيما استفادت من العطلة المؤسسة العامة للإسكان، وهي مؤسسة تعمل أيضاً على دراسة المشاريع والإشراف على تنفيذها، و تمارس البلديات ومجالس المدن ومديريات الخدمات الفنية نفس المهام السابقة، والسؤال هنا:

هل المشاريع التي ستقوم بتنفيذها الشركات الإنشائية ويكون الإشراف عليها من قبل المؤسسة العامة للإسكان أو من البلديات أومن مجالس المدن أو من مديريات الخدمات الفنية، سيتم العمل فيها دون إشراف لمدة يوم واحد بالأسبوع؟

إذا كان ذلك صحيحاً، فهذا يعني أن تنفيذ الخطط الموضوعة لا يتوقف على تعطيل يوم واحد هو من حق العاملين وفق المادة الأولى من القرار، وبالتالي يكون الهدف من تعميم السيد الوزير دون معنى.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار العاملات اللواتي سيتركن أطفالهن في المنازل يوم السبت، دون رعاية أو مراقبة، فإن ذلك بالتأكيد لن يكون من أهداف أو خطط وزارة الإسكان والتعمير.

إضافة إلى أن الجهات التي تتطلب ظروف العمل فيها الاستمرار في العمل يوم السبت، هي الشركات الإنتاجية والمعامل، وهي من استفادت من يوم العطلة المذكور، وأعادت تنظيم الورديات فيما بينها بحيث لم تحرم عمالها من العطلة الإضافية، على عكس مافعلت وزارة الإسكان.

البارحة واليوم

إذا ما أرادت الوزارة أن تحقق مصالح العمال والشركات في آن، وإذا ماأرادت أن تحمي أطفال العمال من يوم عطلة مشؤوم يقضونه في الشوارع دون مراقبة أو رعاية، فليس عليها سوى العمل في المشاريع على ورديتين كاملتين، أسوة بالشركات الإنتاجية الأخرى، وهذا ما يحقق إنتاجية أعلى، ويخفف التكلفة الفعلية، ويشغل ما يسمى بالـ (العمالة الفائضة)...

 

كما أن على الوزارة المذكورة، وإدارة شركاتها، التخلي عن سياسة «دولة داخل دولة» فيما يتعلق بقوانينها الخاصة التي أملتها على عمالها، فأخرت صرف رواتبهم وتعويضاتهم وحقوقهم العمالية سابقاً، وهاهي اليوم تجتزئ قانوناً صدر نظرياً لمصلحتهم، فأخذت ماهو سلبي منه، وخلعت ماكان إيجابياً عنه..