هل يتغير مصطلح سورية المجوفة إلى سورية المعّمرة

يطلق (سورية المجوفة) كمصطلح زراعي فني، محدداً المناطق الزراعية ذات الإنتاجية العالية عن المناطق الجافة التي تعتبر مراعي طبيعية، والمسماة بسهوب البادية.

ولما كانت المنطقة الأولى مقسمة إلى منطقة استقرار زراعي أولى وثانية وثالثة وهامشية، فإن المناطق الأخرى تعرف زراعياً بأنها المناطق القاحلة الجافة، سهولاً وهضاباً وجبالاً. والتي يبلغ معدل أمطارها أقل من 200 مم حيث تشكل مساحتها (55.1 %) من مساحة سورية أي حوالي (10.2 مليون) هكتار.

هذا التصنيف المطري الزراعي يوضح الكثافة  الإنتاجية البشرية لسورية منتشرة على شكل قوس ممتد من شرق شمال سورية في الجزيرة العليا إلى الغرب ليتجه نحو أقصى جنوب غرب البلاد.

ماذا نجم عن ذلك؟!.. تحديد مفاهيم وقراءات بيئية اقتصادية، ديموغرافية، أمنية: 

أولاً: من الناحية البيئية:

أ|- جفاف في سهوب البادية ومناخ قاري حار نهاراً وبارد ليلاً، مع انخفاض في الرطوبة النسبية عن معدلاتها الطبيعية المناسبة للإنسان والحيوان والنبات.

ب|- انتشار الزوابع الرملية والرياح المغبرة الضارة للكائنات الحية. وتشكل الكثبان الرملية في جنوب شرق البادية.

ت|- انحراف التربة عن المنحدرات والروابي والهضاب وسفوح جبال البادية الجرداء بما يسمى الانجراف الريحي والانجراف المائي للتربة في حالات تشكل السيول أثناء الهطول المطري الغزير.

ث|- انحسار وتدهور الغطاء النباتي بسبب الجفاف، والرعي الجائر، والحرائق وغيرها وانقراض العديد من الأصول النباتية المفيدة في الحفاظ على البيئة.

ج|- انقراض العديد من أنواع الحيوانات البرية من غزلان وطيور.. وغيرها بسبب تدمير بيئتها الأصلية التي كانت سائدة سابقاً.

ثانياً: من الناحية الاقتصادية:

أ|- إن حاجة سكان البادية لتأمين الوقود أدى إلى قطع الأشجار والشجيرات الرعوية.. وبالتالي إلى تدمير الغطاء الحراجي والرعوي لمساحات واسعة من جبال وهضاب وسهوب البادية، ومثال على ذلك (جبال البلعاس).

ب|- عدم تنظيم الرعي للأغنام أدى إلى الرعي الجائر، وبالتالي تخريب الغطاء النباتي للبادية وإلى استمرار عادة التغريب والتشريق (ربيعاً وخريفاً) من أجل تأمين الغذاء، وهذه العادة تعمل الدولة على إنهائها منذ عدة عقود، لكن نقص مراعي البادية أدى إلى استمرارها وحال دون ذلك.

ت|- وصول تربية الجمال في البادية السورية إلى الانقراض تقريباً حيث لم يبق سوى أعداد قليلة لا تتجاوز /3/ ثلاثة آلاف، مما أدى إلى الخلل في التوازن البيئي والرعوي، وسيادة الأعشاب الشوكية التي يمكن أن تستفيد منها الجمال في غذائها.

ث|- تخلف التنمية الزراعية والبيئية والاجتماعية عن باقي مناطق سورية في عصر التطور التقني والعلمي الهائل.

ج|- انعدام تنمية المرافق الأثرية والسياحية الهامة.. أفقدنا مورداً سياحياً كبيراً، كأحد مصادر الدخل الوطني.

ثالثاً: من الناحية  السكانية:

أ|- رغم أن مساحة البادية السورية حوالي (55.1 %) من مساحة سورية فلا يوجد فيها أكثر من (5 حتى 7 %) من السكان البالغ عددهم (18) مليون نسمة، حيث نجد مساحة كبيرة نسبياً غير مأهولة بشكل فعلي. بينما توجد مناطق أخرى مكتظة بأهلها ويبحثون عن مورد لمعيشتهم، وحياتهم.

ب|- هذا الوضع خلق توزعاً غير متوازن للسكان، وأحدث خللاً كبيراً في بنية المجتمع السوري كالتباين بين مناطقه، اجتماعياً وثقافياً، وبالتالي سياسياً.

ت|- إن إيجاد المشاريع التنموية المتنوعة /زراعياً، حيوانياً، صناعياً، سياحياً/ في البادية يساعد على إعادة هذا التوازن  لوضعه الطبيعي وعلى خلق النسيج المجتمعي الموحد لجميع سكان سورية وهذا له بعد اقتصادي اجتماعي وبالتالي وطني.

ث|- إن تنمية البادية يساعد على إنهاء البداوة كأسلوب للمعيشة وطريق للحياة، يعتبر من منظور أنتروبولوجي حالة متخلفة.

ج|- أن البدو يشكلون رديفاً سكانياً متخلفاً لبعض المدن السورية يكرس مزيداً من التخلف الاجتماعي لهذه المدن.

رابعاً: من ناحية الأمن الوطني والقومي

إن تعرض المنطقة العربية للهجمة الاستعمارية الحديثة جعلنا نشعر بأهمية التوزع السكاني المتجانس على مستوى البلاد كضرورة جيوديموغرافية أمنية لم تقدرها القوى السياسية السورية سابقاً. رغم تعرض سورية لاحتمالات الغزوات الخارجية عدة مرات في القرن الماضي.

لقد لاحظنا كم تشكل البادية من خلل أمني وطني وقومي، نتيجة فراغها الديموغرافي والاقتصادي إبان الأزمة السورية ـ التركية في أعوام (1959 ـ 1988) وفي حروبنا مع إسرائيل  أعوام (1967 ـ 1973) أما الأزمة الحالية التي تمر بها المنطقة من خلال الاحتلال الأمريكي للعراق وما قد ينجم عنه من تداعيات تؤكد وجوب تحقيق هذا التوازن السكاني الجيوديموغرافي ـ أمني وأن تنتهي المفاهيم القديمة في اعتبار البادية مساحات من الأراضي الشاسعة التي تعطي ولاتأخذ مهما أعطيناها؟ يصبح هذا العطاء بخساً أمام الحيز الذي تشغله على مساحة هذا الوطن القطري والقومي وهي بالتالي ليست أرضاً يباباً عجفاء لا تعني القوى السياسية الفاعلة، كما هو حاصل حتى اليوم.

 

■ م. نزار دنيا