محمد هاني الحمصي محمد هاني الحمصي

غياب واضح للرقابة عن سوق اللحوم يزيد الأمور تعقيداً

تواصل أسعار اللحوم في الأسواق السورية تحليقها لتصل إلى مطارح خيالية تتجاوز في حدها الأدنى حاجز 900 ليرة في بعض الأحيان، مما جعل الكثير من الأسر السورية ذات الدخل المحدود تعزف عن أكل اللحوم، معتمدة في نظامها الغذائي على الخضار التي تضاعف سعرها أيضاً، ويعزو التجار ذلك إلى عدة أمور أهمها: المشاكل السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد؛ قلة الأعلاف في الأسواق وارتفاع أسعارها؛ فقدان المواد النفطية وارتفاع أسعارها؛ وغير ذلك من الأسباب، والتي أدت إلى ارتفاع اللحوم الحمراء والبيضاء وحرمان المواطن منها.

الأسعار تحلق والطلب دائماً على المستورد
باتت اللحوم الحمراء تنتج محلياً وتستهلك خارجياً، هذا الشعار الذي اعتمدته أسواق اللحوم السورية في الأعوام القليلة الماضية فلم يعد يقصد سوق اللحوم في البلاد إلا عدد محدود من الناس، فغلاء المعيشة قلل من زبائن هذه السوق إلى أكثر من النصف، وغير عادات المستهلك الذي أصبح يتنقل بين المحلات طلباً للسعر الأرخص والذي لن يجده إلا في سوق اللحوم المستوردة (المجمدة) كونها الأرخص سعراً مقارنة باللحم البلدي.
 
أسعار بعيدة عن المتناول ولحم العجل ليس الحل
أصحاب محلات بيع اللحوم أكدوا على أهمية وقف تصدير الأغنام كي تنخفض الأسعار وتصبح قريبة من متناول المواطنين وأصحاب الدخل المحدود، غير أن ذلك لم يحدث، وعلى الرغم من قرار الجهات المعنية في وزارة الاقتصاد بإيقاف تصدير الأغنام في النصف الثاني من العام الماضي بهدف تخفيض سعر لحوم العواس ولحم الغنم، لكن الأسعار واصلت الارتفاع وهي لا تزال بعيدة وخارج نطاق المقبول والمعقول. فسعر لحم الغنم المجروم ناهز  750 ليرة وكيلو لحم بعظمه 625 ليرة والهبرة 900 ليرة بزيادة 100 ــ 125 ليرة عن الشهور الماضية، ولعل انقطاع الكهرباء ساهم برفع الأسعار حيث كان له تأثير على التخزين ما جعل الكثير من التجار مضطرين لشراء مولدات ضخمة ومكلفة بغرض التخزين، يضاف إلى ذلك شجع التجار والذين يتاجرون بالأزمة في سبيل تحقيق الربح.
إذا أردنا إلقاء نظرة على لحم العجل فسنجد أنه لم يعد الخيار الأفضل أو البديل الأمثل ذا السعر المعقول كما كان سابقاً، وذلك للأسباب نفسها تقريباً فتراجعت كميات الذبح إلى أقل من النصف تقريباً ورفع سعره بمقدار 125 ليرة ليصل كيلو لحم العجل إلى 500 ليرة.

هل اللحم المجمد والمستورد هو الحل؟

إن غياب الضمير الإنساني وجشع تجار اللحوم وشراهتهم بإضافة إلى غلاء المعيشة والتي اربكت الكثير في الأسر السورية وخصوصاً ذوي الدخل المحدود فكانت حاجزاً حقيقياً في تأمين الحاجات اليومية، فتقلصت القدرة الشرائية وتوسعت دائرة الفقر والحاجة الاجتماعية، وفي ظل فلتان الأسعار الشديد الحاصل في الفترة الأخيرة، انتشرت بين الناس ظاهرة البحث عن البديل الأرخص، فهو الحل الأمثل لمعظمهم، وخصوصاً لذوي الدخل المحدود، فبدلاً من أن تهجر اللحمة موائدهم كان الاتجاه دوماً نحو سوق اللحوم المبردة، فهي أفضل من غيرها بنظرهم رغم الارتفاع الكبير الحاصل بأسعارها، ورغم ما يشاع عنها بأنها فاسدة ومسببة للأمراض، لكنها تبقى حلاً لا بأس به لكثير من العائلات مقارنة بالبلدي، ويأتي المستورد في أغلبه جاموس هندي أو لحم بيلة كثيراً ما يتحكم سعر صرف الدولار في أسعاره، فالارتفاع الأخير الذي أصاب الدولار مثلاً أدى إلى زيادة في الأسعار تجاوزت 80 ليرة بالإضافة إلى أسباب كثيرة ومتعددة منها تلاعب التجار والمنافسة بينهم على الربح وليس على جذب الزبائن، والصراع القائم بين الشركات الأجنبية المصدرة لهذه اللحوم وتاريخ الصلاحية.. كل ذلك يلعب دوراً رئيسياً في وضع التسعيرة المجحفة على هذه اللحوم.
 
أسباب غير منطقية في الارتفاع

لعل تكاليف تربية المواشي وتكاليف الإنتاج الحيواني المتزايدة، وخصوصاً الارتفاع الحاصل بسعر الأعلاف وصعوبة النقل والمواصلات بين المحافظات، يضاف إلى ذلك تصدير عدد كبير من المواشي إلى خارج البلاد، كل ذلك كان سبباً رئيسياً في ارتفاع أسعار اللحوم بمجملها في الفترة الأخيرة الماضية، وهذا ما جعل وزارتي الاقتصاد والزراعة تتحملان الجانب الأكبر في هذا الوضع فتأمين مادة اللحوم بسعر معقول هو واجب وطني من واجبات الدولة، ولكن عندما تفتقد الرقابة يفتقد الحل وتنفلت الأسعار ويصبح المواطن هو الحلقة الأضعف، ويضيع بين إهمال الحكومة وجشع التجار الذين انعدمت الأخلاق لدى الكثيرين منهم، فأخذوا يستغلون الأزمة إلى أبعد مدى ممكن، فتنوعت أساليب الغش وكثر الاختلاس والنصب وانتشر بشكل واسع دون أي رادع، فأصبح العديد من التجار يعمد إلى خلط اللحوم المجمدة باللحوم البلدية وبيعها مفرومة إلى المطاعم ومحلات الصفيحة، والتي تقوم بدورها ببيعها للمستهلكين بسعر اللحم البلدي.

 المعوقات كثيرة

لعل المعوقات التي يتعرض إليها مربو الثروة الحيوانية في سورية كثيرة ومتنوعة منها ارتفاع سعر الأعلاف إلى حدود لا معقولة، ففي الفترة الأخيرة مثلاً أصبح طن النخالة بـ 15000 ل.س وطن الذرة الصفراء بـ 13000 وطن الشعير يباع بـ 14000 بالإضافة إلى فقدان اللقاحات والمواد النفطية والدعم الحقيقي وتكاليف الإنتاج الأخرى التي لا مجال لذكرها لكثرتها، والتي ساهمت بشكل كبير في ارتفاع أسعار اللحوم بشكل عام؛ الحمراء والبيضاء على حد سواء، ولعل من المشاكل البارزة أيضاً السعر المتفاوت للمواشي والحيوانات بين محافظة وأخرى ويلعب عامل غياب الرقابة في هذه المشكلة دوراً رئيسياً.

هل الفروج هو البديل المناسب؟

منذ أقل من عامين كان الفروج هو البديل الأمثل أمام الارتفاع الحقيقي لأسعار اللحوم الحمراء، أما الآن فكلاهما في كفة واحدة من الميزان، والتي تميل لمصلحة ارتفاع الأسعار مقابل كفة المواطن الذي يلعب دور الضحية دائماً، فعندما يصل كيلو الفروج إلى 245 ليرة وكيلو الشرحات إلى 425 ليرة فبشكل طبيعي لن يكون أفضل حالاً من اللحوم الحمراء، وإن كان الفروج يشكل 80% من استهلاك الفرد سنوياً فليس من المستبعد انخفاض هذه النسبة مع الارتفاع المخيف للأسعار.
يقول المسؤولون إن هنالك أسباباً كثيرة ساهمت في هذا الارتفاع منها الظروف الأمنية والاقتصادية الحالية للبلاد، وارتفاع ثمن الأعلاف وصعوبة استيرادها من خارج البلاد وصعوبة التنقل بين المحافظات، والارتفاع الحقيقي لسعر الدولار، والذي ساهم بشكل كبير في رفع سعر مستلزمات الإنتاج إضافة إلى جشع التجار الذين يستغلون عامل غياب الرقابة فيقومون بزيادة الأسعار والتلاعب كيفما شاؤوا، كل ذلك ساهم وبشكل كبير في رفع سعر الفروج إلى درجة اللامعقول.
في واقع الحال يمكن القول إن هنالك الآن أزمة حقيقية في سوق اللحوم السورية وقد أصابت المواطن بالحرمان فأصبح يمر في سوق اللحوم ليكتفي بالنظر على مبدأ شم ولا تذوق، فغياب الرقابة جعل مظاهر الغش والفوضى وفلتان الأسعار منتشرة والتاجر يسرق المواطن بشتى الطرق والوسائل، والمواطن مغلوب على أمره بدأ يهمل حتى التفكير بمهمة شراء كيلو لحمة بالسنة!.                                                ■■