في شركة غزل جبلة: فخاخ منصوبة لاصطياد الشركة.. ومن يحمون الخزينة هم أول المطلوبين

ليس جديداً إذا قولنا أن هنالك حملة باتت ملامحها واضحة لتخسير مؤسسات القطاع العام وتصفيتها عبر خصخصتها، كما أننا لن نضيف جديداً إن قلنا أن من يقف وراء تلك الحملة هم أنفسهم من نهبوا الملايين من خزينة الدولة وجيَّروها لصالح استثماراتهم، وعلى حساب لقمة الناس،

كما أننا بتنا نعرف أن مؤسسات القطاع العام هي الشكل الأكثر تعبيراً عن حالة اقتصادنا الوطني، وقد أمسك بجزء ليس بالقليل منه بضعة وكلاء وسماسرة، يمثلون قوى السوق ويمررون مصالحها،لكن من الغريب والعجيب في حال البلاد أن نتهم شركة عامة بسوء الإدارة وتقصير الأداء في الوقت الذي تؤمن فيه هذه الشركة وفورات هائلة على الخزينة العامة وتحقق فيه الأهداف التي استلزمت إنشاءها، بل أكثر من ذلك ، أرباحاً كبيرة تصب في مصلحة العامل والبلد وكل ذلك كان قد تحقق على يد الإدارة المتهمة !. أما الشركة المعنية فهي شركة غزل جبلة..

اتهامات تدعي الجدية:

مذكرة كان قد قدمها الاتحاد العام للعمال إلى رئاسة مجلس الوزراء وجهت اتهامات عديدة إلى مدير عام شركة غزل جبلة «عدنان سليمان» ما لبثت أن نشرت كل من صحيفتي تشرين وصوت الشعب مقالات تدعم هذه المذكرة تحت عناوين منها: «خلل جدي في إدارة الشركة». والاتهامات الموجهة إلى الرجل(والتي لا يخفى عن العمال ارتباطها بمعادلات عشائرية وعائلية وبمصالح شخصية وكذلك بصرا عات داخلية بين أشخاص في النقابات وفي اللجنة الإدارية للشركة) جاءت مدعمة بديباجات لا ندري من أين جاءت : سوء الإدارة، ارتفاع المخزون الإنتاجي للشركة حيث تجاوز 5500 طن، بيع الخردة للقطاع الخاص، السلبية تجاه العمال والتنظيم النقابي، رفع الحد الأدنى المعياري لبدء الحوافز، إلى آخر ما هنالك من اتهامات تدعم نفسها بأرقام خارج الواقع في حين أن المدير المذكور وكما تقول الأرقام والوثائق قد انتشل الشركة عندما تسلم إدارتها في عام 1996 من واقع أليم فرضه المدير السابق وبعض الإداريين الذين تثبت الوثائق نفسها تورطهم في الفساد.

هدر ونهب بالملايين:

بضع مقارنات سنجريها ما بين الإدارتين السابقة واللاحقة :

■ أنتجت شركة غزل جبلة في عام 1995 ما يقرب من 4913 طناً بينما أنتجت في السنة اللاحقة 

ما مقداره 6603 طناً بزيادة قدرها 1700 طن، وقد تحققت هذه الزيادة بنفس الظروف السابقة من حيث عدد العمال، إلا أن حوالي الخمسين آلة غزل كانت متوقفة عن العمل في السابق، مع العلم أن إمكانية تجهيزها متوفرة ولم يكن هنالك مشكلة في التسويق آنذاك بل على العكس كانت هنالك سوق سوداء! انعكست هذه الزيادة على العمال مباشرة من حيث الحوافز التي زادت بمقدار15مليون ليرة سورية. 

■ وبالمقارنة بين الحوافز المصروفة خلال ست سنوات قبل تولي الإدارة الحالية مهامها وخلال السنوات الست بعد توليها نجد أن ما صرف في الست الأولى بلغ ثمانين مليون ليرة سورية أما في الست الثانية ارتفع المبلغ إلى 177مليون ليرة سورية وهذه الزيادة مرتبطة بشكل أساسي بزيادة الإنتاج.

■ في مجال ضغط الإنفاق ومكافحة الهدر تقلص إنفاق الشركة على القطع التبديلية من مبلغ 78 مليون ليرة في عام 1995 إلى مبلغ 15.683 مليون ليرة عام 2002 إذ قامت الشركة بتقليص الشراء والاعتماد على المخزون الكبير والمجمد من القطع التبديلية المكدسة في المخازن منذ سنوات كما تقلص إنفاقها على نقل العاملين(الذي تعهده سابقاً أحد أعضاء اللجنة الإدارية) من ستة ملايين ليرة عام 1995 إلى 4.32 مليون ليرة عام 2002 وكذلك بالنسبة للصيانات الخارجية التي تقلص الإنفاق فيها من 10.449 ملايين ليرة إلى 2.962 مليون ليرة بالقياس مع أعوام المقارنة نفسها مع العلم أن بعض الباصات مثلاً كانت تكلف صيانتها في السابق مليون ليرة سورية!

استهلاك المحروقات تبعاً لقيود الشركة وحساباتها تقلص حوالي المليوني ليرة واستهلاك القرطاسية تقلص ايضاً بما يزيد عن المليون وربع فأين الخلل إذاً؟!

هنا الخلل..

الخلل على ما يبدو في مجموعة من المواقف التي أبداها مدير الشركة متجاوزاً فيها العقليات البيروقراطية وساداً الطريق على سماسرة القطاع العام وتجاره، تجلت ظاهرياً في الصراع داخل التنظيم النقابي واللجنة الإدارية وهنالك أمثلة:

■ إحدى التهم الموجهة للإدارة كانت «عدم التقيد بالتعاميم الصادرة بما يخص بيع الخردة للقطاع العام حصراً»أي لشركة حماه ومن المعروف أن الشركة المذكورة تشتري خردة الحديد فقط وبسعر مقداره ستون قرشاً سورياً للكيلو الواحد في حين أن الشركة طبقت مبدأ الإدارة بالأهداف واستطاعت بيع كيلو الحديد بسعر3.5  ليرة سورية وباعت الفونت بـ 5.25 ليرة والألمنيوم 

بـ 38 ليرة والنحاس بـ 52 ليرة وجميعها قياساً للكيلو الواحد.

■ تهمة أخرى عنوانها «خسارة إمكانية التوريد للسوق العراقية بسبب ممارسات المدير »علماً أن الشركة لم تخسر السوق العراقية كما جاء بالتقرير بل إن هنالك أزمة كانت قد نتجت بتحركات من الجانب العراقي لتصعيدها استطاعت الإدارة تسويتها(وكان من الصعب تسويتها) واستكملت الصفقة حيث أن العراقيين طالبوا بثمن الإبر المكسرة جراء استخدام الخيوط ولم يكن أمام الإدارة سوى قبول الطلب العراقي أوحل آخر يقضي بحل الصفقة بالكامل وتكبد الشركة خسائر الشحن والخسائر الأخرى فسويت الأزمة على ذلك تجنباً للخسائر الكبيرة مع العلم أن شركة غزل جبلة هي الشركة الوحيدة التي استطاعت الحصول على ثمن غزولها من العراق من بين جميع شركات الغزول السورية !

من ينبغي محاسبته؟!

الصفقة مع العراق تمت قبل البدء بتجديد الآلات(والغريب أن من اتهم الإدارة بشأن الصفقة هم أنفسهم من اتهمها بشراء آلات لا لزوم لها!) و الطرف الذي أعد الصفقة هو المؤسسة العامة للغزول وليس شركة جبلة، والمفاجأة كانت عندما غرمت المؤسسة المدير العام بثمن الإبر المكسرة بشكل شخصي مع العلم أن الغرامة (المستغربة أصلاً) لا ينبغي أن تقع على المدير بشكل فردي إذ أن المسؤولية جماعية، وخاصة فيما يتعلق بقضية الجودة. 

هل كان ذنب شركة جبلة حصولها على قيمة غزولها كاملة من كامل الطلبية مقابل دفع سعر الإبر المكسرة وتصدير أكثر من 500 طن بالعملة الصعبة في حين أن ما يعادل مليون دولار لم تحصل هي عبارة عن قيمة صادرات المؤسسة للعراق، وهل هذا كاف ليزعج سماسرة المؤسسة والبعض في اللجنة الإدارية،ولماذا يحاولون أن يطالوا المدير شخصياً ومن الذي يجب محاسبته وتغريمه؟!

ومن ثم لماذا يعتبرون آلات التدوير التي اشترتها المؤسسة آلات لا لزوم لها وهي التي تجاوزت مشكلة الجودة والتي أصبح بفضلها المعمل منافساً محلياً وعالمياً؟

محو أمية..

نستطيع فهم هذه الحملة على الشركة وإدارتها من خلال ما يجري في الكواليس من ضغوطات تمارَس على الإدارة بعد القفزة التي حققتها في خفض الإنفاق وزيادة الإنتاج والحد من السرقات والمصاريف الوهمية، وذلك من قبل بعض الجهات والمتنفذين والبيروقراط وقوى السوق وامتداداتهم داخل التنظيم النقابي وفي اللجنة الإدارية للشركة، والتي تضم اثنين من أعضائها أحدهم يحمل الشهادة الإعدادية والآخر لا يحمل سوى الابتدائية وقد كانوا في عهد الإدارة السابقة قد تولوا مواقع إدارية أثبتت الفروقات في الإنفاق، فيما بعد، ضلوعهم في الفساد حينها وبملايين الليرات وما زالوا يمارسون صلاحيات، بل وينظّرون في أساليب الإدارة وفنونها ويكيلون الاتهامات لمن يحاول الحد من نشاطهم، والألزم لهم قبل ذلك دورة في محو الأمية ربما! ، فيما تكتظ الشركة بعشرات المهندسين وخريجي المعاهد المختصين بالغزل والنسيج..

ليس دفاعاً..

حينما تبين الأرقام والحسابات والثبوتيات صحة قضية ما ،عندها لن تكون هنالك حاجة للدفاع عن صاحب القضية بل هنالك حاجة لتبيان الأرقام فقط، ونحن هنا لسنا بصدد إعداد مذكرة للدفاع عن إدارة شركة جبلة وإن كنا نملك جميع الوثائق التي تفند الادعاءات الموجهة إلى الإدارة بالتفصيل. وما يهمنا بطبيعة الحال هو مصلحة الشركة ومصلحة القطاع العام قبل كل شي، وكذلك كشف النقاب عن عصابات النهب التي لن يردعها ضميرها عن قتل الضحية والبكاء فوق رأسها. خاصة أن الصحف التي تناولت القضية جاءت بأرقام مغلوطة (قالت مثلاً أن التراكم في المخزون بلغ 5500طن في حين أنه بلغ 2450طناً ).

مع العلم أن الشركة المذكورة  انطلقت وباتت تصرف إنتاجها يومياً بشكل كامل إضافة لعدة أطنان من المخزون كما حققت نقلة نوعية من حيث الوفر والأرباح والتي ستنعكس أولاً وأخيراً على مصلحة العامل ومصلحة القطاع العام.

 

■ المحرر