عبد الله راعي عبد الله راعي

عجب عجب.. (ليش هيك) يا حلب؟!

يروى في إحدى مأثورات حلب التي ستكتب بعد حين أن أحد ولاة حلب (وأغلبهم يأتي وافداً ثم راحلاً غير مأسوف عليه بعد أن يكون قد انتفخ)، دعا من وجهاء البلد 100 بالعدد لازود ولانقصان إلى عزيمة في قاعة العرش للنظر مو للأكل حسب المبلغ الذي دفع فيها وهو 1200000 ل.س، 12 ألف ليرة سورية للنفر الواحد وكل يا وجيه فكل شيء من برا ـ تذكرت هنا حفلات شاه إيران ومطعم مكسيم والضيوف في حفلات (برسيبوليس)..

كان ذلك في سالف العصر والأوان في الثامن عشر من شهر نيسان، ومن يومها ابتدأت الأفراح (اعذروني في هذه الكلمة الأخيرة فأنا لا أعرف كتابتها إملائياً أيها أصح بالفاء أم بالتاء) في حلب الشهباء، وكان من سماها حلب قد تنبأ منذ القدم بأنها ستكون بقرة حلابة لمن تستضيفه، حتى باتت بقرة عجفاء كتلك التي رآها فرعون في المنام، وتلك سبقتها بقرات سمان، أما حلبنا فقد صارت يا حرام جلدة وعظمة.

واشتغلت الزلاغيط والهنهونات، ومن يومها قرر الحلبي أن يضيف إلى صلاته أن (اللهم اجعل لحلب جزءاً ولو يسيراً من المبلغ الذي تفاخر به المسؤولون من 400 إلى 500 إلى 800 مليون ليرة سورية ميزانية لهذه الاحتفالية المهولة) حسب إحدى المقابلات التي رأيتها في الرائي.

وتسابقت القنوات في هذه الاحتفالية وليس من بينها واحدة مشفرة: تلك للمياه وهذه للكهرباء، وهاتيك للهواتف، وبقيت القنوات مكشوفة حتى (يتفشكل) فيها الناس في كل محل، وليعرفوا أن في حلب شغل يخزي العين!!

قبل العشاء كان افتتاح مونديال الكرة العالمية برمز كروي مرفوع مهترئ ريثما تستعد ألمانيا. . وضعنا الشعار هنا.. وهناك الألعاب حسب مبدأ أممية الأرض، والعالم قرية صغيرة (أفيدونا ـ يرحمكم الله ـ إن كان هناك علاقة بين الكرة والثقافة الإسلامية حتى نتبارك فيها) ودوار وحوالين هالنصب انتصبت أكشاك وكلا. . . . .ـ تصوروا ولا واحدة للثقافة ـ هون المشبك، وهونيك الشاورما، وهناك الفلافل، وهكذا دواليك، وبالتناوب.. فكأننا في مهرجان غينيس في أكبر لقمة وأوسخ ساحة، وتذكرت حين مشاهدتي هالمناظر قول أحد السياسيين الكبار في هذا العالم من أن العرب لايهتمون إلا بالبطن وما دون، وقلت في نفسي: (عجب هيك عبصير في أصفهان الأخت التوأم لحلب؟

على ذكر الساحة هي مسماة باسم أحد أبطال الاستقلال العظام والذين كانوا يجتمعون ـ واو الجماعة تضم ممن تضم إبراهيم هنانو وسعد الله الجابري وناظم القدسي وغيرهم.. الله يرحم ترابن اشقد اشتغلوا للبلد واشقد نسيهم أهل البلد!! الله يرحم هديك الأيام ـ في أكوس حديقة في حلب (حديقة المنشية) والتي صارت اليوم أضيع من الأيتام على مائدة اللئام، وراحت مثل خبر كان وأظن حركته النصب. المنشية كانت مقبرة اشتراها أحد المحامين الكبار في هذا البلد اسمه جرجي بن سمعان خياط بـ 3000 ليرة ذهب (تخيلوا المبلغ بالمقارنة مع الزمن) أواخر القرن ما قبل الماضي ووهبها للوالي حتى تصير بستان للجميع (فيها شجرات انقلعت وتكسرت عمرها من هداك الزمن) أي حديقة عامة بلغة هذا الزمان ـ من هداك الوقت ومن قبل كانت الوحدة الوطنية هي الأساس.

وفي عام 1980 أهداها الرئيس الراحل حافظ الأسد ـ الله يرحمو ـ للطبقة العاملة في حلب لتكون مقصفاً واسعاً فيه 106 شجرات عمرها عمر النسر وصيدلية ومستوصفاً للعمال واللوحة الرخامية الموجودة على السور شاهدة على ذلك، ومابعرف أش عن على بالن هالمسؤولين ـ وصار عنا هوس وحسرة بالقلب إنو نعرف مين صاحب هالمشروع اللي ضهرو قوي كل هالشي!! لا عبسأل لا عن الإجراءات ولا عن القوانين ولا عن الجرايد ولا عن العرائض ولا عن حدا!! تخيلوا حفر الأساسات ورايح يصب الشمينتو ولسه الصفة العمرانية للأرض هي حديقة عامة!! وحتى قرروا أن يزيلوها بحجة جاعلين مكانها ـ الله يعزكم ـ للشعب الحلبي كله ونسيت أقول ـ الله يلعن النسيان و العمر إلو حقو ـ أنو قصة حديقة المنشية بدأت عام 2005 عام الحدائق فتأملوا رعاكم الله.

وبعد الألعاب النارية التي كلفت هديك الحسبة وما طولت الساعة عينك تشوف الشوارع، كلها صارت مثل بساط الفقراء، شقفة زفت وشقفة حجر وشقفة بحص وجورة صغيرة، وكنا ننتظر أن يأتي الزفت على كل الشوارع، فإذا به قد غطى الكل وصرنا كليتنا زفت بزفت. وما مر 14 يوم بس 14 يوم أي الخميس اللي بعد الخميس اللي بعد الهيصة، حتى كانت الساحة رجعت لعادتها القديمة مع وجود هذا النصب الذي بقشعر البدن وبحضر الكفن!! وبهالمدة طارت المصاري ـ والله يعوضنا عنها صحة وعافية ومنين بدا تتعوض الصحة إذا كان التلوث بلغ أشده وتكسرت النصال على النصال وما بقي بقعة خضرا إلا وأكلها البيتون اللعين وأموال المستثمرين.

ها ـ وهي عند الحلبية تأتي للاستدراك ـ على ذكر طارت المصاري، هناك أشياء كثيرة من حلب طارت (السجاد العجمي في الجامع الكبير طار، والحديقة العامة جزء منها طار، ومثلها حديقة السبيل والقطط السمان طارت، وأجل حسابها ليوم الحساب، والكل عبغرف وعبيعرف حالو أنو بدو يجي يوم بدو يطير. والشي اللي صرنا نحسبلو حساب، أنو هالناس التي تبرعوا بالترميم يروحو يعيفولن شي مسمار في الأبنية المرممة وتطير الآثار ونبقى هيك لا حاضر محسود ولا تاريخ موجود، بس بضاعة ضمن الطلب جاهزة للتصدير ولو للمريخ.

حلب 27/6/2006