الحكومة ماذا تقول.. وماذا يحصل؟
عودتنا هذه الحكومة، كما سابقاتها، أنه لا أسهل عليها من الخُطب التي تحاول أن تخاطب ود المواطن، وتمتص نقمته على الواقع المأساوي الذي يعيشه، ليس من واقع الحرب وأهوالها فقط، بل، والأهم من ذلك، من سياساتها الرسمية التي تفقره يوماً بعد آخر، حتى جعلته مُعَوّزاً.
وها هو رئيس حكومتنا، يظهر عبر الإعلام بالصور النمطية نفسها، بالإضافة لتحميل المواطن جزءاً من مسؤوليات الحكومة نفسها، ناهيك عما يتحمله من جِرائها.
مفارقات..
كثيرة كانت العناوين التي تم التطرق لها من قبل رئيس الحكومة، بحديثه التلفزيوني الأسبوع المنصرم، وبمجملها لم تخرج عن حيّز الكلام الإنشائي، وبأحيان كثيرة، كان فيها الكثير مما لا يمكن إغفاله من المفارقات.
فعند حديثه عن الموارد الذاتية التي تم الاعتماد عليها من قبل الدولة خلال الأزمة، لم يستدرك د.خميس أن هذه الموارد كانت من جيوب المواطنين الفقراء، وعلى حساب معيشتهم وأمنهم، كما لم يستدرك أنها أصبحت بجيوب الأغنياء وأصحاب الأرباح بالنتيجة، عبر السياسات الحكومية المفقرة لغالبية المواطنين نفسها، يوماً بعد آخر، والمُثرية للقلّة القليلة من المتنفذين والتجار والسماسرة والمستغلين وتجار الحرب والأزمة.
أي دعم!؟
مفارقة أخرى، كانت عندما أشار إلى الاستمرار بالدعم المقدم عبر بعض الخدمات العامة، مثل: التعليم والصحة، بالإضافة إلى دعم بالخبز، متناسياً كل الدعم الذي تم سحبه تباعاً، على حساب المزيد من الإفقار، كما المزيد من الأرباح لجيوب البعض، الوقود- الكهرباء- الخبز- المواد المقننة وغيرها، بالإضافة إلى تخفيض الإنفاق على الكثير من الخدمات العامة.!
انطلق في حديثه من أن هناك بعض القطاعات الحيوية ما زالت بيد الدولة عبر تقديم بعض الدعم لها، مع العلم أن مفهوم الدعم بحد ذاته هو (من وإلى)، أي أن الحكومة عندما تقدم دعماً ما، فإن مواردها هي الكفيلة بالتغطية، وبالتالي التغطية من جيوب هذا المواطن أولاً وآخراً، وليس مِنّة ولا تكرماً، أما الـ (إلى) فقد باتت واضحة بأنها إلى جيوب كبار التجار والسماسرة والمتنفذين.
علماً أن الأرقام تشير بالواقع العملي، إلى التخفيض المستمر للانفاق على هذه القطاعات، على الرغم من الاستنزاف الكبير لجيوب الغالبية من المواطنين، فأين الدعم المستمر من هذه الأرقام وهذا الواقع؟.
المواطن مُعَوّز!
والتحدث عن أولويات الحكومة، المتمثلة بتحسين معيشة المواطن، والاقلاع بالعملية الإنتاجية، رأيناها بوضوح من خلال الأرقام المعلنة بالموازنة، كما عشناها يومياً من بؤس إلى بؤس، على مستوى المعيشة والإنتاج على حد سواء خلال سنوات الأزمة، وخلال عقود خلت، بالإضافة لما خُطط له وتم الإعلان عنه، على مستوى العملية الإنتاجية بالشركات العامة، سواء التابعة لوزارة الصناعة، أو التابعة للقطاع الإنشائي، من خصخصة مُبطنة للرابح منها عبر عنوان «التشاركية»، وتصفية الخاسر منها، بحجج وذرائع مختلفة، بالإضافة إلى تدني مستويات الأجور بشكل كبير، لدرجة أنها وصلت للحضيض، ليس بالمقارنة مع ضرورات المعيشة فقط، بل بالمقارنة مع أدنى مستويات الدخول عالمياً، وبالنتيجة المواطن لم يعد فقيراً، بل أصبح جائعاً ومُعَوّزاً، فأين تلك الأولوية من حيز التنفيذ؟.
الفساد ليس مسؤولية المواطن..
أما عن المواطن ودوره على مستوى مسؤوليته في محاربة الفساد، فهذه كانت المفارقة الأكبر، ليس من باب أن المواطن مستنكف عن هذا الدور، بل من باب أن المواطن طَلَعَ على لسانه الشعر، وتعبت يمناه وهو يشير إلى مواقع الفساد والفاسدين، بالمقابل كانت أيدي الجهات العامة المسؤولة عن هذا الدور رسمياً مغلولة إلى عنقها في بعض القضايا، ومُغيّبة عن الكثير من القضايا الأخرى، ناهيك عن الفساد الذي طال الكثير من مواقعها هي الأخرى، وبالتالي ما زال الفساد يسرح ويمرح في البلاد، على عين الحكومة وأجهزتها التنفيذية، حيث لم نر حتى تاريخه أية محاسبة حقيقية للفاسدين الكبار، أو للمتاجرين من الحيتان الكبيرة، على حساب المواطنين ومعيشتهم وأمنهم، بل جُلّ ما نراه ونسمع عنه هو عن بعض الملفات الصغيرة، بحجمها، وأدوار الفاعلين بها.
وبالتالي دعوة المواطن للقيام بدوره على هذا الجانب هو نوع من المواربة المباشرة، وتحميله ما لا يجب أن يحمله أصلاً، على الرغم من أنه يقوم بهذا الدور، وكأن تلك المسألة من مسؤوليات المواطن وليس من مسؤوليات الحكومة.!
أي تكامل هو المطلوب؟
أما الحديث عن الدور المتكامل للحكومة مع الإعلام، فهو ليس أكثر من سعي لسحب البساط من تحت الدور الإعلامي الحقيقي، فعلى أرض الواقع لم يكن هناك أي تكامل على هذا المستوى، فالكثير، إن لم نقل غالبية وسائل الإعلام كانت تقوم بدورها على مستوى الانتقاد المباشر لأوجه الخلل في الممارسات الحكومية، وغير الحكومية، على مختلف المستويات، بالإضافة للإشارة إلى مكامن القصور في السياسات الاقتصادية الاجتماعية المعلنة والمعمول بها، بغض النظر عن مضمون ما تطرحه هذه الوسائل ومدى عمقه وجديته، ولكن على المستوى العملي، لم تكن الحكومة بوارد أن تأخذ أياً من ذلك بعين الاعتبار، بل ما زالت الحكومة مصرة على المضي بنفس سياساتها حتى الآن، وخاصة على المستوى الاقتصادي الاجتماعي.
فعن أي تكامل يتم الحديث بين الحكومة والإعلام على هذا المستوى، اللهم يمكن أن يكون الحديث عن بعض الوسائل التي تروّج لبعض التوجهات والقرارات، ولو كانت مضرة بمصلحة المواطن والوطن.
«خَيّط بغير هالمسلة»!
مع القناعة بأن رئيس الحكومة، هو كبير الموظفين الرسميين في البلد بالواقع العملي، فلا يسعني إلا أن أقول للحكومة بكامل طاقمها، «خَيّطي بغير هالمسلة»، شبعنا وعوداً وتصريحات، فإن لم يتم تغيير حقيقي للسياسات المتبعة، اقتصادياً واجتماعياً، فلا جدوى من حِبر المطابع، ولا جدوى من ساعات البث.
المواطنون جاعوا وتعروا وتشردوا، ومشاكلهم الكبيرة لا تحل بخُطب وبيانات، ما يحتاجونه هو شيء عملي وتنفيذي، ولعل أول ما يمكن أن يكون بهذا الاتجاه، هو: الإعلان عن تغيير السياسات التي أفقرت الغالبية وزادت من ثراء القلة المستغلة.
واخيراً، أنقل ما قاله أحدهم في معرض تعليقه على الظهور الإعلامي لرئيس الحكومة: «فرجينا همتك يا رئيس الحكومة، وعميل حجز ع أموال هـ الكبار من السماسرة والمهربين والفاسدين، وحاسب المسؤولين الكبار ع مبدأ من أين لك هذا؟، لك ما عاد في شي مخبى، الناس شايفة وعارفة، بس الحكومة ما بتساوي شي جدي!».