حماه.. كل 400 متر حاجز!
توزع بؤر الحرب الإرهابية في سورية، فرض نموذجاً موضوعياً لفرز المناطق بين الآمنة والساخنة، وكان للجيش السوري الدور الأساسي على مستوى مقاومة ومقارعة العصابات الإرهابية المسلحة، من جبهة النصرة وتوابعها، على المستوى الميداني في هذه المناطق.
ورغم قسوة هذا الواقع الجديد، فقد بقيت بعض العلاقات الرابطة بين هذه المناطق من خلال التبادل السلعي للمواد الغذائية، والاحتياجات اليومية للمواطن، كون هذه العلاقة لا يمكن التخلي، عنها أو منعها، بسبب التكامل والتبادل الموجودة أصلا قبل الأزمة.
ابتزاز واستغلال
هذه العلاقة بقيت موجودة رغم الحرب، ولكنها خضعت لشروط الابتزاز والاستغلال، من قبل بعض هذه الأطراف، وكان من أشكال فرض السيطرة والنفوذ في هذه المناطق وبينها، هو في وضع وتكثيف الحواجز الأمنية والعسكرية من قبل السلطة، ومن قبل المسلحين على السواء، وكانت الضريبة المالية على مرور المواد تخضع لمزاجية القائمين على بعض هذه الحواجز من الطرفين.
سباق حواجز!
هذه «الضريبة»، المفروضة عنوة على مرور المواد الغذائية بين المناطق السورية، أصبحت أحد الأسباب الرئيسية للارتفاع الجنوني لأسعار المواد الضرورية للحياة اليومية.
وهذا العبء الكبير لم يقف عند حد معين، بل نجده يتزايد، من خلال زيادة عدد الحواجز بالمنطقة نفسها، نتيجة تسابق بعض أصحاب النفوذ والنفوس المريضة والفاسدة بالتشبث بامتلاك حاجز جديد لها على الطرق بين المناطق الساخنة والآمنة، بحجة التفتيش عن المسلحين والتدقيق الأمني، رغم أهميته.
30% زيادة على حساب المواطن
على سبيل المثال لا الحصر، على طريق السقيلبية- قلعة المضيق، والذي طوله لا يزيد عن 3 كم، يوجد ثمانية حواجز تابعة لجهات أمنية مختلفة، أي بمعدل كل 400 متر حاجز، وكل حاجز يضع تسعيرته الخاصة به، بحيث أصبحت السيارة حمولة 3 طن خضار تخضع لدفع مبلغ 25000- 30000 ليرة سورية للعبور بين البلدتين، مع العلم أنها غالباً لا تخضع لأية عمليات تفتيش أو تدقيق عند الدفع.
وبعملية حسابية بسيطة تجد أن هذه الحواجز تسببت في رفع الأسعار لهذه المواد بنسبة لا تقل عن 25- 30%، عدا عمّا يواجه السيارات الناقلة من شرطة مرور وجمارك موزعة بالكثافة نفسها على الطرقات الداخلية، وكل منها يفرض «الديّة» كما يحلو له أحياناً، وعندما نضيف كلفة النقل، بتعدد أبوابها، تصبح كلفة هذه السلع المنتجة محلياً غير مقبولة ولا طاقة للمواطن على تحملها.
زيادة بالأعداد والذريعة الوطن!
لو دققنا في أسباب تواجد هذه الحواجز، بهذا العدد الكبير الذي لا مبرر له، ألا نستخلص وكأنه لا وجود لسلطة محددة مسؤولة عن ذلك! وبأن غياب المحاسبة لهؤلاء المتنفذين والفاسدين يزيد من جشعهم، باستخدام سلطتهم لجباية الأموال وفرض الديّات لجيوبهم الخاصة، ولبعض مسؤوليهم الذين يشكلون الغطاء الرسمي لوجودهم وحمايتهم، وذلك كله بحجة الحفاظ على أمن الوطن والمواطن؟!.
سلبيات وانعكاسات متعددة
الانعكاس السلبي على الجانب الاجتماعي للممارسات السلبية، لبعض هذه الحواجز يتجلى في انكفاء معظم المواطنين عن التنقل والانتقال من مكان إلى آخر، تجنباً لأي احتكاك مع عناصر هذه الحواجز، الذين لا يبخل بعضهم عن توجيه أسوأ أنواع التعامل مع هذا المواطن، وفرض غرامات المرور عليه، وهذا قد يؤدي تدريجياً إلى الانقطاع شبه الكامل بالعلاقات الاجتماعية بين أبناء البلد الواحد.
مع الأخذ بالاعتبار، أن هذا المواطن قد يصبح فريسة للحقد الذي سيتملك تفكيره وقدرته على التفريق بين الصالح والطالح، وبالتالي قد يجد نفسه في خندق المعاداة للوطن، من خلال معاناته في الحصول على أبسط حقوقه في المواطنة وتأمين العيش الكريم.
بعض التوجيهات الجادة قد تكفي
قد لا تتوفر الإمكانية على فرض شروط أفضل للتعامل مع المواطنين في المناطق الساخنة والخاضعة لهيمنة المسلحين والإرهابيين، طالما بقيت هذه المناطق خارج سيطرة الدولة، وهذا أمر مفروغ منه.
ولكنها، لا يمكن بحال ألا تتوفر بالمناطق وعلى الطرقات في المناطق الآمنة والخاضعة لسلطة الدولة، وتحت حماية الجيش، وبالتالي يمكن عبر بعض الإجراءات، أو حتى بعض التوجيهات الجادة فقط، إلغاء الكثير من الضغوط الممارسة على المواطنين، سواء على مستوى التعامل، أو على مستوى انسيابية تأمين السلع والخدمات، دون زيادة التكاليف عليها عبر ممارسات البعض من مستغلي الحرب والأزمة والفاسدين، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية الإجراءات الأمنية التي غايتها الحفاظ على أمن الوطن والمواطن.