رأي في مكافحة الفساد الإداري
مكافحة الفساد يستحيل أن تتم بالآليات الحالية التي تكرس الفساد وتزيده قوة ودهاء، والمكافحة تتم بعد فهم أسباب الفساد المادية والنفسية والسلوكية وفهم واقع القطاع العام، واقع الإدارة والموظفين والعقلية السائدة.
في رأينا أن الفراغ الذي يسود القطاع العام هو الذي يولد الفساد، والعطالة البدنية والذهنية تولد الأمراض الجسدية والنفسية وبالتالي تولد الفساد، فكيف تريد من آلاف وعشرات آلاف الموظفين الذين يجلسون خمس أو ست ساعات يومياً في دوائرهم عاطلين عن العمل لأنه في الأساس ليس لديهم عمل يقومون به، كيف تريدون من أولئك أن يبقوا أصحاء جسدياً ونفسياً وسلوكياً وهم يداومون يومياً على العطالة والبطالة.
فالفساد لا يقتصر على سرقة المال العام أو البيروقراطية أو الروتين في دوائر الدولة، الفساد أيضاً يتمثل في نمو سلوكيات الفراغ والبطالة داخل دوائر الدولة التي تولد الثرثرة والحسد والانحراف الأخلاقي والنميمة واللامبالاة والشعور باللاجدوى والعدمية والميل إلى السلبية والتخريب، وكذلك أمراض الجلوس وعدم الحركة الجسدية، كل هذه الأمراض من نتائج أوقات الفراغ أثناء العمل ساعات الرسمية وهي الأمراض التي تسبب الفساد الشامل، فالفراغ والعطالة هما ما تجب محاربته ووضع الحلول للقضاء عليهما، بذلك فقط نقضي على الفساد.
الحل الجوهري هو ملء أوقات فراغ الموظفين الإداريين إضافة لزيادة الرواتب طبعاً، بالنسبة لملء أوقات الفراغ ومحاربة العطالة والتسيب عن طريق أسلوبين داخلي وخارجي.
أولاً: الحل الداخلي:
ويكون عبر العمل الذهني والعمل العضلي:
|أ العمل الذهني: إدخال جميع العاملين الإداريين في أوقات فراغهم في دورات يومية وأسبوعية مستمرة لتعلم فنون الإدارة والاقتصاد وتعليمهم اللغات الحية (فرنسية، إسبانية ألمانية، وعدم الاقتصار على الإنكليزية فقط كي لا نكرس إمبريالية الثقافة الواحدة)، كذلك إدخال هؤلاء العاملين دورات إطلاعية وتخصصية في علوم البيئة والطب البديل والطب العربي والصيني وطب الأعشاب وعلم التغذية، وهي كلها علوم نحتاجها يومياً، كذلك تشجيع المطالعة الاختصاصية والعامة.
|ب العمل العضلي: أيضاً موجه للعاملين الإداريين:
1) رياضة يومية لكل العاملين في القطاع الإداري، فالرياضة تهذب الأخلاق وتقهر الهرمونات والشحوم «غير الأخلاقية» التي لديها ميل للانحراف، هذا الميل الناتج عن تراكم «رأس المال» الدهني النامي بواسطة العطالة أو الرشوة و«النميمة» اللسانية والكتابية.
2) ترتيب وتنظيف كل دائرة من قبل العاملين فيها يومياً.
ثانياً: الحل الخارجي:
المقصود بالحل الخارجي الاكتفاء بالعدد الأدنى من الموظفين في كل دائرة وإعطاء البقية إجازات مدفوعة الأجر وبشكل دوري، مثلاً مكتب فيه عشر موظفين، إذا كان ثلاثة موظفين قادرين على إدارة العمل فيه، نكلف كل يوم ثلاثة موظفين للعمل به والبقية أي السبعة يذهبون إلى بيوتهم أو إلى مصالحهم الأخرى خارج الوظيفة، بذلك نحل عدة مشاكل إضافة لمشكلة الفساد منها:
|أ تخفيف ازدحام المكاتب ومشكلة التلوث السمعي والبصري والهوائي وتخفيف الثرثرة والنميمة.
|ب التخفيف من زحمة المواصلات وبالتالي التأخر عن العمل والإقلال من نفقات المواصلات اليومية التي يدفعها الموظف وتخفيض تلوث المدن نتيجة التخفيف من الازدحام.
|ج نقضي على مليارات ساعات الفراغ المهدورة في القطاع العام ونكسب مليارات ساعات العمل في المنازل والمصالح المختلفة والأهم يزداد اهتمام الأهل والموظفين بأبنائهم وتربيتهم بشكل صحيح والتفرغ لهم، وهذا له مقابل مادي ونفسي كبير على المجتمع السوري ككل ويوفر على الدولة والمجتمع مليارات الليرات السورية كل عام ويوفر مئات الأعوام أو «مليارات الوحدات المكعبة» من الألم والوحدة والضياع، وغيرها من المشاعر السلبية إذا كان يمكننا قياس هذه المشاعر بالوحدات المكعبة أو المربعة!!
وهكذا تكون مكافحة الفساد شاملة، للإدارة والمجتمع، وهذا لايكون إلا بتطبيق علم «سلوك إداري» يجري بناؤه وفق واقع الإدارة السورية والمجتمع السوري ووفق حلول جزئية ومبتكرة ـ ما افترضناه جزء بسيط منها ـ لابد من العمل عليها بسرعة.
■ اللاذقية ـ قصي حسن