جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

ما الذي يجري بين «التجاري السوري» و«الرقابة المالية».. ولمصلحة من؟

بات معروفاً أن الجهاز المركزي للرقابة المالية كان قد أصدر منذ أوائل الشهر الجاري قراراً بإحالة لجنة التسليف العليا في المصرف التجاري السوري إلى القضاء، مع الحجز الاحتياطي على أموال أعضائها وأموال زوجاتهم (وأزواجهم) المنقولة وغير المنقولة.. وذلك على خلفية القرض الكبير الذي أوعزت رئاسة الحكومة بشكل رسمي للمصرف التجاري السوري لتسهيل منحه للسيد (النائب حينها، قبل رفع الحصانة عنه) أكرم الجندي صاحب قناة «شام» الفضائية في العام 2005 بهدف إطلاق القناة..

والغريب أن قرار الجهاز المركزي استثنى مدير عام المصرف التجاري السوري من (الشبهة) رغم أنه يرأس لجنة التسليف في المصرف، التي لا يمكن لها أن تبت بأمر أي قرض دون أن يحظى بموافقة وتوقيع رئيسها، الأمر الذي ترك أكثر من إشارة استفهام حول موضوعية القرار الرقابي ودقته.. علماً أن قيمة القرض (المشكلة) وصلت إلى  سبعمائة وخمسين مليون ليرة سورية، وهو ما لقي معارضة كبيرة حينها من مجلس إدارة المصرف ومن أعضاء لجنة التسليف (المتهمين)، ومن المدير العام، خصوصاًَ أن كل ما كان يملكه المقترض هو الأرض التي أنشئت عليها اللبنات الأولى للقناة، وبعض الأشرطة والأفلام ومعدات البث.. لكن إصرار رئاسة الحكومة على ضرورة تعاون المصرف مع الجندي، والذي تؤكده مراسلاتها مع المصرف، هو ما جعل المصرف يذعن لمشيئة الحكومة ويرضى بالضمانات المقدمة ويقدم القرض.

لكن الخطير هو ما حدث بعد ذلك، إذ ساءت العلاقة بين الحكومة والجندي قبل أن يبدأ بتسديد أقساط القرض، فأخذ فضائيته ومضى بها إلى مصر، ولم يلتزم بتسديد الأقساط المترتبة عليه، فتراكمت الفوائد على أصل القرض حتى وصلت إلى ما يقارب الـ200 مليون ليرة سورية.. عندها تفجرت القضية، وبدأت الجهات العليا الموجِّهة تتنصّل من الموضوع وتحمّله للصف الثاني من إدارة المصرف.

ورغبة من قاسيون في الإضاءة على تفاصيل هذا الملف وما خفي منه، فقد جالت في المصرف، والتقت بعض العاملين والموظفين الكبار، وقد أكد لنا أكثر من مصدر أن القرار الرقابي افتقد الدقة والموضوعية والنوايا الحسنة والغايات الوطنية، وتقف خلفه جملة من العوامل المتشابكة، منها ما يتعلق بأهداف إستراتيجية كبرى يدفع نحوها متنفذون محليون لهم ارتباطاتهم ومصالحهم، متوارون في الظل ويخدمون حيتان المال الكبار في سورية وخارجها، ومنها ما تقف خلفه دوافع ذاتية وحسابات شخصية ضيقة.

فمن جهة، حسب المصادر نفسها، يأتي هذا القرار الكامل العمدية، وليس المرتجل أو المتسرع كما يحلو للبعض أن يقول، في جملة القرارات والإجراءات التي يتبناها وينتهجها البعض في الحكومة وفي بعض المواقع الوصائية الأخرى، وعلى أطرافها، والتي تسعى لضرب كل مؤسسة عامة رابحة وناجحة، وخاصة في القطاع المالي، لإبقاء هذا القطاع مهلهلاً وضعيفاً ومتخلّفاً وغير قادر على منافسة القطاع الخاص المالي الذي يحاول بطرق شرعية وغير شرعية تعزيز حضوره في السوق المالية السورية بصورة أكبر وجذب العملاء الكبار، ولإحباط كل الكوادر الوطنية الشابة  العاملة في هذا القطاع وضرب المبادرة عندها، لأن هذه الكوادر ستشعر من الآن فصاعداً بأنها مستهدفة وغير محمية كون مدرائها، وهم نقطة نظيفة في بحر الفساد السائد، طالهم الأذى والظلم الرقابي بسبب نظافة أكفهم ونزاهتهم وتطلعاتهم الجدية للتطوير والتحديث، رغم أنهم قطعوا أشواطاً واسعة في هذا الاتجاه.

ومن جهة أخرى، فإن بعض من لا يروقهم الفريق الإداري في المصرف لأسباب ودوافع مختلفة، وهو الذي أثبت فاعليته وكفاءته ونزاهة أعضائه، كانوا طوال الوقت يفتشون عن ثغرة إدارية أو مالية لتنفيس أحقادهم، وقد ظلوا يسعون بشدة باتجاه استصدار مثل هذا القرار... وقد التقت الدوافع الإستراتيجية الكبرى والذاتية الضيقة في قضية «قرض أكرم الجندي» فجرى ما جرى.

أما بخصوص استثناء المدير العام للمصرف التجاري السوري السيد دريد ضرغام من القرار الرقابي رغم أنه يترأس لجنة التسليف العليا بالمصرف، علماً أن هناك من يزعم أنه مدعوم ومحمي من السيد رئيس الجمهورية، فأكدت المصادر أن القرار تعمّد استثناء المدير العام ليسيء إلى سمعته وإشاعة قضية (دعمه)، وليوحي للناس أنه فوق القانون، ولم ينتبه مصدرو القرار أنهم أثبتوا بذلك ضعف قرارهم من الناحية القانونية والمستندية.

وختاماً، فقد أكدت المصادر أن من طالهم الظلم رفعوا كتاباً إلى السيد رئيس الجمهورية يشرحون له فيه حيثيات الموضوع، ويطالبونه بالتدخل لإحقاق الحق.

 

هذا وقد تناقلت بعض المواقع الإلكترونية مؤخراً خبراً غير مؤكد، يفيد بأن السيد رئيس الجمهورية قد طوى القرار الرقابي.. ولكن الملف ما يزال مفتوحاً..