الهدم في الدويلعة والكباس.. والحبل على الجرار: بقوة القنابل المسيلة للدموع.. البلدوزر يقرر:  تشريد نحو /1200/ عائلة

■ عمره سبعون سنة.. ذهب إلى المحافظة ليشتكي.. فمات على بابها!! 

■ رفضنا الإخلاء وبقينا في منازلنا.. فرمى عناصر حفظ النظام القنابل الدخانية..

■ حالات اغماء جماعية.. والمشافي تمتلئ بالجرحى من الأطفال والنساء والشبان والشيوخ..

■ هدموا بيوتنا.. وسندفع لخمسة وعشرين سنة 5150 ليرة شهرياً..

■ البيت الذي يقدر ثمنه الآن بنصف مليون ليرة، يصبح ثمنه مليوناً وثمانمئة وخمسين ألف ليرة.. أي أكثر من ثلاثة أضعاف الثمن الفعلي..

من يتجرأ على المشي في الدويلعة والكباس، ويقابل الناس هناك، سيسمع الكثير من الحكايات المثيرة التي تتردد على ألسنتهم، والحكايات لم تحدث في سالف العصر والزمان، بل بدأت منذ أيام معدودة، والأهالي (الذين كانوا أهالي المنطقة)، لا يعرفون عن نهايتها إلا ما يقرؤونه في عيون بعضهم، ومحور القصة هو محافظة دمشق.

بدأت الحكاية حين شرعت محافظة دمشق، تنفيذ مشروع المتحلق الجنوبي الذي تقرر أن يوضع في الخدمة قبل نهاية العام الجاري بعد فترة توقف استمرت أكثرمن خمسة عشر عاماً، وذلك بإزالة الإشغالات عن المسار من عقدة الكباس بالدويلعة إلى عقدة حرستا بعرض 65 م. فقامت بداية بتحرير المسار بعرض 20 م حيث أوضحت المحافظة للأهالي أن هناك عقداً مع مؤسسة الإسكان لتأمين /209/ وحدات سكنية للشاغلين، مما حرك كثيراً من الأهالي الذين لم يحصلوا على بيوت نتيجة شروط المساكن البديلة التي لا تناسب وضعهم المعيشي،و عمليات الهدم التي فاجأتهم، للاشتباك مع عناصر حفظ النظام، ومقاومة مشروع تنفيذ الهدم، والصحافة الرسمية أبدت تكتماً حول ما جرى من احداث.

■ السيد (أبو محمد. أ. س موظف): وهو من سكان المنطقة الذين شملهم قرار الإخلاء والهدم روى لنا ما جرى:

وجهوا لنا الإنذارات في 7/7/2002 لإخلاء بيوتنا خلال فترة لا تتعدى تاريخ 31/7/2002 وذلك ليهدموا المنازل ويوسعوا الطريق بمسافة عشرين  متراً على أحد جانبيه كمرحلة أولى من عدة مراحل ـ أعتقد أنها أربعة ـ ليكملوا إزالة المنازل بعرض /65 م/ على جانب الطريق. ومن ثم فوجئنا بأنهم سيضمون المرحلتين الأولى والثانية في مرحلة واحدة بعرض /40/ متراً على جانب الطريق نفسه. والقرار الذي سينفذونه حالياً صدر عام 1980م.

جميع السكان الذين ثبتوا ملكيتهم لمنازلهم بعد عام 1980 وأجروا معاملة حل خلافات في 1985م يحصلون على منازل بديلة، أما الذين ثبتوا ملكيتهم بعد عام الثمانين لن يحصلوا على بيوت.وهذا ما دعا الأهالي إلى الاحتجاج، إذ أن أغلبهم قد ثبتوا بيوتهم بعد هذا العام، مما سيجعلهم مشردين في شوارع دمشق، لا يملكون مأوى أو منزلاً، علماً أن ملكيتهم لمنازلهم شرعية بعد أن اشتروا البيوت عن طريق كاتب العدل، إضافة إلى أن سكان منطقة الكباس هم من أفقر سكان دمشق إحصائياً، ومتوسط دخلهم لا يسمح لهم باستئجار منزل، فما بالك بشراء منزل؟!

■ (غ. أ. ص ـ حداد) يتابع سرد ما جرى قائلاً:

 عندما أتت المحافظة لتحسب مساحة البيوت، كان حساب البناء كمساحة مربعة، وقد تقرر أن يأخذ كل مواطن ثمن ملكيته ويملك منزلاً يزيد عن 120 متراً، منزلاً في ضاحية قدسيا بمساحة تتراوح بين (85 ـ 96) م2، إلا أن المهندس المسؤول عن حساب المساحات قام بالتلاعب فيها، فمنزلي مثلاً تقلصت مساحته بفضل هذا التلاعب بدلاً أن يعتمدوا المساحات الدقيقة المحددة من قبل دائرة المساحة والاستملاك.

والمشكلة ليست هنا، المشكلة في أسعار البيوت التي «سيعطونها» لنا في ضاحية قدسيا، فهم يطلبون /100000/ ل.س كدفعة أولى ومن ثم تقسيط بقية المبلغ على خمسٍ وعشرين سنة، بمعدل /5150/ ل.س شهرياً، فالبيت الذي يقدر ثمنه الآن بنصف مليون ليرة سورية، سيصبح ثمنه مليوناً وثمانمئة وخمسين ألف ليرة سورية، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الثمن الفعلي، وذلك بفائدة مقدارها 5%.

وقد قبل الأهالي بهذه الشروط، مع أن أغلبهم لن يستطيع دفع مبلغ خمسة آلاف ليرة شهرياً، وهو أكثر من راتب الموظف السوري (الذي لا يسرق)، وعندما ذهبنا إلى المحافظة لنجهز أوراقنا، لم نستطع استلامها حيث كانوا يقولون لنا كل يوم: (تعالوا بكرة).

■ السيدة أم خالد - زوجة بائع متجول، تقول:

عندي سبعة أولاد،  ولن يعوضوني في شيء، إذ أن شروط المحافظة لا تنطبق على منزلنا. ابني الذي يدرس التاسع ترك المدرسة الآن لأننا لن نستطيع دفع تكاليف دراسته بعدما جرى لنا من مصائب.

الآن نحن مشردون في الشارع، ولانملك شيئاً، فالمحافظة هدمت منزلنا وعفش البيت في داخله، فقد رفضنا الإخلاء وبقينا في المنزل، فرمى عناصر حفظ النظام القنابل المسيلة للدموع على بيوتنا فأجبرنا على الخروج وهدموا المنازل وشردونا.

■ (ص. ر ـ معلم ابتدائي):

أنا لا أدري كيف أقدمت المحافظة على خطوة كهذه متناسية وضع الأهالي.

نحن لا ننكر أهمية مشروع المتحلق الجنوبي بالنسبة لمدينة دمشق ودعم بنيتها التحتية، لكن ما نستغربه هو عدم الالتفات إلى الوضع المعيشي للأهالي المشردين حالياً والذين لايشملهم قرار تأمين البيوت البديلة، وحتى الذين يشملهم القرار ذو الشروط المالية التعجيزية بالنسبة لفقراء المنطقة، فكل منزل بطابقين مثلاً في منطقتنا سيعوض صاحبه بشقة من /90/ متراً،والمنزل المهدوم كانت تسكنه وسطياً ثلاث عائلات، أما منزل الـ/90/ متراً فلن تستطيع أن تسكنه أكثرمن عائلة واحدة، هذه نقطة، والنقطة الأخرى هي أن هناك قراراً آخر من رئاسة مجلس الوزراء لتأمين مساكن شعبية للمواطنين ـ والقرار رقمه 1940 لعام 2002 ـ  تضمن تكليف المؤسسة العامة للإسكان أيضاً بتنفيذ عشرة آلاف شقة مساحتها تقريباً /80/ متراً في عدة محافظات سورية بينها دمشق، وقدر ثمن البيت في ضاحية قدسيا ضمن القرار بنصف مليون ليرة سورية، فكيف يطلبون ثلاثة أضعاف المبلغ منا، رغم أن الموقع هو نفسه والفائدة هي نفسها؟

■ (خالد. س ـ بائع) يقول:

لقد هدموا منزلي ودكاني، ولن أحصل على شيء، ذهبت إلى المحافظة فقالوا لي لن تحصل على بيت لأنك لم تثبت ملكيتك في عام 1980م، فأنا قد ثبتت ملكيتي في 1992، ومثلي كثيرون لن يحصلوا على بيوت، والذين «سيأخذون» بيوتاً بديلة من الأهالي، لا يتجاوزن الـ120 عائلة الآن علماً أنهم كانوا قد هدموا أكثرمن أربعمئة منزل.

وعندما جاء مدير مكتب المحافظة وعميد منطقة باب توما ومختار الدويلعة إلى المنطقة اشتكى الأهالي عليهم وتجمعوا حولهم، فكتب المسؤولون أسماء المواطنين المحتجين، ومن ثم جاءت سيارات من الأمن الجنائي ليلاً وأخذتهم إلى السجون حيث يحتجز الآن أكثر من 125 شاباً أما ما يقال عن الصدامات فهي رد فعل طبيعي لأي مواطن، يخاف من التشرد ويريد أن يحمي بيته وأولاده.

لقد ألقوا علينا قنابل مسيلة للدموع وكثير من الأطفال أغمي عليهم ونقلوا إلى المشافي وكثير من الشبان والشيوخ جرحى في المشافي نتيجة ….. عناصر حفظ النظام، وأحد الشيوخ وعمره سبعون سنة ذهب إلى المحافظة ليشتكي لهم، فمات على باب المحافظة.

■ (حامد. ع) يقول:

ذهبت اليوم إلى المحافظة لاستكمال أوراقي، فطلبوا مني طابعاً مالياً قيمته 1500 ليرة وأنا لا أستطيع أن اجلب هذا المبلغ وبعض المواطنين وكلوا محامياً ليقوم بالإجراءات المطلوبة وقد دفع كل منهم أكثر من عشرين ألف ليرة سورية ولم تنته معاملاتهم بعد، يجب على الدولة أن تتنبه إلى نقطة مهمة، هي أننا فقراء (وكرر فقراء أكثر من مرة).

ويجب أن تجد لنا حلولاً تتناسب مع دخلنا الصغير، وأنا أطالب كل مسؤول أن يضع نفسه في موقعنا لمدة نصف ساعة فقط، ويسأل نفسه ماذا سيفعل؟!

الوضع في مخيم الكباس مثير للتساؤلات، والمفارقة الأكبر أن هناك أبنية قد صورناها، في الطريق المقابل لمنطقة الهدم، يتم بناؤها حالياً وهي أبنية مخالفة، فإذا ما أرادت المحافظة أن تهدم البيوت المخالفة سابقاً فعليها قبل ذلك أن تمنع بناء البيوت المخالفة التي تبنى الآن، والتي سيتم هدمها فيما بعد، لتنفيذ مشاريع مستقبلية كما عليها أن توضح أكثر، للصحافة وللأهالي، ما ستنوي فعله من أجل حوالي /1200/ عائلة يقطنون في /400/ منزل، ويعيشون على حافة خط الفقر، ويواجهون الشتاء والتشرد وينتظرون من يلتفت إليهم، أو يوضح لهم ماذا سيفعلون، رغم أن انتظارهم نوع من قتل الوقت ليس إلا…

■ كمي الملحم