ما يقرؤه الناس في انتخابات مجلس الشعب.. حملات انتخابية بمئات الملايين!

■ (إحنا يلي ندبح عسكر..)

■ ثمن الصوت علبة سمنة أو كيلو سكر

■ ما يدفع الناس لبيع صوتهم هو الفقر..

■ فتيات يرتدين ما قل ودل

■ الفتاة في مجتمعاتنا كالمغناطيس تماماً..

■ مباراة كرة قدم وزيارة إلى المسجد..

■ عمال يُجبرون على انتخاب مرشح الشركة!

انتخابات مجلس الشعب انتهت، والقضايا والحكايا التي جرتها وراءها لم تنته، رغم الإعلان الصادر على لسان السيد وزير الداخلية والمتضمن أسماء المرشحين الفائزين في المقاعد البرلمانية.

والمسألة لا تحتاج لبرنامج يوازي برنامج «جورج قرداحي» وليكن مثلاً (من سيربح الانتخابات)، لكي تعرف الجواب على السؤال اللغز، إذ أن الأسماء المعلنة لم تكن لتتخطى حدود المتوقع، ولا لتخرج عن دائرته. وما بقي على لسان الناس من سير وروايات، إنما كانت جملة من المشاهد التي كثفت واقع حال مازلنا نعيشه، ونعترف به، بل ونباركه أيضاً، وإليكم ما قيل من هذا الواقع:

■ مرشح استطاع أن يملأ الدنيا ويشغل الناس، بلافتاته وإعلاناته، وأن يغرق البلد، بصور الممثلين الذين أخذوا أدوار البطولة في مسلسلات كان قد أنتجها على حسابه، علماً أن مصاريف حملته الانتخابية لم تتجاوز المائة مليون ليرة سورية فقط لا غير!!

■ مرشح تلفزيوني، ملأ الشوارع بصوره المبللة بالدموع حالفاً لناخبيه أن سوية عمله في البرلمان ستكون صورة طبق الأصل، لسوية عمله في التلفزيون، في حال وصوله إلى مبتغاه.

■ مرشح (صناعي شاب)، تدخل إلى خيمته، فيستقبلك فرسان العراضة المرابطين على باب الخيمة، بهتافات وأهازيج من نوع (إحنا يلي ندبح عسكر) علماً أن الحادثة جرت عام 2003، أي بعد اختراع المحرك البخاري بسنوات..

■ مرشح يشتري أصوات الناس بعلبة سمنة، تحصل عليها بعد أن تعطيه بطاقتك الانتخابية، وذلك عن طريق أحد الباعة الذين يتعاملون مع حيتان المال في السوق، فتكتشف أن العلبة قد انتهت صلاحيتها!

■■ وأخيراً: مرشح يحتفل بفوزه قبل ثلاثة أيام من إعلان النتائج، وذلك إما لثقته بنفسه الفائقة الحد أو لأن خزنة البطاقات الانتخابية كانت قد امتلأت..

■ وكيل صندوق أحد المرشحين يقول:

«في مركزنا، في منطقة المناخلية، كنت ورفاقي الوكلاء، نشتري  البطاقة بمئتي ليرة سورية، إضافة إلى علبة من الشاي وقلم بلاستيك، مكتوب عليه اسم المرشح، وكنا مضطرين لفعل ذلك، إذ أن المرشح وعدنا بمبلغ قدره ألفين ليرة سورية وعمولة تستحق لنا بعد إعلان النتائج، مقابل جلب المزيد من الأصوات له، وحالما كان يأتي أحدهم لينتخب، كان الوكلاء يسارعون في إحاطته من كل جانب، ويضغطون عليه، ويغرونه بما لديهم من عروض، كي ينتخب المرشح الذي يعملون معه، وبعض الوكلاء، كان معهم بطاقات عليها تواقيع، وأسماء بعض محلات البقالة في ددمشق، وتلك البطاقات، تمكن المواطن من استبدالها بعلبة سمنة وكيلو سكر  وكيلو رز..»

■ وفي سؤالنا لوكيل آخر (طالب في كلية الآداب) عما جرى في مركزه الانتخابي قال:

«في المركز الذي عملت فيه، لم نلحظ إقبالاً شديداً على الانتخابات، ففي اليوم الثاني للاقتراع، كان قد أتى ما لايتجاوز الثلاثين ناخباً فقط، في حين أن الأحياء التي بالمنطقة تعج بالناس الذين لهم حق الانتخاب، وأغلب الناس كانوا يأتون، يسألون عن وكيل المرشح فلان، والذي كان يوزع على الناخبين ساعات يد، وأقلاماً، أو عن وكيل آخر من القائمة نفسها، والذي كان يعطي الناخب علبة من ألواح الصابون..»

■ وحينما سألناه عن السبب الذي يجعل الناس تقبل على بيع أصواتها لأولئك المرشحين قال:

«رأيت الكثير من المشاهد التي لو رأيتها لعرفت كيف تجري العملية...

السبب الرئيسي لا شك، والذي يدفع  الناس إلى بيع أصواتها، هو الفقر واستغلال أصحاب الأموال هذا الفقر، وذلك بابتزازهم وتقديم العروض المغرية إليهم، لقد كان سعر الصوت يتراوح بين المئتين والألفين ليرة سورية، إضافة إلى أساليب جديدة، استخدمها بعض المرشحين، كالذي عملت لحسابه مثلاً، إذ كان يأتي بفتيات جميلات، يرتدين ما قل ودل، ويضعونهن خلف صناديق الاقتراع، وأنت تعرف كلمة فتاة في مجتمعاتنا المتخلفة، هي تماماً ككلمة (مغناطيس) إذ أنها تجذب القاصي والداني لكي ينتخب رغماً عن أنفه، خاصة وأن بعضهن يقنعن الناخب بكلمات معسولة، كي يقع في الشرك، ويقدم صوته»..

■ مجموعة من المرشحين قاموا بنشاطات غير معهودة، ليستقطبوا ناخبيهم.. يقول محمد شيخة «طالب هندسة»:

«قبل بدء الاقتراع بأيام قلائل، قام أحد المرشحين، بتعهد مباراة كرة قدم، جرت بين فريقي الوحدة والاتحاد بملعب الفيحاء بدمشق، وحضر المباراة أكثر من ثمانين ألف متفرج، أدخلهم المرشح على حسابه الخاص،ومن ثم قدم هدايا لرابطة مشجعي النادي البرتقالي المعروف بكثرة عدد مشجعيه، ومرشح آخر، جمع أصدقاءه وحلفاءه، وكبار رجالات السوق وتجارها، وذهبوا لحضور خطبة الجمعة، التي يلقيها أحد الشيوخ المعروفين على مستوى البلد، وجلسوا في الصفوف الأمامية، بعد أن لبسوا قناع الخشوع والزهد والتعبد، عل المصلين المتواجدين في المسجد يهمون بانتخابهم، لدرجة أن إمام المسجد لم يستطع أن  لا يعلق أثناء الخطبة قائلاً: هناك وجوه في اجتماعنا هذا، لا أراها سوى مرة واحدة كل أربع سنوات!»..

كما أن أحد أصحاب المعامل الذي يقدر عدد عماله بالمئات، أجبر عامليه على انتخاب شريك له، رشح نفسه للانتخابات، مهدداً إياهم بالطرد من عملهم، والعمال جميعاً نفذوا ما أمروا به، إذ أنهم يدركون أن قطع الأعناق أسهل من قطع الأرزاق...

■■ النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات، لم تكن مفاجئة للذين تتبعوا سير العملية الانتخابية، ولاسيما أن قانون الانتخاب نفسه لا يهيئ فرصاً متكافئة للمنافسة الشريفة، إلا أن الأسئلة المفتوحة ما زالت مثارة حول مستقبل العملية الانتخابية ومجلس الشعب، ولا سيما في ظل القفزة الواسعة، والصريحة، التي حققتها قوى السوق، مما يثير تخوفات أكبر، تتعلق بمستقبل القطاع العام، وبالاتفاقيات الاقتصادية المقبلة، بعد أن  بدأ تجار الأصوات والأسواق وقوى العرض والطلب، تبيت للقطاع العام جنازة، لا قيامة بعدها...

 

■ المحرر