ماذا تبقى من العيد؟ الأعياد كما يعيشها الناس
■ الفقر أصبح من تقاليد الشعوب..
■ طبقة قليلة من المجتمع تتحكم بآلاف مؤلفة من البشر..
■ «في أيام العيد الثلاثة، تجاوز مصروفي ضعفي راتبي»!
■ «المنحة التي صرفوها لنا، لم تقدم ولم تؤخر»
■ 15000 ليرة سورية، انفاق الأسرة بالحد الأدنى.
■ يزداد المصروف في رمضان بمعدل خمسين بالمائة.
■ الإنفاق على المواد الغذائية يستحوذ على ستين بالمائة من إجمالي الإنفاق.
■ سعر قطعة ثياب لطفل يعادل نصف راتب موظف.
■ الإنفاق اليومي في الأعياد يزيد على الإنفاق اليومي الاعتيادي بمعدل خمسة أضعاف أو أكثر.
■ «مقبلون على رأس السنة، ولا نعرف ماذا سنفعل»..
■ سيقتلنا الفقر بعد أن قتل فرحنا وأحلامنا..
كما تنتهي مراحل السباق المضنية، فقد انتهت مرحلة ليست بالمرحلة السهلة من السباق الذي نخوضه مع لقمة الخبز كل يوم، وهانحن نقول:«حمداً لله فقد انتهى العيد» في الوقت الذي كنا نقول فيه سابقاً: «حمداً لله بدأ العيد».. إلا أن للمرحلة تتمة، طالما أن سباقنا لا ينتهي حتى بموتنا، وطالما أن مصاريف الجيب لا تنتهي ولو ألغيت كلمة (عيد) من كل قواميس الدنيا، فمشكلتنا لاترتبط بالعيد بحد ذاته كجزء من تقاليد الشعوب، بل بالفقر الذي أصبح جزءاً من تقاليد الشعوب أيضاً..
■■ ماالذي جعلنا نتغير، وماالذي جعلنا نفرح بدلاً من أن نحزن، ونحزن بدلاً من أن نفرح..
■■ ماالذي جعل أباً يصاب بالهستيريا حينما تقول له ابنته: «بابا، أعطيني عشر ليرات» كما لو أن توتراً عالياً مزق جملته العصبية، وطحن تلافيف دماغه..
■■ هل الحياة التي يحياها موظف سوري، كأبو محمود، يخرج من بيته صباحاً ليعود إلى بيته صباحاً، هي نفسها التي تحياها طبقة قليلة العدد من مجتمعنا، تتدفق إليها الأموال والغنائم، وتتحكم بآلاف مؤلفة من البشر، وهي على سريرها، لا تخرج ولا تعمل، وحتى لا تتعرق؟
■■ أبو محمود وهو الموظف الذي ذكرناه آنفاً يقول لنا:
«كيف تريدونني أن أفرح بالعيد، بل كيف تريدونني أن أسميه عيداً، وهو الذي يشدني من خناقي، ويكبدني مصاريف جمة، لا يقوى جمل على تحملها؟
في عيد الفطر فقط، وهو ثلاثة أيام، تجاوز مصروفي عشرة آلاف ليرة سورية،ناهيك عن أيام الصيام الثلاثين، لأننا وببساطة، وبينما نصوم، كان هنالك من يستغل صيامنا، ليرفع أسعار السوق، وأسعار السوق بيد أصحاب السوق، ونحن لسنا منهم، وحتى المنحة التي صرفوها لنا من أجل العيد لم تسهم في تعويضنا عن شيء، إذ أن ارتفاع الأسعار، لم يكن ارتفاعاً بسيطاً».
وإذا ما ذهبنا إلى لغة الأرقام، فإن دراسة أجراها المكتب المركزي للإحصاء تضمنت مسحاً لدخل ونفقات الأسرة السورية تناولت /7200/ أسرة على مدى عام كامل، تبين أن متوسط إنفاق الفرد الواحد في سورية يصل إلى (2500 ليرة سورية) شهرياً أي أن عائلة عدد أفرادها بين 5 أو 6 أشخاص سيتراوح إنفاقها بين 12500 ليرة سورية و15000 ليرة سورية، مما يتطلب أن يعمل رب الأسرة عملين إضافيين إذا ما قلنا أن متوسط دخله الشهري لن يتجاوز الخمسة آلاف ليرة سورية، كما هي الحال لدى غالبية موظفي القطاع العام.
وإذا ما كان الموظف إياه من موظفي القطاع الخاص فإن الوضع لن يتغير، إذا لم نقل، سيزداد سوءاً، فكما هو معلوم، أن الدوام في شركة أو منشأة تتبع للقطاع الخاص، يعادل في وقته ضعفي أو ثلاثة أضعاف وقت الدوام في القطاع العام، إضافة إلى أن العمل في القطاع الخاص، ليس عملاً مستقراً، وفق الظروف التي يعمل فيها العامل أو الموظف، ووفق الشروط المجحفة التي يمليها أصحاب الشركات، وأرباب العمل، على العاملين فيه.
وأشارت الدراسة المذكورة، إلى أن الإنفاق على الموادالغذائية يستحوذ على 60% من إنفاق الأسرة بالحد الأدنى، في حين أن الإنفاق على السلع غير الغذائية والخدمات، يستحوذ على الباقي من مجمل النفقات، علماً أن الأسر المأخوذة كعينة للدراسة، هي أسر من أصحاب الدخل المحدود، أي أنها أسر لا تطمح إلى اقتناء سلع كمالية. بقدر ما تطمح إلى الحصول على لقمة عيشها وقوت يومها.
■■ خالد.ع (معلم ابتدائي) يقول:
«أتقاضى خمسة آلاف ليرة سورية، جراء عملي في المدرسة، كما أنني أعطي دروساً خاصة لأؤمن بعض الإضافات إلى دخلي المتواضع، وقد أخذت أولادي وزوجتي في فترة العيد إلى قريتنا، كي أهرب من المصاريف التي ستواجهني في حال بقائي هنا، ومع ذلك، لم تجر الأمور كما أشتهي، فالأسعار في كل مكان مرتفعة، وأسعار ملابس الأطفال على وجه الخصوص غير معقولة، فقطعة ثياب لطفلي ذي الخمس سنوات، سعرها ألفا ليرة سورية، وهذا لا يعني أن بقية المتطلبات، تسعر تسعيراً يتناسب مع الوضع المعيشي، فمجموع ما أنفقته على الملابس فقط بمناسبة العيد تجاوز ضعف راتبي، وعلى الحلويات ما يعادل نصف راتبي، هذا عدا المصاريف الأخرى الاعتيادية، حيث أني لم أستطع شراء عشرة بالمائة مما كنت أود شراءه، في ظل أسعار السوق الفظيعة».
مزيد من الإنفاق ومزيد
من الأعياد…
تشير دراسات رسمية، أن الإنفاق في الأعياد يزيد على الإنفاق اليومي الاعتيادي بمعدل خمسة أو ستة أضعاف باليوم الواحد، بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود كما أن الإنفاق في شهر رمضان يزداد بمعدل 50%، وبالتالي فإن النفقات في هذا الشهر قد تصل إلى مبلغ يعادل 4 أضعاف راتب الموظف العادي.
وتظهر الزيادة في الإنفاق في شهر رمضان على السلع الغذائية، إضافة إلى الملابس والحلويات، لاسيما أن البعض يستعد لموسم العيد منذ بداية الشهر.
■■ ويلجأ بعض الموظفين إلى أساليب عديدة لتأمين حاجاتهم، وتحدثنا (سلوى. غ. و) بهذا الخصوص قائلة:
«أعمل موظفة في شركة نقل، وقد أخذت مع بداية شهر رمضان سلفة على راتبي، وعدت إلى مدخرات صغيرة كنت قد ادخرتها لهذه المناسبة، وكذلك استعان زوجي بقرض من عمله، وها قد أتممنا الشهر واستطعنا تأمين متطلبات العيد، إلا أن عيد رأس السنة على الأبواب، وكذلك يحتاج إلى مصاريف ولا أدري إن كنا سنستطيع تأمين نفقة العيد، ولاسيما أن أولادنا طلاب جامعيون، ولديهم نفقاتهم الخاصة بهم، والزيادات التي حصلنا عليها مؤخراً، لم تقدم ولم تؤخر، فكالعادة تخبرنا وسائل الإعلام عن زيادات في الأجور، دون أن تتم لنا الخبر، وتقول لنا أن زيادة في الأسعار تنتظرنا أيضاً، والحمد لله أننا نستطيع أن نؤمن لقمة خبزنا، إذ أن كثيراً من عائلات البلد، لا تستطيع تأمين كسرة الخبز لأطفالها، وأنا أتحدث هنا بصدق، فقد رأيت عائلات أستغرب كيف لا تموت من الجوع رغم أن رب الأسرة فيها قد يكون متعلماً، وحاصلاً على شهادة جامعية.
لا أعرف كيف تسير الأمور على هذا النحو، وكيف يتحكم بضعة تجار في سوق الهال مثلاً، بأسعار الخضار والفواكه من حق الجميع أن يحصلوا عليها، ومن حق الجميع أن يؤمنوها لعيالهم بأسعار معقولة.
أليس الخبز من حق الجميع، والكساء من حق الجميع، والسكن من حق الجميع، أما أننا نعيش فعلاً في عالم ليس عالمنا، وإننا فقط عبيد علينا أن نعمل ونتعب دون أن يحق لنا أن نفرح ودون أن نحصل على مقابل؟»
■■ أسعد. س (موظف في مؤسسة الكهرباء):
«أخاف فعلاً من كلمة (عيد)، فكلما اقتربت الأعياد، اقتربت الهموم والمصاريف. وتقض مضجعي آلاف الأرقام التي تتضارب في رأسي، وكل ما يحيط بنا لا نستطيع الحصول عليه في ظل هذه الأسعار، وذلك بالأيام العادية، فما بالك في أيام العيد، حيث تتضاعف أسعار الحاجات والسلع؟
أنا أعرف ما يعانيه مواطنو البلد، من خلال عملي، فواتير الكهرباء فقط قد تصل إلى نصف الراتب الشهري للمواطن، وفواتير الماء والهاتف تجهز على ما تبقى من راتبه، وبالتالي لن يستطيع المواطن أن يؤمن مصاريفه العادية، فكيف بمصاريف العيد؟
أنا أعتقد أن الفقر الذي استطاع أن يودي بكل شيء، أودى بفرحنا، فلم يبق لنا سوى انتظار بضع ليرات تأتي من هنا أو من هناك. أو انتظار عمل إضافي نقوم به بعد أوقات الدوام الرسمي،أو أن ننتظرالفقر نفسه، كي يقتل أولادنا وأحلامنا وطموحاتنا كما قتل فرحنا».
■■ ظروف الناس في الأعياد، لا تختلف كثيراً عن ظروف الأناس الذين قابلناهم، وهم فئات ليست استثنائية، وإنما من واقع الحياة، موجودة بأغلبية، وتشكل النسبة الأكبر من مواطني بلدنا، الذين يجاهدون وبكابدون في صراعهم مع ظروفهم، ليحسنوا من تلك الظروف، بينما يقف لاعبو السوق وتجاره وأمراؤه في وجههم، ليحرموهم من فرصة الاحتفال بالعيد، وأن يُفرحوا أطفالهم وعائلاتهم، بينما يقبع أصحاب المال، في بيوتهم، وبين عائلاتهم، يتنعمون بـ «الرخاء والبنين» على حساب العائلات الفقيرة.
■ المحرر