الحكومة تؤخر «الدعم» لتأخُّر محاسبتها!
سجلت مسألة إقرار الحكومة لآلية دعم المازوت حضوراً لافتاً في الصحافة المحلية، وعلى ألسنة الكثيرين من المحللين الاقتصاديين، والمهتمين بالشأن العام. وبعيداً عن الآليات المقترحة ومدى جدواها، كان اللافت هذا التأخر غير المفهوم وغير المبرر في إقرار آلية الدعم، حيث وصلنا الى أبواب الشتاء، ولم يفهم «مستحقو الدعم» بعد الآلية التي سيصلهم فيها حقهم هذا، مع تشكيك بعضهم بإمكانية وصوله أصلاً..
ولقد تمت مناقشة مسألة التأخر هذه على عدة مستويات ومن زوايا مختلفة، ولكن واحداً من أخطر المستويات التي يجب أن يتم نقاشها هو المستوى القانوني والتشريعي.
فالحكومة بوصفها السلطة التنفيذية في البلاد، والقيّمة على تنفيذ القوانين، والخطط والمشاريع الاقتصادية والانمائية سواها، يقع في مقدمة مهامها إصدار ما يلزم من قرارات بناء على نصوص الدستور والقانون، في الوقت الملائم والمناسب، بحيث تتم المحافظة على أعلى فعالية ممكنة عند وضع هذه القرارات موضع التنفيذ. وفي حال تأخرها في إصدار القرارات اللازمة فإنها تكون مسؤولة عن أية نتائج سلبية قد تنشأ عن هذا التأخير.
وإذا لم يكن ثمة نص يلزمها بوقت معين في إصدار قراراتها، فليس معنى ذلك السماح لها بالمماطلة وهدر الوقت في إصدار ما يلزم من قرارات. وربما يكون من بين الأسباب الرئيسية لهذه المماطلة، عدا ارتباكها وعقم تخريجاتها لقراراتها أحياناً، غياب آلية حقيقية في محاسبة الحكومة على تقصيرها، وفي إلزامها بالتقيد بضرورة عدم التأخير في إصدار القرارات، بعد أن تكون مقدماتها الضرورية، وخلفياتها الدستورية والتشريعية والاجتماعية جاهزة ومكتملة .
والحقيقة أن هذا الإلزام للحكومة لا يمكن أن يكون في ظل مفاهيم فصل السلطات، والدولة الحديثة إلا من خلال رقابة المجتمع على هذه الحكومة وأسلوب عملها، وإن الآلية القانونية والدستورية الأبرز لهذه الرقابة هي مجلس الشعب بوصفه السلطة التشريعية والممثل لإرادة الشعب.
ولعل هذه الرقابة المقررة دستورياً وقانونياً، هي ما دفع الحكومة الى ذلك السلوك الغريب في العمل على إقرار آلية دعم المازوت خارج مجلس الشعب. ولكن مناقشتها لهذه الآلية خارج جدران المجلس لا يمكن أن يعني بحال من الأحوال، شل قدرة المجلس على إلزام الحكومة بإصدار القرار اللازم في موعده المناسب. والحق أن مجلس الشعب قد أعطى هذه المسألة حقها من النقاش، وطالب العديد من أعضائه بإقرار آلية توزيع الدعم بأسرع ما يمكن، ولكن غاب الدور الحقيقي لمجلس الشعب، وغابت معه الآليات التي منحها القانون لمجلس الشعب، كي يتمكن من خلالها من إلزام الحكومة بتلبية متطلبات الشعب. فإذا كانت الحكومة قادرة على التسلل والمماطلة وتأجيل إصدار قرار كهذا بقدر ما تشاء، فأين هو دور مجلس الشعب بوصفه السلطة التشريعية، وبوصفه ممثل الشعب والمعبر عن حاجاته والمؤتمن على مصالحه؟.
إن هذا التجاوز الخطير الذي ارتكبته الحكومة لما يفرضه عليها واجبها في تنفيذ القوانين والتشريعات التي أقرت الدعم الحكومي للفئات محدودة الدخل، ومن خلال المماطلة والتأجيل غير المبرر، وهذا التقصير في فرض الالتزام على الحكومة من مجلس الشعب، يشير دون شك الى خلل خطير في التركيبة الدستورية والقانونية في البلاد، وإن الطريق الوحيد لإصلاح هذا الخلل هو استعادة الدور الحقيقي لمجلس الشعب بوصفه المخول بمنح الثقة للحكومة، والمخول بسحبها إن لزم الأمر.