يامن طوبر يامن طوبر

«لعبة» الموت و«أسطوانة الأوكسجين»..

فارق الحياة نزيل قسم الجراحة في مشفى الكلية الجراحي - تجمع ابن النفيس الطبي في دمشق، المواطن ي. محسن إثر انتكاسة صحية بعد فترة طويلة من عمل جراحي ناجح.

لم تكن الوفاة بسبب خطأ طبي أو ضعف مهني تسبب به القائمون على العناية بأمر المرضى من أعضاء الطاقم الطبي في ذلك القسم، كما قد يتبادر إلى الذهن، بل إن المريض مات لأن من يديرون الأعمال الخدمية في القسم الجراحي لم يتمكنوا من تأمين مفتاح تركيب منظم أسطوانة الأوكسجين، ليضيعوا بكل بساطة الجهود التي بذلها الأطباء ومساعدوهم من الممرضين والممرضات وفريق التخدير، وكل ما تم من ترتيبات لإنجاح العمل الجراحي .

فعند الساعة الرابعة من مساء يوم الثلاثاء 20/10/2010 تراكض الفريق الطبي المناوب إلى غرفة المريض المذكور بعد تلقي نداء استغاثة للمساعدة الفورية من مرافقه، حيث قام الأطباء بالإجراءات الإسعافية الضرورية ريثما يتم إحضار أسطوانة الأوكسجين لإنعاش المريض. وبعد جهد جهيد من البحث والتنقيب عن مفتاح مستودع الأسطوانات في الجناح المعني، تم العثور عليه بعد مضي عشر دقائق من دخول المريض في الغيبوبة، وما إن اجتازوا هذه العقبة وتنفسوا الصعداء بعثورهم على مفتاح قفل المستودع حتى اعترضت مسيرة الإنعاش عملية البحث التالية عن منظم أسطوانة الأوكسجين، وقد حاولوا عبثاً غير أنهم لم يجدوه، فعمل من كان يبحث على طلب المساعدة مستنجدين بقسم الداخلية حيث تم استعارة منظم لأسطوانة الأوكسجين، ولأن الوقت المتناقص بدأ ينفد حيث ضاعت خمس دقائق أخرى بحثاً عن هذا المنظم، بدأ لون المريض بالتغير وهو يعيش لحظاته الأخيرة، وبعد أن تم تجهيز المنظم والأسطوانة تعالت الأصوات مجدداً طالبة مفتاح تركيب المنظم على الأسطوانة!!

في هذه الأثناء كان أحد كوادر الفريق الطبي يحاول الاتصال بمقسم المشفى لإحضار سيارة إسعاف سريع لتقل المريض إلى إحدى المشافي الخاصة لعدم تمكن الفريق الطبي من إنعاش المريض لعدم توفر اسطوانة جاهزة تؤدي الغرض المطلوب، لكن خيبة الأمل وقلة الحيلة سيطرت على الجميع بسبب عدم تلقي رد من مقسم المشفى، فاضطر الأطباء للاستنجاد بمخفر الشرطة الذي استجاب بسرعة مثالية لطلب النجدة، ولكن حين وصلت سيارة الإسعاف كان المريض قد فارق الحياة.

هذه الحادثة وقعت فعلاً.. وقد سردها شهود عيان مازالوا برفقة مرضاهم في مشفى الكلية الجراحي. قد يعزو البعض ما حصل إلى الحظ العاثر والمصادفة.. ولهؤلاء نقول: أية مصادفات تلك التي يحاول البعض أن يحملها كل التردي الصحي الحاصل في البلاد؟

أية مصادفة أن يمضي أكثر من عشرة أيام على تساقط المياه الملوثة على مدخل العيادات ملوثة الداخل إليها والخارج منها؟ وأية مصادفة انتشار وتغلغل سماسرة بيع الكلى الذين يتقاضون خمسين ألف ليرة سورية لقاء كل عملية بيع؟ وأية مصادفة هي أن تكون أجرة سيارة إسعاف تقل مريضاً من دمشق إلى حمص تتجاوز ستة عشر ألفاً  يجري التفاوض بشأنها مع الوسطاء والسماسرة؟ وبعد هذا كله، أي مصير ينتظر القطاع العام الصحي والمشافي العامة؟!.