دردشات الاعتماد على الشعب أولاً..
أتفق وأبصم بالعشرة مع جميع المعارضين الذي يرددون وينتقدون سلبيات سياسة السلطة الداخلية من فساد وقمع ونهب واغتناء غير مشروع ورشوات ومحسوبيات، وارتداد عن مكاسب، ومحسوبيات اجتماعية واقتصادية سابقة . . .إلخ، لكني أستنكر وأدين بشدة مواقف الأحزاب وحتى الأفراد الذين يستقوون بالخارج، لحل مشاكلنا الداخلية، مهما كانت ثقيلة ومعقدة.
إن من يحاول ركوب هذه الموجة الوافدة بعد احتلال العراق، من الذين يعلقون آمالا ًكباراً على أمريكا، ويأملون من تدخلها عسكرياً أن يحقق الديمقراطية في بلادنا، ينطلقون من يأس قاتل مرده شعور بالإحباط من جدوى نضالهم، لأنه ـ كما يعتقدون ـ يواجه جداراً مسدوداً، ولا أمل لهم في اختراقه، ومن عدم إيمانهم بصلاحية المبادئ والحلول التي طرحوها في برامجهم للف الجماهير الشعبية حولها، وأخيراً من عدم ثقتهم بالشعب وبإمكان نضاله في سبيل تحقيق أهدافه المرجوة، في حين أن الشعب ـ كل شعب ـ لاسيما إن كان مضطهداً وجائعاً، يصنع المعجزات إذا توفرت له قيادة جريئة تعبر عن مصالحه، وتعرف كيف تدفعه للنضال، واقتحام الصعاب.
هذا عدا عن أن الاستقواء بالخارج، في هذه الظروف الحرجة التي يتعرض فيها وطننا لمزيد من الضغوط والتهديد بالحصار الاقتصادي والعدوان العسكري، هو ضلوع مباشر في المخطط التآمري الذي أعدته أمريكا لبلدنا كي يتخلى عن ثوابته الوطنية، ويرضخ لإملاءاتها في تسهيل بلوغ أهدافها المجرمة في المنطقة، من هنا يمكن قياس وطنية الحركات السياسية في المنطقة بمدى عدائها لسياسة ومخطط أمريكا رأس الشر في العالم. وكل سكوت عن ذلك هو تشجيع لها والاستقواء بها.
إن المراهنين على أمريكا في تحقيق الديمقراطية ـ رغم أنهم يريدون الديمقراطية المجردة ـ هم مخطئون وواهمون، كالعطشان الذي يغذ السير والخطا نحو السراب، ويمني نفسه بجرعة ماء لن يطالها ـ لأن الإمبريالية الأمريكية هي ألد أعداء الديمقراطية الحقيقية على النطاق العالمي، وهي لاتتعامل مع سلطات ودول العالم الثالث خاصة إلا كزلم أو عملاء لها، يؤمنون مصالحها، السياسية والاقتصادية والعسكرية، على حساب مصالح شعوبهم، وهذا مالايمكن أن تقدم عليه دولة ديمقراطية، ومالايمكن أن تخلق أمريكا مثل هذه الديمقراطية. لذا تلجأ إلى أحد أمرين، إما تدبير انقلابات عسكرية دموية، من أعوان لها يحققون لها أهدافها كما حدث في تشيلي وأندونيسيا، أو بالعدوان العسكري، تحت ذريعة أمريكا الجديدة (محاربة الإرهاب وتحقيق الديمقراطية) ولاأدل على ذلك من سجل تاريخها الأسود، باعتداءاتها المسلحة على الدول الأخرى ذات السيادة، المدرجة في كتاب (لماذا يكره العالم أمريكا) الصادر عام 2002 والذي يتضمن أكثر من 150 عدواناً عسكرياً، أذكر منها على سبيل المثال الاعتداءات التالية على كل من: جمهورية الدومينيكان عام 1965 ـ لبنان 1982 ـ غرينادا 1983 ـ ينما 1989 ـ العراق 1991 ـ الصومال 1991 و 1992 ـ هاييتي 1994 ـ كوسوفو 1999 ـ أفغانستان 2001 ـ العراق 2003 ـ . . . . إلخ فهل بعد هذه الوقائع ثمة وطني يفكر ويأمل من أمريكا أن تحقق الديمقراطية لبلده؟ وأفغانستان والعراق خير مثالين لديمقراطيتها؟
إن الاتجاه الصحيح لتحقيق مطالب شعبنا السياسية والاقتصادية والديمقراطية والاجتماعية، يتبلور في النضال الموحد للقوى المعارضة، بين أوسع الجماهير الشعبية صاحبة المصلحة الأولى فيها، إلى جانب أن أغلب شعوب العالم، وقوى التحرر والتقدم الخيرة، تتشاطر آلام وآمال بعضها، وتتبادل دعم النضال فيما بينها، فلماذا الاستقواء إذن بقوى الشر على حساب مصالح شعبنا دون قوى الخير؟
■ عبدي عابد