مشفى المواساة...خدمات تضيّعها الحماقة

لا أحد يشك بمستوى الخدمات المجانية التي تقدمها الدولة ولا سيما الطبية منها، فمشافي القطاع العام على روتينيتها ورتابتها، تعد الحلّ الأمثل لذوي الدخل المحدود  والمسدود على حد سواء، لأن بديلها غير الوطني يشبه كثيرا نظام اقتصادالسوق غير الاجتماعي فهو يعمل على مبدأ: اربح ثم اربح ثم اربح . لكن ... ولكن هذه لها شجون مع رواد بعض المؤسسات الخدمية العامة.

في الواقع أن يُظلم مواطن من قبل شخص ما فهي مسألة قد تجد لها من «يفبركها»  ويسوغها ويؤولها إلى غير احتمال، أو يحلها بالتراضي وبوسة دقن، لكن أن يُظلم أيّ مواطن من قبل مؤسسة طبية عامّة فهذا ما لم يجد العاقل تبريرا له ولا يقبل تسويغه ولا تمريره. المريض الشاب (ث) من أهالي القامشلي دخل مشفى المواساة بدمشق لأن مشفى مدينته لا تستطيع إجراء العمل الجراحي الذي يحتاجه (استئصال كيسة عظمية وتطعيم عظم )، وأبوه هو الآخر تم قبوله بصفة متبرع بعظم لولده، أما والدة الشاب فهي الأخرى تم قبولها كمرافقة لولدها وزوجها فالأسرة نامت في المواساة، الجميع في مهجع الشعبة العظمية رجال مع عدد من المرضى ومرافقيهم، فكان الوضع محرجا  للمرأة كثيرا، فكيف تنام في هذا القاووش؟

 تم عرض الموضوع على الأستاذ رئيس مكتب القبول، فوافق على الفور على نقل هذه الأسرة إلى السريرين  (14/15) في الغرفة المجاورة كونها فارغة ، وبعد إجراء ما يلزم من تحاليل وصور أشعة وخبرات واستشارات مشكورة من الأساتذة هناك، تقرر موعد إجراء العملية.

إلى هنا والوضع مريح جدا، لكن ما إن اقتربت الساعة الثانية من بعد ظهر الثلاثاء 24/1/2006 وانصرف الأستاذ الدكتور رئيس الشعبة العظمية، حتى قامت الساعة وفاض التنور وجاءت جحافل ياجوج وماجوج- طلاب الدراسات العليا الماجستير كزبانية جهنم أو كطلاب الضباط في دورات الأغرار يتقدمهم شاب نحيف يرتدي معطفا أبيض، ويكاد يهرول بمشيته ومريوله مفتوح والسماعة تتأرجح على جنباته ، وصوته يتعالى على الجميع من عمال ومرضى وممرضات، قال  للعائلة المريضة بالجملة  ماذا تفعلون (هاون) يقصد هنا؟ فحمل بطانياتهم وألقى بها خارج الغرفة واقتاد المريض إلى خارج الغرفة، وجاء بشاب أسمر سمين قليلا وقرّبه من الغرفة وقال له بابتسامة المنتصر:  (تفضل هذه غرفتك، وأنتم يالله لشوف علمهجع ليش تغيروا أسرتكم  شو هل فوضى) حاول الجميع إقناعه أن الموضوع ليس كما يفهمه لكنه لم يتمكن من الفهم، وقال: ما أحد له علاقة أنا أحدد أماكن المرضى (وأحط اللي بدي يّا ه في المكان اللي بدي يّا ه) قال والد الشاب :يا دكتور يا أستاذ، وهو يعتقد أنه أستاذ بالفعل: أرجو أن تتصل برئيس الشعبة فهو رجل كما يبدو هادىء ووقور، أو بالأستاذ المشرف على العملية، أو بالسيد رئيس مكتب القبول. فرفض وقال للمريض سأخرجّك على مسؤوليتي، قال : تعال وقع على الإضبارة وخرّجني. قال نعم سأخرّجك، وكان يعير الممرضات ورفقائه الطلبة شماتة غير مفهومة لكنها مصحوبة بابتسامة التعريم. لكني سأشتكي عليك عند وزير الصحة، فرد باستهزاء (وشو علاقة وزير الصحة أنا تابع لوزير التعليم العالي، فاذهب إليه واشتك قد ما بدك ، إيدك وما تعطيك).

 عرف أنه طالب دراسات وأن اسمه محمود وأنه لبناني ، لكنه لم يتمكن من معرفة من أي تيار هو ؟. قال له المريض الوالد: أنت لا تملك المسؤولية لتخريجنا على مسؤوليتك، لكن الظاهر محمود أصدر أمر تسريحهم، فقد تناول الاضبارة وراح يقلبّها بسرعة، فسلّم المرضى بطانياتهم والأردية الزرقاء، وخرجوا لعل مستشفى الأسد الجامعي يحويهم  .. ولم يكتب لهم نصيب في هذا لأن الدور هناك لا يمكن تحمّله والمريض طالب في الثانوية والكيسة العظمية تنهش بعضده، وستصل إلى المرفق قبل موعد الشهر .. غاب في المرجة قليلا .وقرر بيع أساور زوجته ومما يملك من منقولات أمواله، مع ديون ستكسر الموازنة الخاصة  لهذه الأسرة لعقد من الزمن وألقى بنفسه في وسط الجشع ، وسط السوق الطبي غير الاجتماعي  ليجري العملية في مشفى خاص، فالمعاملة هناك أقل ما يقال عنها أنها إنسانية لكنها إنسانية بفلوس.

 نصحه الأصدقاء والأقارب وأصحاب التجارب والقصص مع هذا المرض أن لا ينتظر الروتين فهناك الطبيب منزعج من المريض ويكرهه لأنه بلاش ومتطفل، وفقير وشحاذ وابن كلب، فعليه أن يتحمّل الاهانة، وقوم انقلع ، وشو جابك على وجهي . وعليه أن ينسى شيئا اسمه الكرامة، فهم يقولون للمريض روح لشوف .. تعا لشوف .. اشلح لشوف....وإذا رد ّ المريض بكلمة يتخرج على مسؤولية عجي لا يشبه أهله كثيراً.

فكيف يتخرج مريض قادم من ألف كيلو متر لإجراء عمل جراحي من مشفى عام بحماقة طبيب يتبين فيما بعد  أنه غيرمسؤول، وأنه قادم للارتزاق، أقول قولي هذا، وأرجو أن يأخذ وزير التعليم العالي كلامي لأنني نقلته بكل أمانة وصدق، ويردع محمودا وأشباهه ومشتقاته،  ليس محمودا فيل أبرهة الحبشي الذي قدم لهدم الكعبة، فهناك تشابه بالأسماء، بل محمود  طالب الماجستير الذي  جاء لهدم المواساة.

 

■ محمد السمّوري