ارتفاع الأسعار يوسع وليمة الفساد... والفاتورة على حساب الشعب

دون أية مقدمات أو مطولات، نقدم لكم وبشكل مباشر عبارة مأخوذة من التقرير الاقتصادي المقدم من الحكومة إلى المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العام الماضي والذي جاء فيه حرفيا ما يلي: " يُعد تحسين رفاه الأفراد الهدف النهائي لأي عملية تنموية وبالتالي فهناك حاجة لتطوير مستويات المعيشة  والتي تعتمد على التنمية الاقتصادية كحامل للتنمية الاجتماعية.

وهنا يبرز الوضع الحالي و الذي يشير إلى تراجع معدلات النمو مع زيادة سكانية مما أدى إلى تدهور رفاه الفرد منذ 1997 حتى 2004. وبالتالي فهناك حاجة ملحة لتطوير مستوى حياة الأفراد وبمعدلات متسارعة لتعويض التراجع الذي حدث في الفترات السابقة فحصة الفرد في عام 2003 تقارب حصته عام 1980 وللعودة إلى الوضع النسبي لدخل الفرد في سورية عام 1980 مقارنة بدول الشريحة الدنيا من فئة الدخل المتوسط نحتاج إلى معدل سنوي للنمو 10.5 % لغاية  2010 أو 7.5 % لغاية 2015. إن هذه الاحتياجات الضرورية تعتبر تحديات ضخمة فمعدلات نمو مستدامة على هذا المستوى تحتاج إلى تغييرات حاسمة في السياسات والبنية الاقتصادية ".

الدولار من أمامكم والحكومة من ورائكم

كانت تلك الكلمات اعتراف حكومي مباشر بتدهور الحالة المعيشية للمواطنين، واثبات لا يرقى إليه الشك بأنها على علم مطلق بوضعهم الاقتصادي السيئ، لكنها في الوقت نفسه كانت جزءا من خطاباتها الرنانة التي اعتدنا عليها والذي قُدم للسلطة السياسية لتبني عليه قراراتها، وبقي الكلام كلاما، والوعد وعدا، بدليل أن كل ما فعلته الحكومة بعد المؤتمر القطري العاشر للحزب حتى الآن سار بعكس ما قالته في تقريرها ذلك تماما، وهذا يدل على أنها أبعد ما تكون عن هموم الناس وأن تحسين مستواهم المعيشي في آخر اهتماماتها، ويدل أيضا أن دخل الفرد في عام 2006 سيكون أقل منه في عام 1980 بسبب ما التهمته الأسعار من قوة شرائية له، أيضا وهذا الواقع يضعنا حقيقة أمام سؤال هام جدا وهو: إن كانت الحكومة تعلم بذلك الوضع الاقتصادي المتدهور للناس، والسلطة السياسية تعلم به أيضا، فلماذا يستمر بالتدهور والانحدار إذا؟ وإذا طلب الناس يوما ما محاسبة من أساؤوا لهم اقتصاديا، ومحاسبة من خربوا عليهم حياتهم، وباعوهم أحلاما فقط فمن سيحاسبون؟ ولمن سيحملون المسؤولية؟

ذلك الخطاب الذي قدمته الحكومة لمؤتمر الحزب تحطم تماما أمام موجات ارتفاع الأسعار الكاسحة التي بدأها الدولار وتابعتها الحكومة دون أدنى سبب منطقي لها، اجتمعت جهود الحكومة وتجار الدولار على هدف واحد هو الاستمرار في إفقار الشعب بطريقة أو بأخرى، عن قصد أو عن غير قصد، وقد أرسلوا للمواطنين رسالة مفادها أن " التجار من أمامكم والحكومة من ورائكم فأين المفر؟ ". التجار بدولاراتهم الخضراء، والحكومة بقراراتها السوداء، وأعناقكم وأرزاقكم بين فكي كماشة الأسعار. وفي هذه الظروف الصعبة المحيطة بالشعب طفا على السطح الإعلامي بعض المبررين لقرارات الحكومة والمستفيدين سياسيا واقتصاديا من مناصبهم وعلاقاتهم ليبرروا رفع الأسعار على أنه خطوة في الاتجاه السليم تحت أسماء عدة منها، إعادة توزيع الدعم لمستحقيه، وترشيد الاستهلاك، وموازاة السعر العالمي،ورفد خزينة الدولة بالموارد، وتصحيح التشوهات السعرية، وغيرها من المسميات الخلبية التي عممتها مواقف أنصاف الإعلاميين، وأشباه الاقتصاديين في جهاز الدولة. دون أن يدرك أحد من أولئك أن ارتفاع الأسعار سيعيد تقسيم ثروة الفساد بطريقة جديدة ضمن  أفراد الطبقة الفاسدة الحالية نفسهم، وسيضيف إليهم مرتزقة جدداً سيستفيدون من الظروف الحالية لينضموا إلى عربة الفساد المنفلتة من عقال المحاسبة، نقول ذلك لأن لا أحد من سدنة الفساد وأركانه سيتنازل عن معدل السرقة والهدر الذي يحققه لا قبل ارتفاع الأسعار ولا بعدها، وبالتالي فإن كلفة الفساد والسيطرة عليه سترتفع مع ارتفاع الأسعار ولن يكون هناك أي ترشيد اقتصادي حقيقي، ولن تستفيد خزينة الدولة أبدا، لأن حجم الفساد بات ثابتا، إن لم نقل أنه في ازدياد، وبالتالي لن يقبل الفاسدون بأقل من مكتسباتهم الحالية ولو بذرّة واحدة، وفي النهاية فإن الذي سيدفع الفاتورة ويحاسب عن جميع أفراد المائدة هو المواطن فقط.

مصيبة جديدة...انتظروا المازوت أيضا

نبشر المواطنين بأن هناك مصيبة جديدة ستلّم بهم بعد عدة أشهر فقط، تلك المصيبة تتمثل برفع أسعار المازوت، وكل التصريحات الحالية بأن المازوت لن يمس لا تعدو كونها حبوباً مهدئة لألم عملية رفع سعر البنزين والأسمنت، فكواليس هيئة تخطيط الدولة تقول إن القرار قد اتخذ بشأن رفع سعر المازوت، وأن الحكومة بانتظار انتهاء فصل الشتاء فقط كي لا يشعر المواطن بأثر الارتفاع مباشرة ولكي يكون قد امتص صدمة ارتفاع الاسمنت والبنزين وخلافه " شفتوا الحكومة شو خايفة على مشاعر الناس"، والنتيجة أن دوامة ارتفاع الأسعار لن تهدأ أبدا في هذا العام ولا في العام القادم، وعندما يرتفع المازوت سيرتفع كل شيء يدخل في إنتاجه استخدام المازوت، وسترتفع "بالغيرة" كل أسعار السلع الأخرى في الاقتصاد تحقيقا لمبدأ " ما حدا أرخص من حدا". ووفقا لهذه المعطيات ستتدنى القوة الشرائية للمواطنين ولن تنفع معهم زيادة رواتب وأجور  بنسبة 30% أو 40%، فالأثر الذي سيتركه ارتفاع سعر الاسمنت لوحده سيمتد إلى أسعار العقارات وأسعار مواد البناء وأسعار الإيجارات، ولن يخلف رفع سعر المازوت على المواطن آثارا أقل سلبية أيضا منه.

كان الأجدر بالذين يبررون مواقف الحكومة تلك أن يطالبوها بتجفيف منابع الفساد أولا، وإصلاح مناخ الاستثمار ، وبناء صناعة وطنية، وتصحيح النظام الضريبي، والبحث عن بدائل للنفط، قبل أن تتوجه لجيوب المواطنين لتسحب ما تبقى فيها من ليرات تسد رمقهم. وكان من الأجدى لهم أن يطالبوها بأن تأخذ موقفا حاسما وجذريا من ناهبي الاقتصاد لعقود طويلة، وأن تحاسبهم وتسألهم عن مصدر أموالهم تلك قبل أن تستعرض عضلات قراراتها على جيوب الناس تحت أسماء حركية ومستعارة. وبعد ذلك نطلب منكم مرة الأخرى العودة إلى ذلك النص الذي قدمناه لكم في البداية ونترك لكم حرية المقارنة واتخاذ الموقف والقرار.!! 

■ أيهم أسد

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.